05-سبتمبر-2022
خلال تشييع أحد ضحايا أنصار الصدر

اتهم صالح محمد العراقي "ميليشيات الإطار" بقتل المتظاهرين (Getty)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

في نظام سياسي معقّد مثل النظام العراقي، يُعد ملف "صعوبة التشخيص" أحد أهم أسباب انعدام الحلول، ففي مختلف المجالات والقطاعات هنالك "متاهات" طويلة، وأحد أبرز هذه المتاهات في ملف يعتبر أهم ما يدين النظام الحالي، هو "قتل العراقيين" أفرادًا وجماعات أثناء التظاهرات أو بأوقات أخرى. 

رأى مراقبون أنّ القوات المسلحة الرسمية لا تمتلك ما تخشى عليه في النظام السياسي العراقي حتى تقوم بقتل العراقيين 

ويوصف النظام العراقي بأنه "ديمقراطي"، ما يفترض أن يوجد علامات استفهام حول "ما الذي يدفع فعليًا لقتل المتظاهرين؟ومن يفعل ذلك؟". لكنّ العراق الذي يمتلك أصنافًا مختلفة من الأجهزة الأمنية "مختلطة الولاءات"، يجعل من هذه الأسئلة صعبة الإجابة، وطالما وضعت هذه الأسئلة العراقيين في علاقة "قلقة" تجاه القوات الأمنية بمختلف صنوفها، كما تستمر التساؤلات العديدة، من قبيل: ما الذي يجعل رجل الشرطة أو الجيش يفتحون النار على متظاهرين لا يهددون حياتهم في بلدٍ لا يمكث فيه رئيس حكومة طويلًا ليدينوا له بالولاء؟

احتجاجات تشرين، التي انطلقت في مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2019، وراح ضحيتها مئات القتلى، كما جرح وأصيب ما يزيد على 21 ألف، وفقًا للأمم المتحدة، كانت تتردد خلالها أحاديث واتهامات لـ"فصائل تنتمي للحشد الشعبي"، وهي تهمة لطالما سُخِرَ منها رغم وجود تسريبات ومعلومات من قبل شخصيات مقربة من النظام، عن تورط فصائل مسلحة في دماء المتظاهرين بالفعل، فضلًا عن اعتقال شخصيات متهمة باغتيال ناشطين ومتظاهرين، تبين أنهم مرتبطون بفصائل مسلحة مرتبطة بالحشد الشعبي.

وخلال 2022، ومع بداية نيسان/أبريل الماضي، اشتعلت ما يمكن أن يطلق عليه بـ"حرب تغريدات" على منصة "تويتر" بين المسؤول الأمني لـ"كتائب حزب الله" أبو علي العسكري ورئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، لكنّ الأخير ألمح إلى ميليشيا "كتائب حزب الله" بأنها قتلت متظاهري تشرين، وقال: "سنبقى نلاحق المجرمين والقتلة الذين غيبوا الأبرياء في الرزازة والصقلاوية وجرف الصخر، ثم عادوا ليكرروا إجرامهم بتغييب وقتل وإصابة الشباب المتظاهر الباحث عن الدولة والعدالة".

مؤخرًا، ومع الاحتجاجات التي قادها زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، ومن ثمّ اعتزاله، ودخول أنصاره إلى القصر الجمهوري، وسقوط ضحايا بينهم، ثمّ تحول الأمر إلى اشتباكات بالسلاح، أعيدت الأسئلة أيضًا حول من بدأ ومن أمر ومن نفّذ، لتخرج الاتهامات بشكل صريح هذه المرة لفصائل الحشد الشعبي، ومن قبل صفحة ما يسمى بـ"وزير الصدر"، وهي ـ بحسب عديدين ـ ربما المرة الأولى التي تخرج فيها الاتهامات بهذا الوضوح من جهة مشاركة في النظام السياسي، ومسلّحة أيضًا.

أنصار الصدر
خلال عمليات دفن القتلى من أنصار الصدر في أحداث آب/أغسطس (Getty)

 

"ميليشيات الإطار التنسيقي قتلت المتظاهرين".. دعوى لإخراج الحشد من الخضراء

التيّار الصدري اتهم ماوصفهم بـ"ميليشيات الإطار التنسيقي" بقتل متظاهريه، كما ذكرت تغريدة للحساب الناطق باسم زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر "صالح محمد العراقي"، وهذه الميليشيات كما هو معروف هي قوات مرتبطة بشكل أو بآخر بالحشد الشعبي، وهو ما قد يفسره نسبيًا ربط العراقي بينهما، عندما أكد على ضرورة "إخراج جميع الفصائل بل والحشد الشعبي من المنطقة الخضراء، ومسكها من قبل القوات الأمنية الوطنية البطلة"، وفقًا لتعبيره. 

وتواصل "ألترا عراق" مع أطراف صدرية للحصول على إجابة بشأن ما إذا كانت لديهم معلومات مؤكدة عن توّرط فصائل مسلحة بقتل المتظاهرين الصدريين في المنطقة الخضراء والذين بلغ عدد ضحاياهم أكثر من 30 ضحية نتيجة فتح النار على المتظاهرين قبل أن يتطور الأمر إلى اشتباك مسلح بين الطرفين، إلا أنهم لم يجيبوا على طلبات التعليق.

الحشد "السياسي" يتصدى

ولعلّ القوات المسلحة عمومًا لا تمتلك ما تخشى عليه في هذا النظام وتقتل العراقيين لأجله كما يرى مراقبون، إلا أنّ الحشد والقوى السياسية المرتبطة به، تمتلك ما تخشى عليه، وهو ما توضحه بيانات هيئة الحشد الشعبي وتصريحات القادة المرتبطين به، التي تكرّر أحاديثها عن أن الحشد  "أعطى الدماء للحفاظ على هذا النظام"، وهو ما لا يوجد في أدبيات القوات المسلحة الأخرى التي تتحدّث عن "حماية البلاد".

وحول توّرط الحشد الشعبي بقتل المتظاهرين، يرى الأكاديمي والباحث السياسي عقيل عباس، أنّ اتهام الصدريين للحشد أو بعض فصائله بقتل المتظاهرين بدأ منذ تشرين، وأوضحها مجزرة السنك.

والتعاطي المختلف للحشد الشعبي مع القضايا عما عليه في القوات المسلحة الأخرى، هو ـ بحسب عباس ـ مصداق على إمكانية تورط الحشد الشعبي، حيث أنّ "الحشد يعتبر جزءًا من القوات المسلحة لكنه يقف ضد الدولة والقائد العام للقوات المسلحة عندما تكون مصلحته بذلك ويدعمها عندما تكون مصلحته بهذا الفعل".

ويعتبر عباس أنّ هذه إشكالية الحشد الشعبي، فهو "لديه غطاء الدولة والقوات المسلحة لكنه لا يشبه القوات المسلحة الأخرى، فهو يصرح سياسيًا ويشترك بالانتخابات، مثل رئيس هيئة الحشد لديه قائمة سياسية ويشارك بالانتخابات، والحشد يهاجم رئيس الحكومة أحيانًا"، متسائلًا: "هل نرى سلوكيات كهذه من قبل قائد جهاز مكافحة الإرهاب عبد الوهاب الساعدي أو قادة الفرق في الدفاع أو الداخلية؟ هل يصرحون سياسيًا أو يشاركون بالانتخابات؟". 

ومشاركة رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، بالانتخابات هي مخالفة قانونية بذاتها، بحسب عباس الذي يصف الحشد بأنه "مجوعة سياسية مسلحة تتمتع بغطاء وموارد

 الدولة، لكنها تقف ضد الدولة في مفاصل كثيرة".

وتنطلق الأسئلة حول أسباب "تصدي" الحشد لصد تظاهرات معينة، وإجابة هذه الأسئلة وفقًا لعباس لأنّ "الموضوع سياسي والحشد مرتبط بشكل واضح بتيار سياسي يتصارع على السلطة، فزعيم الحشد جزء من الإطار التنسيقي والأخير يستخدم قوات الحشد في صراعاته".

أما فيما يخص "الخط الأحمر" الذي استدعى إطلاق النار على المتظاهرين الصدريين، بالرغم من عدم حدوث هذا الأمر عند اقتحام البرلمان واقتحام القصر الحكومي من قبل أنصار الصدر، يقول عباس إنّ "الأمر ليس واضحًا، بدقة لكن التقارير تقول إنّ المحتجين توجهوا نحو بيت المالكي وكان هنالك حرس وقناصة هم من أطلقوا النار وبعض قوات الحشد"، معتبرًا أنّ "هنالك قتل متعمد لوجود إصابات مباشرة في الرأس".

وقبل أيام، قدّم "صالح محمد العراقي" خمسة مقترحات إلى رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، تخص الحشد الشعبي، كان أبرزها، "حل الفصائل التي تدعي المقاومة"، بالإضافة إلى تغيير رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، لأنه "متحزب ويسيّس الحشد فضلًا عن عدم امتلاكه شخصية قوية أو ذهنية، وهو غير مؤهل"، وفقًا لوصف صفحة الصدر.

القوات الأمنية لم تقدم إحصائية رسمية.. من هم المصابون الذين زارهم الخزعلي؟

على غير عادة أعمال العنف النسبية التي تشهدها بعض التظاهرات في العراق، لم تصدر "خلية الإعلام الأمني" أو أي جانب حكومي رسمي، إحصائية أو صور عن وقوع إصابات في صفوف قوات أمنية رسمية، بالمقابل، اقتصرت عملية زيارة "المصابين" ونعي الضحايا، على التيار الصدري، والحشد الشعبي. 

وظهر الأمين العام لميليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، وهو يزور الجرحى الذين سقطوا جرّاء ماوصفته القناة المقربة من العصائب بـ"فتنة الخضراء"، فضلًا عن إعلان هيئة الحشد عن سقوط 4 ضحايا من منتسبيه في أحداث الخضراء، كما أقام الإطار التنسيقي من جانب آخر مجلس عزاء بهذا الخصوص.

من يشتبك مع الصدريين غير نظرائهم؟

تحدث "ألترا عراق" لعدد من منتسبي قوات حفظ النظام الذين كانوا متواجدين ليلة اشتباكات الخضراء، ونفوا خلال أحاديثهم عن تلك الليلة، معرفتهم بالجهات التي اشتبكت مع الصدريين في تلك الليلة، فيما قفز أحد عناصر قوات حفظ النظام من بين زملائه ليؤكد أنّ "من اشتبك مع الصدريين هم الحشد"، بحسب قوله، وعند محاولة معرفة تفاصيل أكثر، أوضح أنّ "عناصر من الحشد المتواجدين داخل الخضراء وعناصر أخرى تم استقدامها ومن ألوية مختلفة هم من فتحوا النار على الصدريين، مبينًا أنّ "النقطة الفاصلة التي أدت لفتح النيران، هو تقدم المتظاهرين نحو منازل المسؤولين ولا سيما المالكي".

ولا يعتبر الباحث السياسي، أحمد الياسري، الاشتباك المباشر بين الصدريين والفصائل تحديدًا مفاجأة جديدة، ويعلّل ذلك بأنّ "تبادل الاستهداف يتكرر في مناسبات عدة وحتى في تشرين كان حاضرًا".

ومنذ نشوء النظام السياسي بعد 2003 كان "الشيعة يعتمدون على الائتلافات السياسية كضامن أمني"، وفقًا للياسري الذي رأى أنّ "هذا الضامن تفكّك الآن، كما قامت تشرين بتفكيك فكرة الائتلافات الشيعية وانقسم التشيع السياسي إلى تشيع عراقي وآخر إيراني".

وانهيار الائتلاف الشيعي ـ والكلام للياسري ـ أدّى للانهيار الأمني، كما "سنشهد تصادمات فعلية ستكون أكبر مما شهدناه في الثلاثاء الدامي، لأنّ عدم وجود ائتلافات يعني انتهاء الضامن الأمني، ودخول عنصر الغلبة".

لم تصدر خلية الإعلام الأمني أي إحصائية رسمية بشأن الضحايا الذين سقطوا في تظاهرات واشتباكات الخضراء وهذا لم يحدث سابقًا

واعتبر الياسري أنّ "فرضية حرمة الدم الشيعي قد انتهت الآن، وكانت قد ضعفت منذ تشرين"، مبينًا أنّ "الصراع أضعف حظوظ القوى السياسية الإيرانية وستحاول استفزاز الصدريين لتكرار سيناريو 2014 في المحافظات السنية ومساهمتهم بانهيار هذه المناطق حتى يعيدون تشكلها أمنيًا، إلا أن الأمر أكثر صعوبة مع التيار الصدري".