30-مارس-2023
الاحتيال

ثقة منعدمة بين الناس (فيسبوك)

أصبح "أبو مصطفى" (60 عامًا)، أكثر تحوطًا وحذرًا وترددًا خلال محاولته إتمام أية عملية شراء منذ 3 سنوات، وذلك بعد أن وقع ضحية شراء جهاز تكييف مستعمل، اكتشف فيما بعد أن من باعه إياه، اكتفى بإثبات أن الجهاز يعمل كهربائيًا، وأنه غير مسؤول عن ما اكتشفه "أبو مصطفى" فيما بعد، بأن الجهاز عديم الفائدة لأن "كفاءة التبريد ضعيفة". 

يتحدّث الكثير من العراقيين عن تعرضهم اليومي للاحتيال في الأسواق والتعاملات اليومية

هنالك الكثير ممن تعرّضوا لعملية مشابهة لما تعرّض إليه "أبو مصطفى" كما روى لـ"ألترا عراق"، حيث يقول صديقه وهما جالسان في مقهى بغدادي، ويدعى أحمد الماجدي، إنه "ترك عجلته لدى إحدى محال صيانة التبريد، حيث تم إبلاغه أن هنالك ثقب في الفريز يحتاج لفتح دشبول العجلة بالكامل ليتم استبداله"، حيث تكلّف هذه العملية نحو 200 دولار، ويجب أن يترك عجلته ويعود إليها بعد 4 ساعات، ليكتشف فيما بعد ومن خلال أصحاب الخبرة، أنه لم يتم استبدال "الفريز" وأن الخلل كان في ثقب بأحد الأنابيب الذي لا يكلف سوى 10 دولارات لإصلاحه. 

هكذا، لم تصبح عمليات النصب والاحتيال الكبيرة التي تمتهنها العصابات المختصة، هو ما يؤرق العديد من العراقيين بشكل كبير، خصوصًا وأن الأفراد لا يقدمون على المعاملات المالية الكبيرة إلا بعد استشارات طويلة ومتعدّدة والاستعانة بأصحاب الخبرة والتجارب، إلا أنّ التعاملات اليومية السريعة، باتت هي ما تؤرقهم وسط انتشار عمليات الاحتيال "كسلوك" بين بعض أصحاب المهن. 

الأسواق

من بين 50 شخصًا كشريحة عشوائية استطلع "ألترا عراق" آراءهم، أكد شخصان فقط أنهم تعرضوا لعملية احتيال كبيرة، إلا أنّ 46 شخصًا منهم أكدوا أنهم تعرضوا بالفعل لعمليات احتيال صغرى وعمليات "غش"، خلال تعاملاتهم اليومية والحياتية المختلفة. 

الريبة من الآخر "شعور سائد"

خطورة الاحتيال "كسلوك" والتي تتعدّى خطورة الاحتيال كمهنة، لا تكمن في كونه كثير الانتشار ونسبة التعرّض له أكبر من نسبة واحتمالية التعرض لعملية نصب كبيرة فحسب، بل يتعدى الأمر إلى أنه يؤدي إلى تحوّل المجتمع والناس إلى أشخاص لا يتعاملون بطبيعتهم البشرية المريحة، بل بتربص وفقدان الثقة، وحكم مسبق بنيّة سيئة على الآخر، الذي يعتقد أنه سيحتال عليه أكيدًا، بحسب الباحثة الاجتماعية رنا المعموري.

وتضيف المعموري في حديث لـ"ألترا عراق"، أنّ "واحدة من أبرز أسباب سلوك الأشخاص في المجتمع لهذه الصفة المتمثلة بمحاولة التربح على حساب الآخر، هو وقوع هذا الشخص ضحيّة أيضًا في تعاملاته اليومية لعملية احتيال مشابهة، تتسبب بتكبده خسارات عديدة، ليقوم بدوره بتعويضها عبر ذات الطريقة، وهكذا يستمر السلوك الاحتيالي بسلسة مغلقة، وينتقل كالعدوى بين المجتمع"، مبينة أنّ "بعض الناس الذين أدركوا أنهم سيقعون ضحية الاحتيال في أي تعامل مع الآخر فيقومون هم بالخطوة الأولى دائمًا".

وتؤكد المعموري أنّ "هذا الأمر انعكس بشكل سلبي على المجتمع الذي بدا وكأنه يحتال على نفسه، حيث يعيش معظم الأفراد في جميع تعاملاتهم اليومية بقلق بالغ وعدم ارتياح نفسي ويستنزف أي تعامل يومي لهم الكثير من الجهد العقلي قبل أي عملية يقدم عليها"، الأمر الذي تسبب بانهيار منظومة الثقة بين الناس، وبالتالي تحولهم جميعًا إلى أشخاص مريبين بالنسبة لبعضهم، وهو ما يؤدي إلى تفكك المجتمع، بحسب المعموري.

الخوف من "الجهات الساندة" ينمّي الاحتيال

ولا يمكن الاطلاع بالأرقام الموثقة عن حالات الاحتيال المشابهة عبر مراجعة المحاكم، لأنها قضايا صغيرة لا تصل إلى المحاكم غالبًا، وفقًا للمحامي سيف الراجحي.

الراجحي يشير في حديثه لـ"ألترا عراق"، إلى أنّ "بعض المشاكل الكبرى التي نطلع عليها في المحاكم تكون غالبًا قد تطورت من عمليات احتيال بسيطة وتعامل مريب بين المواطنين مع بعضهم البعض أو حتى بين الأقرباء".

الراجحي يعزو سبب تنامي ظاهرة الاحتيال في التعاملات اليومية، إلى "ضعف القانون مقارنة بتنوّع عوامل القوّة الأخرى التي أصبح الناس يستندون إليها سواء القوة العشائرية أو الارتباط بأحزاب أو فصائل مسلحة أو حتى استخدام العلاقات التي يمتلكها البعض مع ضباط في القوات الأمنية"، وهذا الأمر  ـ وفقًا للمحامي ـ جعل كل من يتعرض لعمليات احتيال مشابهة، يخشى أن "يطوّر الأمر إلى مشاكل كبيرة مع الطرف الآخر الذي يجهل ما يمتلكه من عوامل قوّة، وهذا السكوت المستمر يجعل الأشخاص يتمادون في ممارساتهم وسلوكياتهم الاحتيالية".

ويقود أمر التحايل في عمليات البيع والشراء اليومية ـ وفقًا لعديدين ـ إلى تنامي التعامل مع المؤسسات والشركات العالمية والموثوقة في مختلف القطاعات، حتى باتت الشركات توفر حتى "عاملات الخدمة"، حيث بدأ المواطنون يلجأون للمؤسسات المضمونة حتى وإن ارتفعت كلفة الخدمات التي تقدمها مقابل كلفتها في مكان آخر، وذلك فقط في سبيل ضمان أن لا يقعوا ضحية احتيال أو غش، بحسب صاحب محل لصيانة الموبايلات في حديث لـ"ألترا عراق"، والذي يقول إنّ "هذا الأمر بدأ يؤثر ويقلل الإقبال على المحلات العادية والمتواضعة حتى وإن كانت تمتلك كفاءة في مجالها، لصالح أصحاب الشركات والمحال الضخمة في مختلف القطاعات".