ألترا عراق ـ فريق التحرير
في أواخر شهر أيلول/سبتمبر من العام الماضي 2020، ظهرت تحركات وأحاديث عراقية نحو بناء مفاعل نووي في البلاد، لأول مرة منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي عندما تمّ تدمير مفاعل تموز النووي الذي انشأه العراق بتعاون فرنسي، وتم قصفه من قبل إسرائيل عام 1981، والإجهاز عليه تمامًا خلال عملية عاصفة الصحراء في العام 1991، وتدميره بشكل نهائي عام 2003 إبان الغزو الأمريكي للعراق.
توصلت الحكومة إلى تفاهمات مع 3 دول لتسريع بناء المفاعلات النووية العراقية
وفي 24 أيلول/سبتمبر 2020، أعلنت الهيئة العراقية للسيطرة على المصادر المشعة في العراق، تشكيل لجنة بأمر ديواني من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي للبدء ببناء مفاعلات نووية في العراق لأغراض بحثية، قبل أن تعلن الهيئة قبل أيام وتحديدًا في 22 نيسان/أبريل الماضي، عن توصل اللجنة الحكومية المشكلة لهذا الغرض لتفاهمات مع 3 دول لتسريع بناء المفاعلات النووية العراقية حيث رافقت التفاهمات زيارتين للسفارة الروسية، ولقاء مع السفارة الفرنسية وكذلك لقاء مع مسؤولين مختصين من الجانب الأمريكي.
اقرأ/ي أيضًا: العراق يبدأ خطوات بناء مفاعلات نووية: أمر ديواني من الكاظمي
وبيّنت الهيئة أن "الجانب الفرنسي توّاق للعمل مع العراق في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية وننتظر منه حصول كامل الموافقات ليتنسنى معرفة تفاصيل التعاون حيث سيكون وفق بنود مذكرة تفاهم أيضًا تشمل دعم ومساندة العراق في مجال الاستخدام الطبي وكذلك لإنتاج الطاقة".
الأحاديث الإقليمية التي تثار بين الحين والآخر حول مشاكل المفاعلات النووية سواء من ناحية السلامة أو من ناحية العلاقات مع المجتمع الدولي والسماح بامتلاك محطات نووية، تدفع للتساؤل عن مدى احتياج العراق لمفاعل نووي وأهميته، ومستقبله مع الدول الأخرى ولا سيما العظمى منها في حال الذهاب إلى بناء هذا المفاعل.
وفي هذا الصدد، أجرى "ألترا عراق" حوارًا مع رئيس الهيئة العراقية على المصادر المشعة في العراق الدكتور كمال حسين لطيف، حول ضرورة بناء مفاعل نووي في العراق وأهمية هذه الخطوة وفوائدها للبلاد.
هل يحتاج العراق لمفاعل نووي.. ولماذا؟
يقول الدكتور لطيف خلال حديثه لـ"ألترا عراق": "في بادئ الأمر، يمتلك العراق النفط والغاز كمصادر طاقة، ولكن الغاز الذي ينتجه العراق والذي يعتبر كناتج عرضي من عملية استخراج النفط يبلغ 2700 مقمق، ولا يستثمر العراق منه سوى نصف الكمية تقريبًا، ما يعني أن مصادر الطاقة التي يمتلكها العراق لا تسد سوى 50% من حاجة العراق الفعلية لتوفير الكهرباء".
بالمقابل، فإن العراق لا يصدر التمر ولا القمح كما كنا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، عندما كنا الأول في العالم بهذا النوع من الصادرات، وأصبح تصديرنا الحالي فقط نفط وغاز، أي أن العراق يحرق مصادره التصديرية لتوفير الطاقة لكي ينتج كهرباء، وهذا أمر خاطئ، بحسب لطيف.
ويضيف أن "الاستقلال السياسي في العالم هو استقلال طاقة ومياه وغذاء، ولم يعد الأمر مثل السابق فلا توجد دولة تحتل دولة عسكريًا بعد الآن، بل أصبح الاحتلال من خلال السيطرة على طاقة البلد، حيث أن العراق سيستمر باستيراد الغاز من إيران حتى عام 2030، وهذا الأمر غير صحيح في عالم السياسة والاستقلال".
ويشير لطيف إلى أن "خليط الطاقة وتنويع مصادرها مهم جدًا ويجب أن يكون لدى الدولة نفط وغاز وطاقة نووية ومياه وطاقة شمسية ورياح"، مبينًا أنه "كلّما كان سعر الطاقة ثابت في البلد كلما كان هذا البلد قابل للنمو بشكل أسرع، والنفط الذي يعتمده العراق أي تلاعب وتغيير بأسعاره عالميًا سيتسبب بخسائر سواء إذا ارتفع أو انخفض، حيث أنه بانخفاضه يتسبب بخسائر مالية كبيرة، وعند ارتفاعه سيرتفع الإنتاج أكثر، ما يعني حرق المزيد من النفط العراقي في الاستخراج وتوليد الطاقة".
ومن المتوقع بحسب حسابات خاصة تحدث عنها لطيف، أن العراق سيحرق ويستهلك 20% من نفطه وغازه حتى عام 2030 لتوليد الطاقة، وهي خسائر كبيرة، حيث أن 50٪ من الكهرباء المنتجة في العراق تأتي من الغازالمنتج داخل العراق و8% من الغاز المستورد من إيران، و42% من الطاقة الكهربائية يتمّ توليدها من مصادر أخرى.
ما هي الجدوى الاقتصادية لإنتاج الكهرباء بالمفاعل النووي؟
بعد هذه المقدمات، يجدر الحديث عن أهمية وفوائد المحطة النووية وماذا ستقدم للعراق مقارنة بما سبق.
يقول رئيس هيئة السيطرة على المصادر المشعة الدكتور كمال حسين لطيف، إنه "في مقارنة بين محطة نووية بطاقة 1 غيغا مع محطة بنفس الطاقة تعتمد على الوقود الأحفوري، فإن إنشاء المحطة النووية يحتاج لـ3 مليار دولار، مقابل محطة الوقود الأحفوري تكلف 1 مليار دولار، إلا أن المفارقة تتمثل بأن المحطة النووية تستهلك سنويًا 19 مليون دولار فقط، مقابل 800 مليون دولار تستهلكها المحطة العاملة بالوقود الأحفوري لتوفير الوقود، ما يعني أن مبالغ الوقود المستخدمة خلال 3 سنوات لمحطات الوقود الأحفوري تكفي لإنشاء مفاعل نووي".
ومن جانب آخر، فإن "عمر المفاعل النووي يصل إلى 60 سنة في الوقت الذي أقوى محطة وقود أحفوري لإنتاج الطاقة الكهربائية لا تستطيع المقاومة في العراق أكثر من 12 عامًا"، بحسب لطيف.
وحول اعتماد المصادر البديلة الأخرى مثل الطاقة الشمسية والرياح، يؤكد لطيف أهمية تنويع الطاقة، ولكن هذه المصادر بعمرها لن تصبح بديلة للمفاعلات النووية ولا تستطيع توفير طاقة كهربائية سوى ساعات معدودة وبكلف عالية.
عدا ما سيتم توفيره.. المحطة النووية تجلب أموالًا إضافية بلا مقابل!
يشير لطيف إلى أن "المحطة ذات الطاقة 1 غيغا والعاملة بالوقود الأحفوري، تطرح انبعاثات كاربونية بنحو 3.5 مليون طن الضار بالبيئة، في الوقت الذي لا تطرح المفاعلات النووية ذرة كاربون واحدة".
وعلى هذا الأساس، يتطرّق لطيف إلى مقررات الأمم المتحدة للتغير المناخي، حيث تم تقسيم العالم إلى دول متطورة مسببة للتلوث، ودول نامية وملوثة لكن لا يمكن إجبارها على تخفيض انبعاثاتها الكاربونية، وبينما تتسبّب الدول المتطوّرة بطرح انبعاثات كاربونية تفوق مئات المرات ما تطرحه الدول النامية، فإنه جرى اتفاق على أن تقوم الدول العظمى بشراء بدائل الانبعاثات الكاربونية من الدول النامية "افتراضيًا"، ما يعني أن كل دولة نامية تقوم ببناء مفاعل نووي على سبيل المثال أو أي وسيلة بديلة لتوفير الطاقة تمكنها من إطفاء وإيقاف محطة تتسبب بانبعاثات كاربونية، تقوم الدول العظمى بدفع أموال إلى الدول النامية هذه بمبلغ 40 دولارًا للطن، ما يعني أن العراق لو قام ببناء مفاعل نووي بحجم 1 غيغا ويطفي مقابلها محطة 1 غيغا تعمل على الوقود الاحفوري والتي تطرح نحو 3.5 مليون طن من غاز ثنائي اوكسيد الكاربون، فإن الدول العظمى هذه ستدفع للعراق نحو 120 مليون دولار مقابل كل محطة وقود احفوري يستغني عنها"، وعلى هذا الأساس يشير لطيف إلى إمكانية أن تصبح المفاعلات النووية التي يبنيها العراق "مجانية"، ويستطيع بنائها من هذه الأموال وأموال الوقود الذي يستهلكه في تشغيل محطاته الكهربائية العاملة على الغاز.
ويبيّن أنه "حسب اتفاق باريس للتغير المناخي فأن العراق ملزم بتخفيض انبعاثاته الكاربونية لغاية 2035 بنحو 14%، ما يعني أن العراق يجب أن يقوم بإطفاء محطات بنحو 4 غيغا واط، أي أن يبني مفاعلات نووية بقدرة 4 غيغا واط قبالة المحطات العاملة بالوقود الأحفوري التي سيلغيها".
يقول رئيس هيئة السيطرة على المصادر المشعة إن حرق العراق لنفطه وغازه وتبديده يغضب الدول العظمى، ومنها أوروبا، ففي الوقت التي هي بحاجة كبيرة إلى هذا الوقود، يقوم العراق بتبديده
ويحتاج العراق بحسب لطيف إلى 18 غيغا واط من الكهرباء في وقت الأساس، وعند الذروة أي خلال أشهر الصيف وساعات الظهيرة وبعض ساعات الليل إلى يحتاج إلى 23 غيغا واط ، فيما يشير إلى أن العراق إذا عمل على بناء 8 مفاعلات نووية بقدرة 1 غيغا واط، فإنه سيغطي نصف طاقته المحتاجة من الكهرباء وسيتم إيقاف الهدر بالنفط والغاز، ويحجز هذه الكميات للتصدير فقط وليس استهلاكها وحرقها.
ما علاقة الاستقرار الأمني والازدهار؟
يتحدث رئيس هيئة السيطرة على المصادر المشعة في العراق الدكتور كمال حسين لطيف، عن آثار سياسية وأمنية تتعدى التبعات الاقتصادية عن مسألة حرق العراق لمصادر الطاقة من نفط وغاز، واصفًا العراق بأنه "يثير حنق العالم بهذا السلوك".
اقرأ/ي أيضًا: الكاظمي يبحث عن "حل نووي" لأزمة الطاقة.. والرئيس الفرنسي "مُتحمّس"
ويشير لطيف إلى أن "حرق العراق لنفطه وغازه وتبديده يغضب الدول العظمى، ومنها أوروبا، ففي الوقت التي هي بحاجة كبيرة إلى هذا الوقود، يقوم العراق بتبديده، فلا يبقى أمام هذه الدول أما السعي بتخريبه ومنعه من تبديد الثروة، أو تحاول السيطرة على مصادر الطاقة فيه بطريقة أخرى".
ويبيّن أن "قيام البلد بتصدير المزيد من النفط والغاز والاستحواذ على السوق العالمي ولا سيما في الغاز، سيقوى البلد، وبما أن دول الاتحاد الأوروبي أغلب محطاته تعتمد على الغاز مع وجود تنوع آخر في الطاقة، ستعمل الدول الأوروبية والدول العظمى على ضرورة أن يبقى العراق بلدًا مستقرًا لكي لا تتأثر إمداداته من الطاقة المصدرة إليهم"، مبينًا أن "دول أوروبا لديهم ذكاء بالسيناريوهات ويعتمدون على خليط الطاقة، فبلجيكيا مثلًا تأخذ نصف طاقتها من المفاعلات ونصفها الآخر من الغاز، وعندما يرتفع سعر الغاز بسنت واحد فقط، يقومون بإطفاء المحطات ورفع طاقة المفاعلات النووية لتعويض نقص الطاقة، وجميع هذه الخطوات محسوبة بالملي لناحية الجدوى الاقتصادية".
هل نواجه مصير مفاعل تموز؟ وهل يؤدي لتبعات غير سلمية؟
ينفي لطيف أي وجه تشابه بين المفاعلات النووية التي يحاول العراق إنشاءها وبين مفاعل تموز، حيث يبين أن مفاعل تموز هو مفاعل بحثي يسمى بمفاعل الحوض المفتوح.
وبينما يشير إلى أن العراق سيتوجه في بادئ الأمر لبناء مفاعلين الأول لإنتاج الطاقة بقدرة 1 غيغا واط، والآخر مفاعل بحثي لتدريب الكوادر والعاملين، يتطرق لطيف إلى قضية جوهرية ستبعد العراق عن المتاعب الدولية فيما يخص المفاعلات النووية.
ويؤكد أن "العراق لن يكون لديه مخلفات نووية، لأنه لن يصنع الوقود، بل سيتم استيراد الوقود المشغل للمحطات من البلدان المنشئة للمفاعل الذي سيبنيه العراق، وبصحبة فريق دولي يقوم بنفسه بتنصيب حاويات مغلقة جديدة من الوقود وأخذ القديمة المستهلكة إلى خارج البلاد، ولن يكون هناك أي سبل غير سلمية في هذا المفاعل".
اقرأ/ي أيضًا: