11-فبراير-2020

الهجاء الساخر طريقة فعالة من أجل استنكار الشر والحماقة (أحمد فلاح)

يكاد يجمع كل عاقل، على هذه البديهية وهي أن مقتدى الصدر لا يعد مفكرًا، ينتج لأتباعه الأفكار فيتشربونها ويناقشون خصومهم لإثباتها، سواء كانت تلك الأفكار قابلة للتطبيق أو أنها أفكار يوتيوبية تحلق في السماء عاليًا دون أن تجد مستقرًا لها على الأرض، ولو نظرنا إلى مقتدى الصدر بوصفه رجل دين يركن إلى منظومة دينية والتي يركن إليها كذلك أبيه محمد صادق الصدر وعمه باقر الصدر، فإن الرجل لا يعدُ مجتهدًا وبطبيعة الحال لا يعد أعلمًا له الحق في قيادة الناس والتحكم بمصائرهم بحسب الفتاوى التي يصل إليها خصوصًا إذا كان يؤمن بولاية الفقيه كما هو شأن والده.

لا يعد مقتدى الصدر مفكرًا ولا مجتهدًا وفق المنظومة الدينية التي ينتمي لها ولا يمكن اعتباره كذلك في ميزان نظريات الفكر الغربي حول القيادة وشروطها

ولو رجعنا إلى أسس وشروط القيادة في هذه المنظومة لأصبح بعد وضعه في ميزانها "ضالًا ومضلًا"، يتحمل كل تبعات قراراته، فوالده صادق الصدر، وليس غيره يرى أن "كل من تصدى لقيادة المجتمع وهو ليس بمجتهد أكبه الله على منخريه في قعر جهنم كائنًا من كان، حتى لو كان أفضل، فضلاء الحوزة"، أما عمه باقر الصدر فلم يذهب أبعد من هذا القول فيرى في كتابه مجتمعنا "أن القيادة لا تصلح إلا في ثلاثة، إما نبيٌ مرسل، أو إمامٌ معصوم، أو مجتهدٌ أعلم، في خلاف ذلك فإنها قيادة ضلال واتباعها ضلال".

كما لا يمكن بطبيعة الحال وضع مقتدى الصدر في ميزان نظريات الفكر الغربي حول القيادة وشروطها وأُسسها سواء كانت في الفكر القديم أو الحديث والمعاصر، فإن فكرة الدولة أنا قد اندثرت من غير رجعة، وصولًا إلى نظريات ديفيد هيوم الذي كان يعتقد "إن هيمنة رجل واحد على أعداد كبيرة من الناس قد بدأت في أثناء حالة حرب، حيث يظهر تفوق الشجاعة والعبقرية بوضوح، وحيث الإجماع والاتفاق ضرورة، وحيث يكون الإحساس بالإثارة المدمرة للفوضى أكبر" فنحن الآن في سنة 2020 وصار الناس يؤمنون بالديمقراطية وبناء دولة المؤسسات وهذه النظريات تصلح ربما لو كنا في عصر ما قبل الدولة.

وهكذا فإننا لو تصفحنا كل الأفكار الإسلامية والغربية فإننا لن نجد مكانًا نضع فيه مقتدى الصدر، يتيح له هذه المكان قيادة المجتمع والتحكم بمصيره كما يحصل الآن، ونتيجة لذلك أصبحت شخصيته حائرة ومحيرة، زئبقية لا تركن إلى إطار فكري تتيح لنا نقاشه أو تجديده أو هدمه.

اقرأ/ي أيضًا: الصدر وانتفاضة تشرين.. من عثر على الآخر؟

وخلال تربعه على عرش القيادة الصدرية دون أي مؤهلات أو أسس شرعية كما أسلفنا، فانه مازال لا يفرق بين الطوائف والحركات الفكرية كما في تغريدته التي نشرها بتاريخ 5 شباط/فبراير، حيث وضع المذهب الشيعي والسني والشيوعية والعلمانية على صعيدٍ واحد!

لا يمتلك مقتدى الصدر أي مؤهلات غير أنه ابن عائلة دينية، اقتبسَ قبضة من ترابها بوصفه الوريث الوحيد، ولو جردنا مقتدى الصدر من هذا الإرث وهو على هذا الحال لأصبح الرجل مادة لأشهر برامج السخرية ورسومات الكاريكاتير والنكات، فالرجل ينام على قرارٍ ويصحو على ما يناقضه، حتى صارت عقول أتباعه مثل (دوارة الريح) تدور كل ساعة في اتجاه مختلف!

وبناءً على ذلك لا يمكن مد جسور الحوار بشتى أشكالها مع مقتدى الصدر وأتباعه لأن حوارًا لو قدر له أن يكون فإنه يولد ميتًا، فأنصاره يعملون تحت يافطة "طيع واسكت" فهم ينظرون إليه وقد تشكلت هالة مقدسة تتحلق حوله، فهو تابو مقدس لا يمكن الاقتراب من أسواره. 

هذه الهالة المقدسة والتابو الذي يحيط بمقتدى لا يمكن هدمه إلا بمعول السخرية وجعله مادة للضحك.

يقول آلان دو بوتون "إن الموهوبين من صنّاع الكوميديا، لا يُلقون خطبًا تلخص انتهاكات السلطة، بدلًا من ذلك يُحرضون جمهورهم، وهو يضحك على الإقرار بصحّة وصواب أسباب احتجاجهم على السلطان". أما عن تأثير السخرية والنكات وعلاقتها باللاوعي فإن فرويد يرى أن السخرية تتيح لنا أن نستغل شيئًا سخيفًا في خصمنا، شيئًا لا يُمكننا، بسبب بعض العقبات، أن نعلنه صراحةً أو عن وعي قصد" فالسخرية وإلقاء النكات بحسب فرويد "تكسب أذنًا صاغية لدى السامعين... ولهذا السبب فالسخرية لها الأفضلية كلّما مسّت الحاجة لانتقاد ذوي المناصب الرفيعة".

ويذهب صامويل جونسن إلى إن "الهجاء الساخر طريقة فعالة من أجل استنكار الشر والحماقة"، ويوافقه الرأي جون درايدان الذي يقول: "إن الهدف الحقيقي للهجاء هو إصلاح شرور العالم".

استطاعت السخرية أن تزيل هالة القداسة عن قادة الميليشيات ولو استمرت فإنها ستسقط الألقاب عنهم وتجردهم من مكانتهم المتخيلة

ولو قارنا بين مقتدى الصدر بعد بروزه بعد عام 2003 ومقتدى في أيامنا هذه لوجدنا أن الهالة المقدسة الوهمية قد تقشعت في عيون بعض اتباعه وأكثر المتعاطفين مع تياره وتكاد تنخسف أو تزول ويكاد الرجل يتعرى من كل شيء لا يستحقه علق به من إرث العائلة التي ينتسب لها، وصارت الناس تتكلم وتتجرأ عليه وتهتف ضده في ساحات الاحتجاج، بعد أن كان الجميع يخاف من التعرض له بالنقد أو السؤال، فهو المؤسس الأول للميليشيات في العراق والتي هي مستعدة على طوال الخط أن تذهب بك إلى ما وراء الشمس أو ما وراء "السدة" لو انتقصت منه أو سخرت من قراراته.

هذه الجرأة وتعرية قادة الميليشيات ووضعهم على خشبة التشريح والتحليل وتسليط الأضواء الكاشفة لحقيقتهم يعود جزء من الفضل فيه إلى معدي البرامج الساخرة ورسامي الكاريكاتير، وأصحاب المقالات التي تسخر من كل الشخصيات التي تتهم بالمساهمة بتخريب البلاد، وهذه السخرية لو استمرت وتطورت سوف تصبح معولًا يحطم هذه القداسة والأوهام التي تحيط بهؤلاء القادة وتسقط كل الألقاب عنهم، وتجردهم من مكانة أنصاف الآلهة التي ظنوا أنفسهم فيها! فالحقيقة قريبة كما يقول نيتشه، لكن الأسماء والألقاب وصراخ الجماهير ونزقهم من تبعدها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فصل جديد من كتاب المحنة.. خطاب إلى الأمة الصدرية

العصي والهروات في مواجهة وعي الحقوق