26-فبراير-2023
التعداد السكاني

الحديث عن تغييرات كبيرة للخارطة السياسية

كلّما عاد الحديث عن التعداد السكّاني في العراق، تطرح الأسئلة عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء تأجيله لسنوات طوال، لاسيما وأنّ هذا الملف دائمًا ما يتصدر البرامج الحكومية في العراق، وسط ترقب للحكومة الحالية التي لا تزال تتحدّث عن إمكانية إجرائه هذا العام.

تقول وزارة التخطيط إنّ الكوادر المخصصة للتعداد السكاني بلغت 130 ألف شخص ينتظرون التدريب الميداني

ولا يملك العراق إحصائية رسمية لأعداد السكان ويعتمد على التقديرات في توزيع المخصصات المالية ضمن الموازنات وإجراء الانتخابات وغيرها، حيث تشير هذه التقديرات إلى أنّ عدد نسمات العراق لسنة 2022 تبلغ  42 مليونًا و248 ألفًا و883 نسمة.

ووفقًا لعديدين، فإنّ الحديث عن وجود رغبة سياسية تعطل إجراء التعداد السكاني في العراق بات يتزايد يومًا بعد آخر، إذ أصبح الملف يشكل تحديًا حقيقيًا أمام كل الحكومات.

آخر تطورات التعداد

رغم مرور سنوات على الحديث عن مساع وزارة التخطيط لإجراء التعداد السكاني في العراق، إلا أنّ الاستعدادات لهذا العمل لا تزال في بداية مشوارها، بحسب المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي. 

ويقول الهنداوي لـ"ألترا عراق"، إنّ "الوزارة مستمرة في استكمال الإجراءات والاستعدادات الخاصة لإجراء التعداد السكاني العام الجاري"، مبينًا أنّ "الحكومة مصرة على إجراء التعداد خلال هذه الفترة وهي ضمنت كافة التخصيصات المالية ضمن الموازنة العامة للعراق".

ووفقًا للهنداوي، فإنّ الكوادر المخصصة للتعداد بلغت 130 ألف شخص بانتظار التدريب الميداني، مبينًا أنهم "بحاجة إلى 130 ألف جهاز (تابلت)، كون التعداد السكاني سيكون الكترونيًا"، مشيرًا إلى الحاجة لـ"إنشاء مركز وطني لمعالجة البيانات بمواصفات تقنية عالية".

ولا تملك وزارة التخطيط العراقية الخرائط الالكترونية التي تحدد مسار عمل الفرق الخاصة بالتعداد السكاني، بحسب الهنداوي الذي أضاف أنّ "هناك العديد من المتطلبات الواجب توفرها من أجل إنجاح خطة عمل التعداد السكاني". 

التعداد السكاني في العراق

وأجرى العراق آخر تعداد سكاني خلال العام 1987، الذي اشتركت فيه جميع المحافظات، فيما تبعه إجراء إحصاء خلال العام 1997 دون مشاركة إقليم كردستان

عوامل سياسية خفية

ويدور حديث مستمر عن وجود إرادة سياسية تمنع إجراء التعداد السكّاني في البلاد، حيث أنّ "جميع الحكومات بعد العام 2003 تحدثت عن إجرائه لكن دون أي تنفيذ"، وفقًا لرئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري.

ويرى الشمري خلال حديث لـ"ألترا عراق"، أنّ "إجراء التعداد السكاني في العراق سيكشف عن حجم المكونات، الأمر الذي تسبب بقلق كبير لدى الطبقة السياسية".

والتعداد السكاني ـ ولا زال الكلام للشمري ـ يرتبط بأعداد العراقيين ونسبة كل محافظة من الموازنة المالية للبلاد، مضيفًا أنّ "التعداد له صلة بأعداد الناخبين بخصوص توزيع المقاعد في الانتخابات".

رأى مراقبون أنّ سياسيي العراق لديهم تخوفات من معرفة حجم المكونات عبر التعداد السكاني

وقبل أيام قليلة، وجه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، بـ"تهيئة كل المتطلبات لإجراء التعداد السكاني في العراق خلال العام 2023". 

"خوف على المقاعد"

في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي نبيل العلي، أنّ جميع القطاعات في العراق (الفقراء، العاطلون، المعاقون.. وغيرهم) يعانون من أزمة حقيقية، معللًا ذلك بـ"كون الحكومة تعتمد على الأرقام التقديرية لأعداد السكان وبالتالي تظهر الحاجة الماسة لإجراء التعداد".

تعداد

لكنّ الخبير الاقتصادي، نبيل العلي وخلال حديثه لـ"ألترا عراق"، لا يختلف مع المحلّل إحسان الشمري، حيث يقول إنّ "هناك ارتباطًا وثيقًا بين قضية التعداد السكاني والرؤية السياسية بسبب ملف الانتخابات والتخصيصات المالية لكل محافظة، والأموال التي تخصص للطبقات الفقيرة والمحرومة، وهذه أمور لها اتصال مباشر مع أعداد النسمات في العراق".

ووفقًا للعلي، فإنّ الجهات السياسية هي من تقف وراء تأجيل إجراء التعداد السكاني على مدار السنوات، على اعتبار أن "التعداد سيكشف على سبيل المثال حجم الكرد في البلاد، الأمر الذي سيحدد حجم الأموال الخاصة بإقليم كردستان ضمن الموازنات المالية للعراق". 

كما لفت العلي إلى أنّ "إجراء التعداد السكاني سيغيّر من توزيع المقاعد النيابية الخاصة بمجلس النواب العراقي"، مضيفًا أنّ "هذه العوامل غير المعلنة هي السبب الحقيقي وراء تأجيل التعداد في العراق".

تبرير بـ"نقص الأموال" 

المدير العام المسؤول عن قسم التعداد السكاني بوزارة التخطيط السابق، سمير خضر هادي، يقول إنّ "وزارة التخطيط اتخذت سابقًا خطة لإجراء التعداد وتتمثل بتنفيذه بشكل تجريبي نهاية العام الماضي".

وأضاف هادي في حديث لـ"ألترا عراق"، أنّ "تشكيل الحكومة الجديدة والأزمة التي رافقتها حالت دون تنفيذه"، مشيرًا إلى أنّ "نقص الأموال كانت أيضًا من الأسباب التي وقفت عائقًا أمام تنفيذه".

وأوضح المدير السابق، أنّ "الأزمات السياسية والاقتصادية كانت وراء التأجيل المتكرر للتعداد خلال السنوات الماضية"، مضيفًا أنّ "الوزارة أخذت على عاتقها تقريب وجهات النظر بين الكتل والأحزاب السياسية بشأن إجراء التعداد السكاني خصوصًا حول قضية المناطق المتنازع عليها بين المركز والإقليم".

بدأت عام 2019 استعدادات عراقية لتنفيذ التعداد السكاني، على أمل أن يتمّ تنفيذه في العام 2020، لكن ظروف جائحة كورونا حالت دون إجرائه

وفي العام 2019، بدأت استعدادات عراقية لتنفيذ التعداد السكاني، على أمل أن يتمّ تنفيذه في العام 2020، لكن ظروف جائحة كورونا حالت دون إجرائه، وفقًا لصندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق.