أدت الظروف السياسية التي مر بها العراق طوال العقود الماضية إلى تراجع القراءة في المجال العام، فضلًا عن الجامعات، التي كانت معروفة بتعافي الكتاب الخارج عن المناهج الدراسية فيها، لكن أصبح الطالب الجامعي يدخل إلى جامعته ويخرج منها وهو لم يقرأ كتابًا واحدًا.
عادت القراءة إلى عافيتها إثر الفعاليات التي تدعم الكتاب وعودة معرض بغداد الدولي للكتاب مع دور مواقع التواصل الاجتماعي في استقطاب الشباب إلى القراءة
لكن في السنوات الأخيرة، ولأسباب كثيرة، عادت القراءة في العراق إلى عافيتها، جرّاء الفعاليات التي تدعم الكتاب، وعودة معرض بغداد الدولي للكتاب، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في استقطاب الشباب نحو القراءة.
اقرأ/ي أيضًا: ماذا يقرأ العراقيون؟
يقول ماريو فارغاس، إن "القراءة هي العلاج الذي لم يخيبني قط، لحسن حظي أن ثمة في مخزن الصيدلية الأدبية احتياطات لا حدود لها من هذه الأدوية"، ويبدو أن أدوية كلية الطب في محافظة الديوانية كانت هي "صيدلية الكتب"، ومن بين كل الأماكن في محافظة الديوانية، يختار الكتبي علي الزيدي، كلية الطب مركزًا لإقامة معرض الكتاب، وسبب ذلك بحسب الزيدي يعود إلى التعاون الذي يبديه المسؤولين في شعبة الإعلام واللجنة الثقافية في الكلية والإقبال الشديد من قبل الأساتذة والطلاب.
أضاف الزيدي في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "إقبال الطلبة جدًا رائع، وحاولنا عدم جلب الكتب التجارية والكتب المستنسخة والرديئة، مبينًا أن "طلاب كلية الطب انتقائيون في اختياراتهم التي تتراوح بين الكتب الفكرية والفلسفية والكتب الإنجليزية، موضحًا "من ضمن النشاطات التي أسعى إلى تحقيقها في الكلية هي إشاعة ثقافة الكتاب الأصلي واحترام حق الكاتب ودار النشر بعد شيوع ثقافة الكتاب المستنسخ في العراق فأنا أتعامل بأمانة مع القارئ ومن المعيب جدًا أن أمتهن مهنة كهذه واخدع الناس في ذات الوقت".
ما هي الكتب المفضّلة؟
وفي أثناء جولته في كلية الطب، حاول "ألترا عراق"، أن يعرف ماذا يقرأ أطباء المستقبل وما هي الكتب التي تأخذ أولى اهتماماتهم، وحصل على إجابات متباينة، حيث أن بعضهم يفضل الأدب وآخر يقرأ الفلسفة، وهناك من يفضلون التاريخ، وكلٌ له أسبابه وقناعاته، ولكنهم جميعًا اتحدوا على قسم محدد أخذ الحصة الأكبر من بين كل الاختيارات.
يرى الدكتور حميد يونس في حديثه لـ "ألترا عراق"، أن "ليس هنالك نوع محدد في قراءاتي فأنا اتنقل بالقراءات خلال السنة ما بين الكتب التخصصية إلى الفلسفية والأدبية وغير المصنفة وحتى الصورية والمصورة وكتب الأطفال".
لكن مهدي حسن صالح يفضّل "الكتب التاريخية وخصوصًا الكتب التي تتحدث عن تاريخ العراق، مبينًا في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "الكتب المفضلة لديه أيضًا التي تتعلق بدراسة المجتمع العراقي من قبيل كتب علي الوردي التي تدرس شخصية الفرد العراقي، إضافة إلى كتب علم النفس بشكل عام".
أضاف صالح، أن "العلاج النفسي وفهم شخصية المريض ومعاناته يوازي أهمية العلاج الدوائي، فإذا لم نعرف شخصية المريض بشكل عام لم نستطع تقديم الدواء الناجع ومن عادات الفرد العراقي أنه لا يبوح بأسراره ومشاكله ويخجل من أن يتعالج نفسيًا لأنه يعد ذلك ضربًا من الجنون".
فيما قال الطالب ضرغام أبو السود، إن "معظم قراءاتي هي كتب الروايات لما للروايات من قدرة على العلاج النفسي والروحي، مبينًا في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "الرواية هي عصارة جهد فلسفي فتجعلني أعيش تجارب لا يمكن في يوم من الأيام أن أعيشها عن طريق الحياة الشخصية".
يرى بعض الطلاب أن للروايات قدرة على العلاج النفسي والروحي وهي عصارة جهد فلسفي وتجعل الإنسان يعيش التجارب التي لا يمكن أن يعيشها في حياته الشخصية
أوضح أبو السود، أنه "على سبيل المثال أعيش الرفض العائلي حينما اقرأ التحوّل لكافكا، أو أعيش المأساة المادية التي يعيشها الإنسان الغني في رواية جوستاف فلوبير "مدام بوفاري"، أو أعيش الأخطاء والذنوب التي يتحملها جسد الإنسان الشاب وكيف يتعامل مع نسخة أخرى من نفسه برواية "صورة دوريان غراي" لاوسكار وايلد".
بينما تتفق الطالبة فاطمة أحمد مع أبو السود، حيث قالت في حديثها لـ"ألترا عراق"، إن "الروايات ودواوين الشعر التي تنمي الحس الجمالي لدي، مبينة "أحب أن اقرأ لفاروق جويدة وأحب أن كتب الروايات لأنها تعطيك تجربة لحياة كاملة فيها كل شيء، لافتة إلى أهمية "الروايات العالمية وذلك لأن ثقافتنا أصبحت لدينا ضمن الأشياء المألوفة، وأنا أبحث عن أشياء غير مألوفة لدي".
اقرأ/ي أيضًا: ماذا تعرف عن "متنبي العراق الثاني"؟
لكن الطالبة، رقية رضا، ترى أن القراءة ترجع للأذواق وليس من الطبيعي أن يقرأ جميع الطلاب الأنواع المحددة من الكتب، حيث تقول، إن "طلاب كلية الطب لا يقرأون نوع محدد من الكتب، فأنا مثلًا أحب كتب علم النفس وأفضلها على جميع الكتب الأخرى، وتأتي بعدها كتب الفيزياء ولا أرغب بكتب الأدب كثيرًا، مضيفة أنني "أفضل كتب علم النفس لانعكاس شخصي لأنني تعبت من دراسة الجسد فأرغب بدراسة النفس الإنسانية".
ويشارك رقية رضا الرأي، الطالب زين العابدين فلاح، قائلًا، إنني "أفضّل كتب علم النفس خصوصًا كتب الدكتور شريف عرفة الذي أبهرني بكتابه إنسان بعد التحديث، مبينًا "أحب أن أدرس طبيعة الإنسان وتفكيره".
آثار "المحاصصة" تبعد الطلاب عن الكتب الدينية!
وما لاحظه "ألترا عراق"، أن غالبية الطلاب لا يميلون لقراءة الكتب الدينية، حيث تقول الطالبة زهراء يوسف، إن "الدين بسيط جدًا فعقده بعض رجال الدين ما أدى إلى عزوفنا عن الكتب الدينية، بالإضافة إلى صعود أحزاب الإسلام السياسي في العراق إلى سدة الحكم فعشنا تجربتهم السيئة التي لا تقل سوءًا عن الحكم الديكتاتوري وآثاره المريرة".
أضافت يوسف، أن "الدين ليس عدوًا للعلم وإلا صار الدين يساوي الجهل، مستدركة "ولكن هنالك فجوة بين الدين والعلم بسبب بعض "رجاله" الذين احتكروه لهم، وصاروا آلهة يمشون على الأرض، موضحة "لذلك أنا اقرأ الدين عن طريق الدكتور علي شريعتي مثلًا وأجده دين يختلف تمامًا عن ما هو موجود في الكتب الدينية الأخرى المليئة بالخرافة تارة وبالتطرف مرة أخرى".
طالبة: بعض "رجال الدين" الذين أنتجهم نظام المحاصصة اختزلوا الدين بمصطلحات توسع من رقعة الكراهية وعدم قبول الآخر إضافة إلى خلق "الاصطفافات الطائفية"
فيما تقول الطالبة هدير ناظم في حديثها لـ"ألترا عراق" إن "بعض رجال الدين الذين أنتجهم "نظام المحاصصة"، جعلوا من الدين مجرد أحكام وضوابط، ولم يجعلوا من الدين محبة وتواصل روحي، فهم اختزلوه بمصطلحات توسّع من رقعة الكراهية وعدم قبول الآخر، إضافة إلى خلق الاصطفافات الطائفية ما أدى إلى تشويه الدين كقيمة روحية جميلة"، مشيرة إلى أنه "لم تظهر لنا شخصيات تجعل الناس تتمسك بالدين باستثناء البعض الذين ربما لم يسمعهم أحد بسبب التعتيم الإعلامي الذي يتعرضون له".
اقرأ/ي أيضًا:
مهرجان "أنا عراقي أنا أقرأ" .. 40 ألف كتاب هدية للجمهور
صندوق للتبرع بالكتب من مبادرة "أنا عراقي أنا اقرأ" يتوسط معرض بغداد