يبدو أن المشهد السياسي العراقي وصل إلى حد نستطيع أن نسميه مرحلة "كسر العظم" بين أطرافه ومراكزه. وهامش المناورة صار ضيقًا في هذا الفضاء الذي يكون السلاح من أبرز ملامحه.
بعد "مجزرة السنك" ظهرت عورات طالما تم التعتيم عليها، ومنها الفضيحة بتورط أحد "فصائل المقاومة" بما حدث مع المتظاهرين العزل
وفي كل مرحلة من مخاضات العراق ندخل بأخرى أكثر تعقيدًا، والنتيجة المزيد من الشهداء والدماء، تارة بسبب العوامل الخارجية، وأخرى من الداخل، أو لسوء الإدارة والفساد، ولا يزال الدم العراقي يستصرخ الوطن المفقود أو الدولة المسلوبة التي أرادها الشباب الذين اعتصموا وأيّدوا ساحات الاحتجاج، من أهل الحقوق المغيبة.
اقرأ/ي أيضًا: ليلة دامية في السنك والخلاني.. "الطرف الثالث" يكرر المذبحة
وبعد أن حقق الحراك أهدافًا مهمة، من إلغاء مجالس المحافظات، وإقالة رئيس الوزراء، وإيصال صوته لمجلس الأمن، بمعنى أن القضية العادلة للشباب قد تم تدويلها بالدماء البريئة، وليس بمؤامرة كونية، انكشف ما وراء المستور، فظهرت عورات طالما تم التعتيم عليها، ولا سيما بعد مجزرة جسر السنك، والفضيحة بتورط أحد "فصائل المقاومة" الذي لم ينف الخبر ببيان من موقعه الرسمي إلى زمن كتابة هذه الكلمات.
وبدلًا من كشف حيثيات المقتلة، أصدر رئيس الحشد الشعبي "فالح الفياض" بيانًا شدد فيه على المركزية الإدارية، وعدم تحريك أي مسمى مسلح تحت إمرة الحشد بالأسماء السابقة، إشارة إلى تحرّك "سرايا السلام" ووصولها إلى ساحة التحرير، بعد أن انسحب الجيش وكشف ظهر الشباب للقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، ولكن من يا ترى ينقذ المستغيثين، في وقت تركوا للموت بلا رحمة؟
إن الحشد الشعبي معروف أنه ليس كتلة واحدة، فهناك الحشد المرجعي، والحشد المسيحي، والسني، مضافًا إلى تسميات أخرى كالعصائب، والكتائب.. الخ، وكان لهم الدور الواضح في بداية الهجمة الوحشية من "داعش" الإرهابي على مناطق واسعة من الأنبار وصلاح الدين وصولًا إلى نينوى، وقدموا دماءهم لأرض كادت تكون عرضة للمسح والإبادة، لكن الامتيازات المادية، والمعنوية التي حصل عليها قادة الحشد، حتمت على كل عنصر منهم أن يجعل العراق أولًا قبل كل انتماء، وهذا ما ادعاه الكثير منهم، ولكن وحدها المواقف تصدق أو تكذب ادعاءهم، فبرز الخلاف على السطح وأمام الجمهور، بين الحشد العراقي، والآخر الولائي.
وبحسب تصريحات بعض المصادر، فإن تعداد الولائيين المؤمنين بولاية الفقيه العامة شرعًا وسياسة في الحشد الشعبي يصل إلى آلاف العناصر، والتي قد تتجاوز الـ60 ألفًا، كلهم يأخذون رواتبهم من الحكومة العراقية!
لدى جيل تشرين الانتماء للعراق ومصالح البلد فوق كل اعتبار كما أنه يعمل على استرجاع الدولة المسيطر على قرارها من الخارج
العناصر الأيديولوجية، والمال والسلاح، والإعلام، كان في يوم من الأيام العمود الفقري لهم، كل ذلك تبدل منذ انتفاضة تشرين الأول/أكتوبر، وبرز رأي عام وطني بالملايين، يساند الشباب الأحرار، ويعزل من كان ولاؤه غير عراقي. هو جيل جديد لديه انتماء ومصالح البلد فوق كل اعتبار، كما أنه يعمل على استرجاع الدولة المسيطر على قرارها من الخارج ومن الجماعات خارج إطارها، وهذا ما يدخل شباب تشرين في معركة كبرى، هي معركة استرجاع العراق/الدولة أمام السلاح المنفلت والمدعوم خارجيًا.
اقرأ/ي أيضًا:
"أمنستي": كيف مر كل هؤلاء المسلحين من نقاط التفتيش إلى السنك؟
المهندس "ينقلب" على الفياض.. "فضيحة" الاعتراف بمذبحة السنك من مصادر حصرية