12-يوليو-2022
بابل

نصوص عنصرية من العراق القديم في فترات السومريين والبابليين (فيسبوك)

لم تنشأ العنصرية حديثًا، وهي تكاد توجد مع بداية الحياة البشرية، كما سنعرض النصوص التي تتحدث عن العنصرية في العراق القديم، وتتألف من مكونين أساسيين على كل الأصعدة الجغرافية والتاريخية، إذ انها تفترض مسبقًا بعض المفاهيم عن سلالة قد تم تعبئة أفرادها وتتضمن إيعازات سلبية نحو مجموعة سلالية بعينها، بحيث تنشأ هذه الصراعات العرقية وموجات الكراهية والعنصرية بسبب التنازع والسيطرة على الأرض والموارد الاقتصادية والثروات، وغالبًا ما يتمّ التمييز بين الجماعات الإثنية على أساس خمسة معايير وهي:

  • 1- البعد المكاني أو الجغرافي والذي يشمل الموطن أو مكان الجماعة الأصلي.

  • 2- اللغة المشتركة.

  • 3- الاعتقاد الديني المتشابه.

  • 4- الثقافة والسلوك والتنظيم الاجتماعي والتقاليد والعادات.

  • 5- التاريخ الجمعي المشترك.

أولًا: العنصرية الخارجية في العراق القديم

  • 1 - السيطرة الكوتية على العراق 2211 - 2120 قبل الميلاد

استطاع الكوتيون السيطرة على بلاد الرافدين وهم من الأقوام الجبلية التي كانت تستوطن أواسط زاكروس بعد أن قضوا على الحكم الأكدي، فيما نجم عن هذه السيطرة تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث كانوا غرباء عن سكّان بلاد الرافدين في انتمائهم العرقي والحضاري، كما أنهم اعتبروا ذوي مستوى حضاري أقل من بلاد الرافدين.

"الحكم الكوتي الذي ملأ البلاد بالمآسي"

"كشبكة لصيد حيوان السهوب، مدوا

 أيديهم، لم يفلت من بين أيديهم أحد ولم يرحل أي من رسل التجار ولم يتحرك أي مركب في الأنهار.. في كل مكان كمن اللصوص، الناس في كل البلاد بكت بمرارة خلف جدران مدنهم". 

كان التنظيم السياسي - الاجتماعي الكوتي مختلفًا عن نظيره الرافديني، فالمجتمع الكوتي كان قبليًا يتمحور حول شيخ القبيلة أو ربما حول مجلس قبلي مكون من وجهاء وشيوخ القبيلة، كذلك غياب الإشارات إلى المدن والحواضر الكوتية في هذا العصر ينم عن حياة التنقل وعدم الاستقرار عندهم، وهذا عكس ما موجود من النظام السياسي والاجتماعي من خلال الإنجازات الحضارية لبلاد الرافدين من حيث تأسيس المدن والمعابد مع وجود نظام حكم متجسد بسيطرة ملوك على مختلف الجوانب، فالإنجاز الحضاري يتوقف على طبيعة الأقوام ومدى استعدادهم، ولهذا نرى مجتمع جبلي مثل مجتمع الكوتيين فقير بموارده، و"يحيا حياة همجية" كما وصفهتم النصوص المسمارية بأوصاف عنصرية واضحة:

"الأقوام البربرية التي لا تعرف الحضارة"

إذ لم يكن لهم أي تأثير حضاري وثقافي على بلاد الرافدين، بينما حصل العكس وتأثروا هم بهذا الشيء. استمرت النصوص المسمارية في وصفهم بالأوصاف اللاذعة ووصف الحياة على عهدهم بأسوأ ما يكون كما ورد ضمن نص لعنة أكد:

"ليسوا من البشر، لا يعتبرون جزءًا من البلاد، كوتيوم شعب لا يلجم لهم سحنة البشر ولكن بذكاء الكلاب وملامح القردة، وفي زمنهم لم تعط الأراضي الزراعية الواسعة حبوبًا، ولم تنتج المناطق المتموجة سمكًا، لم تنتج البساتين المروية لا دبسًا ولا عصيرًا، لم تمطر السحب المتجمعة ولم يعد المشكوروم ينمو، تحول الصادق إلى كذاب ووثب الشباب على الشباب، اختلطت دماء الكذابين بدماء الشرفاء". 

استطاع الكوتيون التمسك بالحكم في وادي الرافدين مدة طويلة نسبيًا تقرب من قرن من الزمن 2211 - 2120 قبل الميلاد تعاقب خلالها على الحكم 21 ملكًا لا نعرف عن معظمهم سوى الأسماء، ولهذا شاع عند جمهرة المؤرخين عن العصر الكوتي في بلاد سومر وأكد بكونه عصرًا مظلمًا لم ينتج فنًا أو أدبًا مميزًا يعزى إليهم باستثناء النزر اليسير من الآثار التي تنسب إلى بعض حكامهم وهذه ظاهرة لا يمكن أن تكون واقعية عند الأخذ بنظر الاعتبار حكمًا دام على الأقل 91 عامًا، ولا يمكن أن تمر كل هذه السنين من دون أن تخلف أي أثر مهما كان نوعه، سواء كانت عمارة أو نحتًا أو كتابة رسمية أو غير رسمية، وهي من عناصر الحد الأدنى لإدارة دولة.

وردت العديد من النصوص التي تحمل أوصافًا عنصرية في العراق القديم

يكمن السر على الأرجح في أن كراهية السومريين والأكديين العنصرية للكوتيين الذين احتلوا بلادهم ودنسوا معابدهم حسب قول النصوص المسمارية، كونهم قوم أغيار وأجانب بالنسبة إليهم، وهو ما جعل السومريون والأكديون يقدمون على محو كل آثار الكوتيين وتدمير كل ما له صلة بهم بعد القضاء عليهم، والدليل أنّ الكثير من النصوص والتآليف الأدبية كتبت كدعاية مضادة للكوتيين قابله سكوت أو إسكات الجانب الكوتي، مما خلق مناخًا لا يسمع فيه سوى الصوت المعادي لهم، لقد عزت تلك التآليف التي كتبت أغلبها بسنين طويلة بعد العصر الكوتي وحكمهم، فيبدأ نص أوتوخيكال مثلًا بالقول:

 "كوتيوم ثعبان الجبال ذو الأنياب الذي رفع يده بوجه الآلهة الذي نقل ملوكية بلاد سومر إلى البلاد الأجنبية الذي ملأ سومر بالشرور، الذي سلب ممن كان له زوجة زوجته الذي سلب ممن كان له طفل طفله، الذي جاء بالشرور والآثام إلى البلاد". 

وفي حدود 2120 قبل الميلاد استطاع أوتوخيكال تخليص البلاد من الحكم الكوتي تاركًا خلفه نصًا تاريخيًا فريدًا يتحدث عن هذا الانتصار الذي حققه، ونقتبس منه مقطع قصير "جلس أوتوخيكال وتريقان مضطجع عند قدميه، فوضع أوتوخيكال قدميه على رقبة تريقان وأعاد سيادة سومر إلى يديه"، وبهذا أعلن أوتوخيكال انتهاء سيطرة الكوتيين على بلاد الرافدين وإرجاعها إلى سكانها وعودة دوران عجلة الحضارة مرة أخرى بعد أن توقفت في عهدهم لدرجة أصبح كلمة كوتي تستعمل لعهود طويلة كوصف لكل أجنبي معتد وشرير آت من الشرق، فنرى مثلًا النصوص البابلية الحديثة تصف جيش كورش الأكبر بجيش الكوتيين، وعلى نفس الشاكلة وصف كتاب الأخبار البابلي جيش الإسكندر بجيش الكوتيين.

  • 2 - الأقوام الأمورية (مارتو)

تعني كلمة مارتو أو أمورو الغرب أو الجهة الغربية في اللغتين السومرية والأكدية، وقد استعملت بهذا المعنى لتحديد ناحية الغرب من الجهات الأربعة، توسع مدلول أمورو ليشمل معاني عديدة، منها ما يدل على مجموعة بشرية أو مجموعة لغوية، ومنذ العصر الأكدي استعملت للدلالة على شعب أو قبائل الأموريين، حيث أشارت نصوص الفأل من زمن شار- كالي - شاري بأن شروكين (سرجون الأكدي) قام بمحاربتهم وأخذ شيخهم أسيرًا، وكذلك اصطدم معهم حفيده نرام سين.

أخذ يتردد ذكرهم بشكل ملحوظ منذ سلالة أور الثالثة 2112 - 2004 قبل الميلاد، فقد فرضت تحديات هجرة الأقوام الأمورية على بلاد سومر تحصين مدنهم، ولا سيما تحصين العاصمة أور إذ يؤرخ الملك السومري شو-سين 2037 - 2029 قبل الميلاد سنة حكمه الرابعة بإكمال العمل في مشروع إقامة سد لصد تدفق موجات القبائل الأمورية إلى داخل البلاد، وعرف ذلك السور باسم سور صد الأموريين:

"شو سين ملك أور بنى السور الواقي ضد الأموريين الذي يبقي الأموريون بعيدًا"

.

والأمورويون كانوا في الأصل أقوامًا بدوية أو شبه بدوية، وكان السومريون ينظرون إليهم باستصغار، ويعيبون عليهم تخلف مستلزمات حياتهم مقابل التقدم وحياة الترف المدنية التي كانوا يعيشونها ووصفوهم بأنهم:

"يأكلون اللحم نيئًا ولا يملكون بيتًا في حياتهم ولا يدفنون موتاهم وأنهم يعيشون في الخيام ويحفرون البادية بحثًا عن الكمأ"، وهناك مثل سومري يقول: "القمح يطبخ مع حب جورتونوز لعمل الحلوى، المارتو يأكلونه ولكنهم لا يعرفون ما يحتوي عليه"، ويصفهم الملك آبي-سن : "المتشردون الذين لا يعرفون أبدًا ما هي المدينة".

ويلاحظ من خلال الكلام أعلاه التفرقة العنصرية التي مارسها السومريون ضد الأقوام الأمورية بسبب كونهم أقل مكانة منهم من حيث طبيعة الحياة والمجتمع، وعلى الرغم من احتمالات المبالغة في هذه الأوصاف، إلا أنه يبدو واضحًا من تفاصيلها هناك فارق كبير بين مستوى الحضاري للسومريين وبين حياة التنقل والبداوة للأموريين.

كانت هناك عنصرية متبادلة بين البابليين والآشوريين في العراق القديم

وعلى الرغم من هذا الاختلاف بين الجانبين، إلا أن هناك مجموعة من المشتركات ساعدت الأموريين في التغلغل السلمي بين السكان المحليين، منها عامل اللغة والدين الذي كان مشتركًا بينهم وبين الأقوام الأكدية التي سبق وأن استقرت في بلاد الرافدين، على عكس الأقوام الكوتية التي اختلفت بشكل جذري عن كل المقومات الموجودة مع أقوام بلاد الرافدين، لهذا أخذ الأموريين بالاندماج والتأثر بطباع السكان المحليين، وأخذوا عنهم مقومات التحضر حتى أن بعض أسمائهم أخذت تتجه نحو الأسماء المحلية المتداولة، وأوضح صورة للتغير الذي طرأ على حياة الأموريين نستشفها من وصف النصوص المسمارية التي تذكر:

"بالنسبة للأموري السلاح هو رفيقه فلا يعرف الخضوع، وهو يأكل لحمًا غير مطبوخ وفي حياته لا يملك بيتًا وهو لا يدفن رفيقه إذا مات، والآن مارتو يملك بيتًا والآن مارتو يملك حبوبًا"، وبهذا امتزجت الأقوام الأمورية مع البقية وأسست عدة سلالات، منها سلالة بابل الأولى والتي يعد حمورابي أحد أبرز ملوكها.

ثانيًا: العنصرية الداخلية.. بين البابليين والآشوريين

على مدى عدة قرون كانت السيطرة على بلاد الرافدين تنتقل ضمن فترات زمنية متعاقبة بين البابليين والآشوريين، مما ولد التنافر الشعبي والملكي بين الجهتين من أجل رفض سيطرة أحدهما على الآخر، ومتى ما خضع جانب منهم سعى بكل جهده وقوته من أجل أن يحرر نفسه من هذه السيطرة، وبسبب هذا الشيء ولدت عنصرية تعامل بين الطرفين تظهر جليًا من خلال النصوص المسمارية، فقد تم استعمل مصطلح سوبارتو وبلاد سوبارتو في كثير من النصوص البابلية مرادفًا لبلاد آشور والآشوريين إلى العهود التاريخية المتأخرة، حيث ظل جزءًا من شمال العراق الشرقي لمدة طويلة يعرف بهذا الاسم وهي لفظة لهلا علاقة في الغالب مع السوباريين.

بينما كان الآشوريون يتحاشون إطلاق تسمية سوبارتو على بلادهم وعلى أنفسهم، باستثناء استعمالها في نصوص قليلة وبوجه خاص نصوص الفأل والتنجيم، ومعظمها نسخ عن أصول بابلية، ذلك لأن تلك التسمية كانت تنطوي على مدلول شائن ومستهجن من قبلهم، إذ أنها ترادف مصطلح العبد في اللغة الأكدية (Subrum) كما تشير إلى ذلك النصوص التي جاءتنا من العهد البابلي القديم، ومنشأ هذا المدلول أن موطن السوباريين كان من بين المصادر المهمة لجلب الرق على هيئة أسرى. 

إن البابليين ظلوا يطلقون كلمة سوبارتو على الآشوريين وعلى موطنهم ولا يستبعد أن يكون ذلك من باب الانتقاص، ويكفي أن نذكر مثالًا على ذلك، الحادثة المؤرخ بها إلى حكم دادوشا 1830 - 1790 قبل الميلاد ملك أشنونة التي تذكر جيش الملك الآشوري يسمح أدد الأول على أنه جموع السوبارتو وخانة ونجد مردوك أبلادان الملك البابلي 721 - 710 قبل الميلاد، لا يسمي خصمه الملك الآشوري سرجون 721 - 705 قبل الميلاد ملك الآشوريين، بل ملك السوباريين، وجيشه جموع السوبارتو، ومثل هذا الاستعمال ورد في كتابات ملوك الدولة البابلية الأخيرة 626 - 539 قبل الميلاد، ونذكر نصوص الفأل التي اقتصرت فيها تسمية الآشوريين لبلادهم وأنفسهم على أنهم سوبارتو في التقرير الذي قدمه أحد المنجمين الآشوريين إلى الملك: "إذا شوهد القمر في اليوم الثلاثين من شهر نيسان فأن بلاد سوبارتو سوف تتغلب على الأخلامو ويضيف المنجم موضحًا نحن السوباريين".

كما لاحظنا الأسباب التي دعت البابليين إطلاق هكذا تسمية عنصرية هدفها التقليل والاستهانة بالآشوريين، لذا عمد الآشوريون إلى إطلاق لفظ كاردونياش وهو مصطلح أتخذه الكاشيون على بلاد بابل، وهم من الأقوام الهندواوربية التي سيطرت على بلاد بابل على مدى أربعة قرون، ومعناه بلد الإله دونياش رب الكاشيين القومي، واستمر الآشوريون يطلقونه إهانة لبلاد بابل، حتى عصور متأخرة، لربما بسبب خضوعهم لسيطرة هذه الأقوام فترة طويلة، لهذا عدها الآشوريون إهانة للبابليين وأصبحت تردد في مختلف نصوصهم المسمارية:

"شمشي-أدد ابن أيلو كابكبو في عهد نرام سين (ملك سابق في آشور ) ذهب إلى كاردونياش وعاد من كاردونياش وأخذ مدينة إكلاتو".  

"في عهد آشور- أوبالط ملك بلاد آشور تمردت القطاعات الكشية ضد كاراخرداش ملك كاردونياش ابن السيدة مبلطات-شيروا ابنة آشور- أوبالط وقتلته.. ذهب آشور- أوبالط إلى كاردونياش للثأر لحفيده ونصب كوريكالزو الأصغر في الملكية".

كذلك قام أدد-نيراري باتخاذ لقب فاتح كل بلاد كاردونياش، ويذكر آشور-ناصربال الثاني في حولياته "ثبت القدم والعزم على بلاد سوخو وامتد الخوف من سلطاني إلى بلاد كاردونياش". وبهذا استمر الآشوريين يطلقون هذا المصطلح حسب حالة السلم أو الحرب والعلاقات التي تربطهم مع بلاد بابل ولفترة طويلة من انتهاء سيطرة الكاشيين على بلاد بابل.

المصادر:

  •  بلاد بابل (كاردونياش) في العهد الكاشي/ لمياء محمد علي/ رسالة ماجستير غير منشورة 2004.

  • الحياة الاقتصادية في العصر البابلي الوسيط (الفترة الكيشية) مها حسن رشيد/ رسالة ماجستير غير منشورة 2010.

  •  العنصرية والتعصب العرقي/ إيان لوو/ ترجمة عاطف معتمد 2015.

  • الشرق الأدنى القديم/ مجموعة باحثين 2020.
  • قوة آشور/ هاري ساكز / ترجمة عامر سليمان 1999. 
  •  الدولة البابلية الحديثة 626 - 539 ق. م / هديب غزالة 2001.

  •  العراق القديم/ جورج رو / ترجمة حسين علوان 1984.
  • مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة / الجزء الأول/ طه باقر 2009.
  • تاريخ العراق القديم في ضوء نظرية التحدي والاستجابة/ مصطفى كاظم الغزي 2019.

  • حمورابي 1792 - 1750 ق. م / محمد طه الاعظمي 1990. 
  •  المدخل إلى تأريخ العالم القديم/ الجزء الأول العراق القديم/ سامي سعيد الأحمد 1978.

  •  أقدم حرب للتحرير عرفها التاريخ/ فاضل عبدالواحد علي.