19-مايو-2021

المرحلة المقبلة تحتم علينا إعادة التفكير بطرق الخلاص (فيسبوك)

لم يكن فجر الأحد، التاسع من أيار/مايو الجاري يومًا اعتياديًا، فقد شهد تصفية الناشط الكربلائي إيهاب جواد الوزني، كما أنه لم يكن استثنائيًا، فنهاية إيهاب بالطريقة التي انتهى بها لم تعد جديدة أومستبعدة في البلد، الاستثناء هو في طريقة التعاطي مع الحدث. منذ أسبوع دخل موضوع الانتخابات والقيام بفعل تجاهها أو التعامل معها حيز الفضاء العام الواسع ظاهريًا بعد حادثة اغتيال الوزني، إلا أن الفضل الأكبر ـ جوهريًَا- يعود لـ"التململ الاجتماعي" إن صح التعبير عن جدوى الانتخابات والمشاركة فيها، وما سيترتب على أثرها. بل يتجاوزها إلى أبعد من ذلك والتفكير بجدوى العملية السياسية الحالية برمتها. خاصةً إذا أعدنا التركيز على أن المطلوب من المشاركة اليوم هو مشاركة على أساس قواعد رسمتها من جديد ـ تحت ضغط تشرين- كل الزعامات والأحزاب الماسكة بالسلطة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق إلى اليوم، وهذه القواعد من شأنها أن لا تحدث تغييرًا جوهريًا في بنية النظام غير ما يطبّل له عرابيه ويعدونه انتصارًا تحت يافطة "العرس الانتخابي" متبجحين بـ"الجو الديمقراطي" الذي قام على أنقاض النظام الديكتاتوري، هذه الديمقراطية التي تبدأ وتنتهي بورقة الاقتراع، أما نتائجها وطريقة التعاطي معها فهي من شأنهم تزويرًا وتهديدًا وحرقًا للصناديق إن تطلب الأمر. 

أمام حملات التعليق والمقاطعة للانتخابات القادمة جملة من الأمور، أعتقد من الواجب طرحها ومناقشتها حتى يتحول هذا الفعل إلى آلية من آليات استراتيجية سياسية أوسع وأشمل، وأيضًا ليتحول هذا الفعل إلى فعل احتجاجي من شأنه أن يخرج موقف المقاطعة من موقف أخلاقي يتبناه أفراد كحد أدنى إلى موقف سياسي تتبناه جماعات وتنظيمات كحد أعلى، هذا الموقف يكون قادرًا على إحداث تغيير حقيقي لعملية سياسية أراها ومعي الكثير أنها قد هرمت إن لم تكن تحتضر. وحتى تبتعد تلك المواقف الداعية إلى التعليق أو المقاطعة من اعتبارها مواقف آنية جاءت كردة فعل على حادثة اغتيال الوزني وحوادث أخرى سابقة أو حتى لاحقة، كان من الضروري الالتفات إلى أن الانتخابات القادمة المؤطرة على أنها "مطلب تشرين" ما هي إلا واحدة من ديناميات هذه السلطة وأركانها وزعاماتها باعتبارها قادرة على إعادة إنتاج هذا النظام، على اعتبارها أنها ستجري وفق رؤية وآليات وقواعد زعماء هذه العملية السياسية، شرعية هذا النظام والعملية السياسية سابقًا باعتبارها ممثلًا لهذه الطائفة أو تلك وهذه القومية والأخرى، ولاحقًا، ستكون سلطة ونظام تمثّل تشرين وبعدها "طلابة الما تخلص"!

من هنا تأتي أهمية أن تجتمع كل القوى والتوجهات المؤمنة بلا جدوى العملية السياسية الحالية إلى الجلوس ووضع ملامح الخارطة المستقبلية، خطوات من شأنها أن تبلور خيار المقاطعة  وتخرجه إلى فضاء الفعل الإيجابي الفاعل والرؤية السياسية القادرة على إحداث تغيير سلمي من خلال تلك المقاطعة، أي الإجابة على سؤال؛ وماذا بعد المقاطعة تلك؟ وهنا أعيد ما كتبته بمقال سابق حول إمكانية إعادة لحظة تشرين من جديد باعتبارها ممكنًا بشريًا، وهذا الطرح يقوم على أساس أن اللحظة التي أنتجت تشرين ما تزال متوفرة إن لم تكن قد تطورت وتبلورت أكثر، ومن كلا الجانبين، جانب التشرينيين، فهم الآن أكثر تنظيمًا وتطلعًا للخلاص من هذا النظام وتوقًا لبديل أفضل، ومن جانب كل ذلك التحالف الماسك للسطة والمال والسلاح، فضلًا عن أنه أكثر تمسكًا بهذا النظام، إذ يعلم الآن أن وجوده مرتبط بهذه السلطة أكثر من السابق، وأكثر انغلاقًا بما لا يسمح لإمكانية حدوث تغيير من داخله أو بقواعده حتى، بل ذاهب باتجاه إنتاج مستمر للاستبعاد بكل أشكاله، استبعاد للمجتمع من حقه في المشاركة المختلفة.

من كل ما قلنا أعلاه، نتلمس وجود صفين/معسكرين، الأول؛ يقف فيه كل من نعتقدهم فرقاء في الحياة السياسية اليومية، إلا أنه سرعان ما يتفق ويكون قويًا بمستويات مختلفة تجاه كل من يقف في غير الصف هذا، وآخر يضم كل الناقمين على الصف الأول المحاصصاتي/الزبائني.  فالمرحلة المقبلة تحتم علينا إعادة التفكير بطرق الخلاص، الطرق السلمية المتاحة والتي تم تجريبها سابقًا وأنتجت تشرين، مرحلة ننفي فيها التفكير القديم المتمثل بإمكانية حدوث تغيير من خلال المشاركة/التشارك مع القديم أو جزء منه أو القواعد التي وضعها هو نفسه، فتجربة الثمانية عشر عامًا الماضية تبيين أن هذا القديم كله مشترك بإنتاج اللحظة البائسة التي نعيشها. وهنا تكمن ضرورة بناء البديل السياسي لما نحن فيه.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تنظيمات ما بعد تشرين: من المقاطعة إلى الممارسة

حول الاحتجاجات ومقاطعة الانتخابات.. الآن