12-نوفمبر-2019

صنع الشباب الذي خرج في تشرين الأول بالعراق لحظة وطنية أمام النظام الطائفي (Getty)

بعد جيل الهتافات القومية والشعارات الاشتراكية التي لم تقترب ولو لدرجة واحدة من صناعة القاسم الوطني المشترك بين الجميع، جاءت اللحظة العراقية الكبرى التي تعيد نسج أواصر التواصل الوطنية بين فئات المجتمع لينطلق لبناء دولة محترمة، هذا الجيل الذي عاش حتمية القبول بثنائية الاستبداد والاستعمار. الجيل الذي لم ينفك من إلقاء اللوم على الشباب. جاء رد هؤلاء الشباب على جلد الذات السائد وكان الرد مدويًا، فتحوا بحرًا من التضحيات لونوه بدمائهم القدسيّة.

الشباب الذي خرج في انتفاضة تشرين هم أبناء لحظة الرفض للمحتل، أبناء أعوام الطائفية التي كان المحتل والأحزاب التي وضعها جزءًا من صناعتها 

 هؤلاء الشباب أبناء لحظة الرفض للمحتل، أبناء لحظة الدم المسفوح في الشوارع أبان أعوام الطائفية التي كان المحتل والأحزاب التي وضعها جزءًا من صناعتها، الفتية الذين أصبحوا أوتادًا لخيمة الوطن الآن ومؤسسي لحظة ما بعد الثالثة عصرًا من واحد تشرين الأول/أكتوبر 2019 بزغت شمس شبابهم على سبايكر والصقلاوية ومأساة الموصل وباقي المحافظات المسلوبة في غزو داعش الغابر، وانعدام الحياة بكل أشكالها في المحافظات الجنوبية والوسطى بسبب فشل حكومة القنّاصين بتوفير مستلزمات العيش البسيط، هذه الحكومة التي لا تفلح بغير تهشيم الرؤوس على أسفلت الشوارع.

اقرأ/ي أيضًا: انتفاضة تشرين.. جيل اليوم في مواجهة النظام الطائفي

صنع هؤلاء الأبطال لحظة الوعي المنشود، هذه اللحظة التي هرمنا من أجل الوصل إليها منذ ستة عشر عامًا. ليخرج جيل جلد الذات ولوم الضحية ويشاهد كيف يخلّد الشباب أنفسهم في ساحات الرفض - ساحات الاحتجاج -، كيف يقع الشاب تلو الآخر مضرجًا بدمائه وهو يهتف مع أصدقائه بصوتٍ واحد "نريد وطننا"، وطننا الذي أضاعوه الساسة بولائهم لسيدة الخراب الأولى أميركا و للجارة المطبقة على أنفاس الشعب -إيران -. ليتعلم مدمنو القهوة وجلسات التنظير المغلقة المُترفعة عن عوام الشعب كيف تُسقى الأرض بالدماء حفاظًا عليها من الضياع التام.

في وسط مأساة الأنا التي أجهزت برصاص التصدّر والقيادة لأغراض الشهرة على المصلحة الوطنية، مأساة الأنا التي بددت أمالنا في احتجاج تموز 2015 والاحتجاجات التي تلته، في وسط كتب التنظير ومقالاته التي لو تحولت إلى ماء لأغرقت الأرض برمتها خرج علينا جيل "البوبجي والتكتك" ليقول: "لا" كانت هذه الـ"لا" بحجم كل الآلام التي عانيناها منذ سقوط المجرم صدام حسين وإلى الآن. بكل صراحة ووضوح، فأن هؤلاء الشباب المرابط في ساحات الاحتجاج منذ الأول من تشرين الأول/أكتوبر قد صنعوا "الأنا" الوطنية، أما الكثير من المنظرين والناشطين والمدونين الكثر على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى شاشات التلفاز بعيدون كل البعد عن حياة الضيم التي يعيشها الشباب المحروم، هم ليسوا مثقفين، بل مدّعون للثقافة.

في رأيي، من لم يشترك مع جذور الأزمات الكبرى التي تعج بالشعوب من الظلم أن يسمى مثقفًا. الشباب يخطون المجد بدمائهم الآن، ويرسمون لنا خارطة طريق بجثثهم التي ملأ بها القنّاصة شوارع بغداد، وليبقى هؤلاء بحياتهم المترفة ومطالبهم الرومانسية البعيدة عن مشاكلنا الحقيقية.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

العقل الجمعي يقدّم الدروس للمثقف العراقي!

انتفاضة تشرين.. فرصة لتقييم الذات