13-نوفمبر-2020

هناك مؤشر على بروز نظام دولي جديد متعدد الأقطاب (فيسبوك)

الكتابة والقراءة والاطلاع عن الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحاضر أصبح ضروريًا جدًا لأي مهتم بالشأن الدولي، وذلك بسبب حضورها الطاغي والمهيمن في شتى الصراعات الدولية، وخصوصًا في الشرق الأوسط. إن مثل هذا الحضور الذي يعطي للولايات المتحدة الأمريكية قدرة كبيرة واستثنائية في الوقت نفسه، لكن تبقى لديها سلبيات وهفوات كثيرة، انتهت بكوارث بسبب عدم معرفتها في الحدث وتسرعها. وبالرغم من خلافنا واعتراضنا العميق معها ومع سياستها العدوانية واللا إنسانية، تبقى حتى هذا اللحظة هي (سيدة العالم) وأعتقد أن هذا اللقب أو المصطلح سيُزعج الكثير ممن يتسربون للمحيط الأوسع دون دراية أو معرفة الحقيقة. لا يوجد في السياسة مجاملة، علينا الاعتراف، فمثل هكذا دولة توسعت وانتشرت سياستها في العالم من الناحية الاقتصادية أو العسكرية، وشلّت حركة الدول، حتى بعض الأحيان، ترجع إليها الدول لتستعين بها ولتساعدها، ودولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية، كان من نصيبها هذا المصطلح. إذًا، لا أفراط ولا تفريط في القول. ورغم الحديث الكبير ورغبة العالم بتغيير هيكلية القوة النافذة يستطيع فيها الآخرون المساهمة تحت مفهوم التعددية القطبية، لكن لا أحد يستطيع ويبقى الموضوع مؤجلًا. 

 النظام الذي يقوم على القوة والعنف وإباحة كل شيء في العلاقات الدولية لا يمكن أن يطول ويستقيم

إذا تتبعنا النظر ورجعنا للتاريخ قليلًا منذ اكتشاف القارة وتأسيس الدولة الأمريكية في الثالث من آب/أغسطس عام 1494 م، على يد الملاح الإيطالي الشهير كريستوفر كولومبوس بثلاث سفن مؤلفة من سفينة القيادة، سانتاماريا وسفينتين أخريتين صغيرتين هما: "بنتا" و "ميتا"، محاولًا في ذلك الوصول إلى الهند عن طريق الغرب، بعد أن ساد الاعتقاد بأن الأرض كروية. وبعد اكتشاف القارة كان يعيش على هذا البقعة أكثر من ألف، وهم جماعة بشرية متفاوتة في تقدمها الاجتماعي، تم تهجيرهم بالقوة والقهر اللذين مورسا ضد السكان الأصليين للقارة. إن الشعب الأمريكي يعتقد إلى هذا اليوم أنه يجسد امتثالًا إلهيًا قاده الى الاستيطان وإبادة الشعب الأمريكي الأصلي واستعباد الآخرين، وهذا طبعًا تمهيدًا للسيطرة والهيمنة على العالم بأسره. إن الولايات المتحدة الأمريكية أمة من المهاجرين، فكل الأمريكيين مزيج من مختلف الشعوب والثقافات، ومن هنا ابتدأت نقطة تحول أو الطفرة في السياسية الأمريكية منذ إبادة السكان الأصليين وتهجيرهم، هذا وبعد الصراعات التي تلت وحدثت بين المستعمرات بين بريطانيا وأمريكا، وقد عجل التدخل الفرنسي أيضًا في الشؤون الأمريكية، وتصاعدت لهجة المعارضة والصراع بين المستعمرات، حتى جاء إعلان الاستقلال الذي اقر في 4 تموز/ يوليو عام 1776. إن نقطة التحول جاءت قبل نهاية القرن التاسع عشر، حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد وصلت مرحلة الكمال الدولي ففي أقل من 70 عامًا تحولت من جمهورية ريفية إلى دولة مدنية، ولذلك فما أن بدأت القوى الأوروبية للتنافس والتصارع في ما بينها من أجل الاستعمار، الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918) هنا كانت الولايات المتحدة الأمريكية في أوج حالتها الاقتصادية وقوة عالمية طاغية وباذخة ومهمة، وطوال 3 سنوات تركت المتحاربين بينهم حتى الموت، وكان السبب واضحًا، لأن اللحظة المناسبة لتنفيذ الدور الإمبراطوري العالمي والمهيمن لم يحن وقته.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا تريد أمريكا من العراق؟

إن من أهم وأبرز المغذيات السياسية التي تلعب دورًا محوريًا في السياسية الأمريكية كثيرة، ومنها الدين، والنجاح، والمصلحة، وغرور العظمة والقوة، إضافة إلى ذلك القوة العسكرية الكاسحة، كل هذا يستوجب قدرًا من العقلانية والذكاء السياسي والتواضع، لكن لم يتوفر في العقل السياسي الأمريكي المدفوع بدافع القوة والسيطرة، فهناك نظرية نادى بها أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد الأمريكية (صامويل هنتنغتون) التي أسماها بصدام الحضارات، بأن الصراعات المهمه في السياسة الدولية ستكون بين الدول والجماعات التي تنتمي إلى حضارات مختلفة وستهيمن الحضارات على السياسة العالمية، ونفترض أن الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم صراعها اليوم في صراع حضاري ثقافي يقوم على التفكك والصراع، إضافة إلى ذلك، فمعظم الأمريكيون يؤمنون بمفهوم (التدبير الخارق الإلهي للكون) حيث أن الله هو قد هيأ لهم الأرض وصياغة الكون وتصحيحه، ويطلقون على أنفسهم شعب الله المختار، وأن الله اختار مهمة مقدسة، وقطعًا مثل هكذا دعوات لا مبرر لها غير لغة الاستعمار وملامح استعلائية لا تعترف بالآخرين، كما وأنه يشكل تهديدًا للعالم والجنس البشري، والذنب أيضًا يقع على بعض المتطرفيين الإسلاميين الذين يؤمنون بأمريكا، ويؤمنون بأنها حضارة مختلفة، وأصحاب ثقافة عالية ويتفوقون على الإسلام، وإذا تمعنا في أصول السياسة الأمريكية، نرى أن تعاليمها أخذت من الدين الإسلامي، وتم صياغتها بمختلف الصيغ لتوهيم العالم، ولخلق روح العداء الكامن والظاهر للعرب، خصوصًا، وكما يريدون أن يدور العالم حول واشنطن، أي أين ما تدور واشنطن، يدور العالم معها حقيقة، وبدون تجريد، مثل هكذا تداعيات هي خطيرة ومنطق استعماري وعنصري يشكل تهديدًا علنيًا للعالم، حتى تسمى بالإمبراطورية الأمريكية الباذخة التي هيمنت على المسرح السياسي الدولي، ومن أبرز أسباب عداء الغرب للإسلام، بحسب مراد هوفمان في كتابه (الإسلام في الألفية الثالثة: ديانة في الصعود) حيث يرى أن إدراكهم وفهمهم أن الحضارة الغربية بحاجة إلى دين يضع لها حدودًا كي لا تنقلب إلى فوضى، ولا يوجد من يتصدى لتلك المهمة غير الإسلام، فهو دين الحضارة الذي يحدث توازنًا في جميع أنشطة الحياة، هذا عدا كونه علاجًا حاسمًا لحالة التغريب والانخلاع التي يعيشها المجتمع الغربي. فكّر قليلًا سترى أن كل شيء جائز مع استثناء واحد فقط، هو الإسلام، فهو الدين الوحيد من دون الأديان لا يشمله هذا التسامح الجميل المصطنع، وذلك فإن الإمبراطورية الأمريكية حلقة أخيرة في سلسلة متوالية من الإمبراطوريات، لكنها جاءت لأول مرة مستغنية عن وطنية شعب على أرض. وخصوصًا نظام الأحادية القطبية، أتاح فرصة للولايات المتحدة الأمريكية قدرة كبيرة على أن تمارس وتنفذ سياسة الهيمنة ضد الجميع، ومحاربة ومضايقة كل من يتحداها لأن في ذالك تحديًا للإرادة الأمريكية، وتشكيل خطرًا على مصالحها، هذا بعد أن نعرف أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تتخذ في سياستها نظرية الباب المفتوح، أي للجميع ولكل من يريد من الولايات المتحده تقديم المساعدة له، وفي مختلف الأصعدة من الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو العسكري، وحتى الاجتماعي حكرًا لها، القوة الضاربة المهيمنة على العالم، وبعد ظهور منافسيها، باتت المنافسة قوية جدًا لإثبات نفسها بأن لها السلطان وهي الإمبراطورية الوحيدة المسيطرة على العالم. 

المنافسة بين القوى العالمية العظمى مثلًا (أمريكا ـ والصين) لذلك علينا القول وبكل حقيقة إن الحرب التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية ضد كل من ينافسها أو يحاول تحديها على مختلف الأصعدة، أن تلك الحرب بما تسميه بالإرهاب وتمارسها ضد بعض الدول التي لا تعترف بمهيمنتها، وتتحدى مشاريعها في مناطق عديدة من العالم، أنها بحد ذاتها صراعًا تجاريًا حادًا بينها وبين منافسيها في الهيمنة، وأبرز مثال على ذلك، حملتها العسكرية ضد أفغانستان عام 2001 وعدوانها وشنها الحرب على العراق ثم احتلاله عام 2003، وكل من يقف ضد مصالحها ومخططاتها، بالرغم من التلميع الكبير الذي وظف لها والماكنة الإعلامية الضخمه لدعمهم، وأن هذا السياسة فاقمت قوتها ونفوذها، لدرجة باتت فيه سلطان العالم المطلق، والولايات المتحدة الأمريكية تعلم وتدرك جيداً أن حلفائها والمساندين لها في كل خروقاتها وسياستها الطائشة، لا يمكن أن يقبلوا للأبد سيادة الواحد على الجميع، وهذا ما يجعلها تعيش بقلق وخوف وترقب وتتصرف بعدوانية في أغلب الأحيان، وهذا الوضع هو تعبير عن غياب النظام القائم على القانون، وبالمقابل، سيطرة منطق القوة والعنف وهو وضع لا يمكن أن يستمر طويلًا، ويمكن أن يكون مرحلة انتقالية. إن النظام الذي يقوم على القوة والعنف وإباحة كل شيء في العلاقات الدولية لا يمكن أن يطول ويستقيم، فلا بد من النهاية المحتومة المؤجلة في الوقت الحاضر، وهناك شيء ثابت، كل الإمبراطوريات الكبرى والدول المهيمنة في العالم لا يهزمها خصومها في الصراعات والمنافسات المباشرة، وإنما تتولى هي بنفسها هزيمة نفسها بالإفراط في استخدام القوة المفرطة، وتظن أن قدرتها غالبة في كل مكان وزمان، لكن نهاية هذا الحالة أمرًا لا بد منه، وأن كان زمنها لا يكمن التنبؤ به بدقة، لكن ما نراه من تدهور وضعف في مسارها السياسي والانحدار لمقومات هذا القوة بات واضحًا للجميع.

حرب أمريكا على باكستان والعراق، هو نقطة ضعف لا أكثر، فتحوا النار عليها فأنها قد استعرضت قوتها الطاغية والمنفلتة في حملتها، وحصول ذلك يعد تحديًا خطيرًا واضحًا على المجتمع الدولي كونه استصغارًا للدور المكلف إلى المنظمات الدولية المعنية بحفظ الأمن وسلامة ذلك المجتمع، ولذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تمسك بهذا اللحظة العالمية لإدامة قوتها. لقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية بعد ١١ أيلول/ سبتمبر 2001  المعتقدات الفكرية والتبريرات كافة في خطابها السياسي والإعلامي، وأن النظام الدولي القائم سيشهد صعودًا قويًا جديدًا على المسرح الدولي، مثل روسيا والاتحاد الأوروبي والصين، هذا الأمر التي تخشاه الولايات المتحدة يؤدي إلى قيام نظام دولي متعدد الأطراف، وأن القوة غير محصورة ومقيدة، هذا على المستوى الدولي إذا حددنا في الشرق الأوسط، فإن هناك أسبابًا كثيرة جعلت من الولايات المتحدة الأمريكية غير مرغوبة ومقبولة أمام أغلب بلدان الشرق الأوسط، وأولها بأنها كانت وما زالت سياستها غير قادرة على أن تكون راعيًا عالميًا منصفًا وعادلًا من خلال الالتزام والتطبيق الفعلي للمواثيق والاتفاقيات الدولية، فحينما فتحت الولايات المتحدة الأمريكية النار على العراق في 20 آذار/مارس 2003 فاتحة شكلًا جديدًا من أشكال الغزو المسلح، ومن أهم أسباب الدوافع التي أدت إلى غزو العراق هو إدراك الولايات المتحدة الأمريكية بانتهاء وتآكل العقوبات المفروضة على العراق بعد حادثة ٢ آب/أغسطس 1990، وكذلك الموقع الجغرافي المهم من ناحية المنظور الأمريكي كونه يمثل جسرًا بريًا وجويًا بين الشرق الأوسط والمناطق الحيوية لموقع العراق يعد عصب علاقات المنطقة، كما أن مستقبل العراق سوف يؤثر بشكل كبير في مسألة التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط، لذلك فقد مثل هذا الفرصة للأمريكان هي فرصة استراتيجية لإعادة تشكيل حيوية المنطقة، وكذلك أن الوجود العسكري الأمريكي في العراق يوفر لهم الكثير من الامتيازات، وكذلك قدرة أكبر على احتواء الدول المعادية أو غير الصديقة لها، كما أن التواجد العسكري في العراق يشكل ضغطًا على إيران وسوريا لتغيرا سياستهما كونهما من الدول المشاكسة والمعارضة وغير المعترفة بالقوة الأمريكية. إيران عليها أن تتوقف من دعم الجماعات الإرهابية وفقًا للمنظورالأمريكي، وأن لا تدعم لبنان والعراق وسوريا، وتتوقف في تطوير برنامجها النووي (لأن إيران المنافس القوي لها في الشرق الأوسط ظاهريًا لا نستطيع التصريح بالعدوان المطلق لأن ما يُدار خلف الكواليس لا نعلمه) كما أن العدوان الأمريكي كان يهدف إلى احتكار مصادر النفط وحماية إسرائيل واستقرارها، والتحكم في النمو المتسارع للقوى الآسيوية الصاعدة، وعلى رأسها الصين، فقد كانت السياسة الأمريكية في العراق سياسة عدوانية وساذجة، ومحملة بالكراهية وتاركة خلفها الفساد والدمار والتخريب. 

إن الإمبراطوريات والطغاة والجبابرة يستعشرون أحيانًا حاجتهم للنيل من شيء قد يسبب منافستهم، وحتى لو كان بعيدًا ولا يوجد دليل على منافستهم، وأن الإمبراطوريات المهيمنة والدول العليا تكابر وترى نفسها فوق الكل عندما تصل إلى الذرى العالية، ثم تكتشف عند وصول القمة أن البقاء يكلفها وينزفها، وعندها تضطر وتُجبر على النزول، رغم كل العناد والمكابرة الذي تظهره، وكما أن هزيمة هكذا دول تتم بالتساقط لا بالسقوط من خلال استخدامها القوة المفرطة المتمثلة بالغرور، والتعالي على الجميع، وهذا ما يُحسب على الولايات المتحدة الأمريكية، وأخيرًا، إن الولايات المتحدة الأمريكية قد اقتربت إلى نهاية مدة حكمها وطغيانها كقوة عظمى وحيدة ومهيمنة بلا منازع لها، فهناك قوى عديدة بدأت بالظهور والمنافسة مما يعطي مؤشر على بروز نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، مثل روسيا والصين، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تناست أن (دوام الحال من المحال). 







 

اقرأ/ي أيضًا: 

صراع أمريكا وإيران.. العراق ساحة للحرب أم الحوار؟

صراع أمريكا وإيران.. هل يمكن مسك العصا من المنتصف؟