17-أكتوبر-2021

حصد الصدر 73 مقعدًا في انتخابات تشرين الأول (Getty)

الترا عراق - فريق التحرير

ربما لم يكن مقتدى الصدر رجل الدين المتشدد ليشكل "جيش المهدي" المتهم بارتكاب مجازر وفظائع لو أنّ الأمريكيين قبلوا طلب اشتراكه في العملية السياسية بعد الإطاحة بنظام صدام حسين. هكذا يقول تقرير صحافي استعرض تاريخ الصدر من المعارك الدامية والعنف الطائفي في السنوات الأولى من الاحتلال الأمريكي للعراق وصولاً إلى لحظة العاشر من تشرين الأول/أكتوبر التي منحت الصدر المقاعد الأكبر في مجلس النواب.

يقول التقرير إنّ الصدر سيترك للحكومة المقبلة خيار التعامل مع وجود القوات الأمريكية في العراق

ويقول التقرير الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، إنّ "الصدر الآن يبدو كحليف للولايات المتحدة الأمريكية، وقادرًا على المساعدة في منع انزلاق البلاد أكثر نحو إيران"، وهو طرح مكرور روّجته في مناسبات عدة صحف ومعاهد أمريكية خاصة مع تسلم بايدن لإدارة البيت الأبيض.

لكن التقرير ذهب هذه المرة أبعد من ذلك، مشيرًا إلى أنّ الصدر قد يسمح بالتراجع عن قرار إخراج القوات الأمريكية من البلاد في حال رأت الحكومة المقبلة أنّ من المناسب بقاء تلك القوات.

وفيما يلي نص التقرير الذي ترجمه "الترا عراق" دون تصرف:


بدا رجل الدين مقتدى الصدر، وهو يقف على منصة مع العلم العراقي إلى جانبه، في دور رجل دولة وهو يقرأ خطابًا بعد الانتخابات.

في السنوات الـ 18 منذ أن شكل ميليشيا جيش المهدي لمحاربة القوات الأمريكية المحتلة، ظهر بصوت أكثر اطمئنانًا، وبالنظر إلى الكاميرا، رفع إصبعه في التأكيد في تصريحات وضعت بعناية لإرسال رسائل إلى كل من الولايات المتحدة وإيران بعد أن حصل حزبه على أعلى المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي جرت الأسبوع الماضي.

وفي عام 2004، عندما هاجم مقاتلو الصدر القوات الأمريكية بالبنادق والقذائف الصاروخية في بغداد وعبر المحافظات الجنوبية، تعهدت الولايات المتحدة بقتل أو أسر رجل الدين الشيعي.

وإلى جانب تنظيم "القاعدة"، شكل أكبر تهديد للاحتلال الأمريكي في العراق، حيث غرقت القوات الأمريكية في القتال في شوارع وأزقة المدن العراقية في الوقت الذي حارب فيه الجيش حركات التمرد السنية والشيعية على حد سواء.

وعلى الرغم من أنه ما يزال غير متوقع، إلا أن رجل الدين يبدو الآن كأبرز حلفاء الولايات المتحدة لمنع العراق من الانزلاق أكثر إلى محور إيران.

اقرأ/ي أيضًا: الصدر يحذر من "الاقتتال والصدام" ويحدد شكل الحكومة المنشودة

وقال الصدر في إشارة موجهة إلى الولايات المتحدة التي اقتحمت سفارتها قبل عامين من قبل ما يعتقد أنّهم أعضاء في حزب الله، أحد أكبر الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، إنّ "جميع السفارات مرحب بها طالما إنّها لا تتدخل في الشؤون العراقية وتشكيل الحكومة. العراق للعراقيين فقط".

وفي النتائج الأولية للانتخابات يوم الأحد الماضي، حصلت حركة الصدر على نحو 20 مقعدًا إضافيًا، لتحصد 73 مقعدًا في البرلمان الذي يضم 329 عضوًا. وهذا يترك الصدر مع أكبر كتلة منفردة في البرلمان وصوت حاسم في اختيار رئيس الوزراء العراقي المقبل.

وفي تصريحاته أشار رجل الدين بشكل واضح الى الميليشيات التي تدعمها إيران والتي أصبح بعضها أقوى من قوات الأمن الرسمية العراقية ويشكل تهديدًا للولايات المتحدة في العراق.

وقال في الخطاب الذي بثه التلفزيون العراقي الرسمي، "من الآن فصاعدًا يجب تقييد الأسلحة في أيدي الدولة". "يمنع استخدام الأسلحة خارج إطار الدولة". وقال إنّه حتى بالنسبة لمن يدعون أنّهم "مقاومة" للوجود الأمريكي "فقد حان الوقت ليعيش الشعب في سلام بدون احتلال وإرهاب وميليشيات واختطاف وخوف".

وجماعات المقاومة التي تطلق على نفسها اسم "الميليشيات المدعومة من إيران" هي نفسها التي شنت هجمات بالطائرات بدون طيار والصواريخ على السفارة الأمريكية والقواعد العسكرية الأمريكية بعد مقتل قائد إيراني بارز، اللواء قاسم سليماني، ومسؤول أمني عراقي رفيع المستوى في بغداد العام الماضي.

وقال أحد مساعدي رجل الدين الشيعي إنّ نزع سلاح الجماعات التي لا تخضع لسيطرة الحكومة سينطبق أيضًا على قوات ميليشيا الصدر نفسه.

وقال ضياء الأسدي المسؤول السابق في الحركة السياسية لرجل الدين "لا توجد دولة تريد قوات أقوى من جيشها". وقال إن الصدر سيترك للحكومة القادمة أن تقرر ما إذا كان ينبغي أن تبقى القوات الأمريكية في العراق.

وقد وافقت الولايات المتحدة على سحب جميع القوات المقاتلة من البلاد بحلول 31 كانون الأول/ديسمبر، بالرغم من أنّ واشنطن لا تعتبر قواتها هناك حاليًا في مهمة قتالية. وبموجب ذلك الاتفاق، من المتوقع أن يظل عدد القوات الأمريكية - حوالي 2000 في العراق بدعوة من بغداد - على حاله.

وقال الأسدي، الذي شغل منصب رئيس الكتلة السياسية السابقة "الأحرار" التابعة للصدر: "هذا تصنيف أو تصنيف القوات كمدربين وليس كمقاتلين. وينبغي إعادة النظر في القرار مرة أخرى واتخاذ قرار من البرلمان والحكومة".

وقال الأسدي إنه لا يتوقع أي تغيير في الحظر القائم على كبار المسؤولين في التيار الصدري من الاجتماع مع مسؤولين أمريكيين أو بريطانيين.

وقد وسع الصدر نطاق انتشاره في السنوات الأخيرة، حيث كان مدافعًا طائفيًا شرسًا عن الأغلبية الشيعية في العراق، حيث تواصل مع السنة والمسيحيين والأقليات الأخرى. وبعد أن طلب من أتباعه حماية المسيحيين، بدأ شبان من معقل الصدر في حي الصدر الذي غالبيته من الشيعة يرتدون الصلبان الكبيرة حول أعناقهم في إشارة إلى التضامن. وفي انتخابات سابقة، شكل الصدريون تحالفًا مع الحزب الشيوعي الملحد رسميًا.

وعلى الصعيد الخارجي، عزز العلاقات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في وقت كان فيه حكام تلك البلدان العرب السنة معادين للحكومة العراقية التي يقودها الشيعة. وعلى الصعيد المحلي، فإن أحد مطالبه الرئيسية هو تنظيف النظام السياسي المختل والفاسد للغاية في العراق، والذي يعين أشخاصًا في مناصب حكومية عليا على أساس الولاء الحزبي بدلاً من الكفاءة.

وقال نبيل خوري، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية خدم في العراق في عام 2003، "لقد نما وتطور. وأضاف "لكنني اعتقد إننا استخففنا به إلى حد ما في البداية".

وقال خوري إن مساعدي الصدر اتصلوا به في عام 2003 في الوقت الذي تقرر فيه أول مجلس حكم في العراق.

وقال خوري، وهو زميل في المجلس الأطلسي: "تناولنا القهوة وتحدثنا وقالوا إنّ الصدر مهتم بلعب دور سياسي". لكن الشخصيات السياسية العراقية التي عادت من المنفى لم ترغب أن يشارك الصدر، على ما قال السيد خوري، وأن الولايات المتحدة استمعت لهم.

وبعد بضعة أشهر، شكل رجل الدين ميليشيا جيش المهدي لمحاربة قوات الاحتلال.

وقال ا خوري إنّه عندما أتيحت للقوات الأمريكية فرصة قتل الصدر خلال معركة في النجف، طلبت منها واشنطن التنحي، بناء على نصيحة السياسيين العراقيين المغتربين أيضًا، مضيفًا: "كانوا يعرفون أنه إذا قتل الصدر فإن ذلك سيصبح مشكلة كبيرة بالنسبة لهم".

الصدر، البالغ من العمر 47 عامًا، هو الابن الأصغر لرجل الدين محمد صادق الصدر، الذي اغتاله صدام حسين في عام 1999 بعد أن طالب بالحرية الدينية للشيعة في العراق. عائلة الصدر هي التي تحظى بولاء الملايين، وكثير منهم فقراء، حيث يعتقد معظمهم أنّ فوزه في الانتخابات رسمه الله.

وقال الأسدي عن أهداف رجل الدين "إنّه يود تحقيق أهداف معينة، والهدف الرئيسي هو العدالة الاجتماعية". وشبه أهداف الصدر بأهداف القس الدكتور مارتن لوثر كينغ جونيور أو المهاتما غاندي.

ولكن على عكس زعيم الحقوق المدنية الأسود أو رمز الهند السلمي، أشرف الصدر على ميليشيا مسلحة وتراجعت لكنها لم تنته تمامًا.

وقد اتهم جيش المهدي بتغذية العنف الطائفي السابق في العراق. وفي الوقت الذي اشتبكت فيه مع المقاتلين السنة في تنظيم القاعدة من أجل التفوق في العراق بين عامي 2006 و2008، اتهم مقاتلو الصدر بإدارة فرق الموت وإجراء عمليات تطهير طائفية لأحياء بغداد.

وقد قال الصدر إن المقاتلين لم يكونوا جميعا تحت سيطرته.

البصرة 2008

في عام 2008، وبعد خسارته معركة مع القوات الحكومية العراقية للسيطرة على البصرة، غادر الصدر - الذي يفتقر إلى المؤهلات الدينية لوالده - فجأة إلى إيران لمتابعة دراسته اللاهوتية.

ومع ذلك، كانت له علاقة غير مستقرة مع طهران لفترة طويلة، وفي حين أنه لا يستطيع تحمل عداء قادتها، إلا أنه يدعو إلى عراق خال من النفوذ الإيراني والأمريكي على حد سواء.

وقال إيلي أبو يعون، مدير معهد الولايات المتحدة للسلام، وهو مركز أبحاث تموله الحكومة الأمريكية، "أعتقد أن لديه حيزًا خاصًا يمشي فيه، وقاعدته لا تمليها أي دولة، ولا سيما الإيرانيون".

وأضاف "أعتقد أنّه أقلّ طائفية بكثير من الكثيرين وكثيرين لأن لديه رؤية قومية للعراق".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الصدر يعتمد على العذاري لقيادة مفاوضات الكتلة الأكبر

مقتدى الصدر يأخذ خطوة إلى الوراء أمام تهديدات الفصائل المسلحة