05-مايو-2019

اللعب من شرفة الهاوية (فيسبوك)

صدر عن دار عدنان للطباعة والنشر في بغداد الديوان البكر للشاعر العراقي وسام الموسوي. يتضمن  الديوان 52 قصيدة. تناول فيها الشاعر موضوعات متنوعة بلغة منتقاة بذكاء وحذر، مدفوعة بإحساس مراقب، متألم يشوبه غضب خفي لمشاهد  حياتية متراكبة، معقدة ومرعبة في أحيان كثيرة.

نجح الشاعر إلى حد كبير في منح مجموعته عنوان "ألهو مع الهاوية" فهذا اللهو، رغم أنه يبدو عفويًا، كما هو كل لهو، لكنه هنا يحمل قصدية واعية

 يتجلى عنصر قوة في تركيبة عدد من قصائد الموسوي، بخاصة، في قصائده ذات المقاطع القصيرة، كقصائد؛ "نعكر مزاج المرايا ، ص. 103-105، تأوهات، ص. 110-113" وغيرها، فهو يمسك بالفكرة والصورة والمعنى، كما يتجنب الوقوع في ترهل اللغة والتكرار. لكن، يمكن أن يقال إن هناك بعض القسرية، على قلّتها، التي تطغي على صياغة بعض العبارات، التي جعلت النص يبدو مثقلًا بأفكار فلسفية مقحمة، إضافة إلى تكرار مبالغ فيه لبعض المفردات: القلب، الجدار، الظل.

اقرأ/ي أيضًا: لمن يكتب الشعراء؟

هل أخطأ شاعر شاب بأن يسمي ديوانه "ألهو مع الهاوية"، حيث كان الأجدى به أن يوظّف قصائده كأي شاب آخر لرومانسية التغني بالحياة والعشق كما هو معروف عن شعر الشباب عامة..؟ لماذا هذا التفكير بالهاوية؟ هل هو هروب مصطنع، عزوف خالٍ من كل تجربة فعلية؟ فكرت بكل هذه الأسئلة وأنا أعيد قراءة ديوان وسام الموسوي لأكثر من مرة.

غلاف مجموعة ألهو مع الهاوية للشاعر وسام الموسوي (ألترا عراق)

 برأيي أن الشاعر نجح إلى حد كبير في منح المجموعة هذا العنوان، فهذا اللهو، رغم أنه يبدو عفويًا، كما هو كل لهو، لكنه هنا يحمل قصدية واعية. فهو لهو مختلف، مخيف. فالهاوية محدقة بكل تفاصيلها بحياة الشاعر، وهي عبارة عن حياة تتوزع صورها بين الحرب، والخيانة، والحب الناقص، وسبورة العمر التي لا تضيء وغيرها. وهو، علاوة على ذلك، لهو أقحم فيه، ويشوبه وعي:

"كل شيء كان واضحًا ومدويًا:

الطاولة التي تراقب عن قرب

والمسافة الميتةُ بيني وبين التوغل

في المشهد الغرائبي هذا" ( من قصيدة النسيان حظ أيضًا، ص 11-12). 

ومع أنه يحاول أن يفتح كوة لنقطة ضوء في هذا التشوّه المحيق بالذات، هذه الهاوية التي أرغم على معايشتها، إذ يضيف في نفس المقطع:

"إلا الأمل كان حبيسًا مثل كلب

وفي فمه عظمةٌ نحيفة تشبه الحظّ"

إلا أنه لم يتخلص من كابوسية هذه الهاوية، فهو أمل حبيس، غير مأمون، وأكثر من هذا طارئ.  وفي قصيدة "سبورة العمر لا تضيء" يتجلى مشهد  الهاوية بصورة أكبر، فهي تزدحم بمشاهد يومية، أقل ما يقال عنها، إنها معتمة، مرعبة، موحشة:

"أين ستهرب البلاد

حين تصرخ خارطةٌ في قلب يتيم

يبحث عن جثة أبيه؟" ( ص17) في هذا المشهد التراجيدي تحولت البلاد، مجازًا، إلى محض خارطة مجردة عن تاريخها وقيمتها المعنوية والتاريخية أمام عنف الحدث ولا معقوليته وعبثيته. ولهذا فهو لا يتردد عن شتم الحياة:

"أنا لست بخير

ولن أكون كذلك بعد الآن

صدقيني أيتها الحياة الداعرة" ( قصيدة ألهو مع الحياة، ص24).

ومما يجعل الإحساس طاغيًا بالصدمة عند قراءة إحدى قصائد الديوان، أنه يكتب عن الحرب وفضائعها ماثلة، حتى وهو يفكر في كتابة قصيدة إلى حبيبته:

"كلما كتبتُ عنك

هربت القصيدة نحو الحرب" ( قصيدة مشاهدات، ص 26). 

وهي حرب تلاحقه، وتشغل حيزًا في تجربته الحياتية، حتى حين يطلب من الآخرين في واحدة من أجمل قصائد الديوان، أن: "لا تزعجوا الحرب بالشتائم " ( ص. 48 ) فإنه يتهكم بحرقة وعمق بما جلبته تلك الحرب المفردة- الجمع، التي عاشتها البلاد، فهي حرب من صنيعتنا، أو كما يكتب:

"لا تزعجوا الحرب بالشتائم،

لا تكتبوا عنها،

إنها صنيعتنا،

التي لا تموت" ( قصيدة لا تزعجوا الحرب بالشتائم، ص47).

 ثمة اغتراب وجودي في عدد من قصائده، اغتراب عن الذات، الناس، البلاد، الحبيبة. ذلك الاغتراب الناشئ عن مفارقات الموت، الفراق، الفشل، الحرب، البلاد التي تتجاهله:

"ربما لأنني احب البلاد

أو لأنها تحبني

دون أن تعرف شيئًا عني

أنا الذي أطفو في عينها

على شكل دمعة" ( قصيدة رغبة في الوصول، ص 45).

هل كان ثمة خطأ، إذًا،  في هذه الغربة الوجودية المبكرة في حياة شاب شاعر، وهو يلهو من الهاوية، وهنا يجيب الشاعر بوضوح وصدق وحسية عالية:

 "كلّ ما في الأمر

أننا رسمنا شراعًا كبيرًا لأحلامنا ،

ونسينا أن الأشرعة

لا تتقن ترويض الرياح!"

 ( قصيدة مشاهدات، ص 27).

 ويكون الشاعر بهذا قد نجح، إلى حد كبير، أن يمنحنا بهجة الكتابة وجمالية الشعر في ديوانه البكر، وإذا كان لا بد أن يرافق هذه التجربة الشعرية الأولى بعض الهفوات، فأن الوعي  بها وتراكم التجربة الحياتية والجمالية والمعرفية كفيل بصقلها بصورة أعمق وأكثر سطوعًا.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الشعر والشيخ المؤذن

حوار| ميثم راضي: أحلم أن يُعلم الخيال في المدارس!