17-مايو-2019

عادل عبد المهدي (فيسبوك)

يتفق معظم المحللين السياسيين ومتابعي الساحة السياسية العراقية، على أن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي هو الأسوأ حظًا بين مجموعة رؤساء وزراء العراق بعد عام 2003. خلو ظهره من السند النيابي في المجلس التشريعي، وعلو سقف التوقعات المرجية من كابينته وحضور الاستعداد الشعبي لإسقاط حكومته قبل أن يكلف بها، تجعل من هذا الرأي منطقًا واضحًا لا تشوبه شائبة، لكن الأزمة المحتدمة بين إيران والولايات المتحدة التي يُعد انفلاتها إلى مواجهة عسكرية مسمارًا أخيرًا في نعش حكومته، قد تكون الحجر الذي سيضرب به سرب عصافير كامل، ويصبح الأكثر حظاً من نظرائه في الحكومات السابقة.

عبد المهدي هو الأسوأ حظًا بين مجموعة رؤساء وزراء العراق بعد عام 2003. لخلو ظهره من السند النيابي في المجلس التشريعي، وعلو سقف التوقعات المرجية من كابينته وحضور الاستعداد الشعبي لإسقاط حكومته قبل أن يكلف بها!

بعد إعلان الولايات المتحدة الأميركية، إنهاء الإعفاءات الممنوحة لعدة دول من الالتزام بالعقوبات المفروضة على النفط الإيراني، قام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بزيارة مثيرة للجدل إلى بغداد، تحدث فيها إلى عبد المهدي وبرهم صالح عن التهديدات التي تحيط بالقوات الأمريكية ومصالح واشنطن في العراق، ومدى التزام الحكومة العراقية بتوفير الحماية لهم، وتحركت حاملة الطائرات الأميركية ابراهام لينكولن برفقة عدد من السفن الحربية وقوة ضاربة من الطائرات الاستراتيجية القاصفة من طراز (بي 52) إلى الشرق الأوسط، استجابة لتقارير استخبارية تفيد بوجود تهديدات وشيكة للأمريكيين في المنطقة من إيران ووكلائها، وجاء ذلك تزامنًا مع إعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني في الذكرى السنوية الأولى لانسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي، خفض التزامات طهران بالعهود التطوعية تجاه برنامجها النووي، ومنح باقي أطراف الاتفاق مهلة 60 يومًا لدفع واشنطن للعودة إلى الاتفاقية، مهددًا بخفض التزامات أخرى أو الانسحاب التام من الاتفاقية.
اقرأ/ي أيضًا: صراع أمريكا وإيران.. هل يمكن مسك العصا من المنتصف؟

تسلسل الأحداث الدراماتيكي والمتسارع لم يتوقف عند هذا الحد، إذ شهدت 4 سفن تجارية قرب السواحل الإماراتية "هجومًا تخريبيًا" لم تحدد الجهة المسؤولة عن تنفيذه، تبعه هجوم "حوثي" على خط نقل نفطي استراتيجي في السعودية بطائرات مسيرة مفخخة، أصابع الاتهام رغم عدم وضوح التصريحات بهذا الشأن توجهت إلى طهران، وكان الجميع بعد هاتين الحادثتين ينتظرون ساعة الصفر. لكن الإدارتين الأمريكية والإيرانية واصلتا التأكيد على رفض الحرب، رغم التوتر القائم والمتصاعد بينهما.

ولم يكن العراق بعيدًا عن المشهد، إذ قامت وزارة الخارجية الأميركية بإجلاء الموظفين غير الأساسيين من السفارة في بغداد، نظرًا لمعلومات تفيد بخطر وشيك على أعضاء البعثة، وتحدثت التقارير أن البعثة الأميركية أضافة إلى قواعد عسكرية أخرى في العراق، أصبحت هدفًا لعدد من الفصائل المسلحة العراقية المرتبطة بإيران. وبحسب التقارير فإن مصدر المعلومات هذه هو المخابرات الإسرائيلية.

إذًا، هل آن أوان الحرب؟ في مأزق لا يحسد عليه، قضى عبد المهدي أيامه الماضية يؤكد على موقف العراق غير المنحاز إلى طرف في هذه الأزمة، محاولًا وضع مسافة أمان بينه وبين البلدين المتخاصمين والفاعلين الكبيرين في البلاد، ومنتظرًا نبأ من هنا أو هناك يشير إلى حلحلة الأمور بين الجانبين ونزع فتيل الحرب، وهذا ما حصل خلال اليومين الماضيين، إذ بدا على موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب تراجعًا واضحًا بحدة لهجته تجاه النظام الإيراني، أما رجالات الأخير، فرغم عدم تراجع لهجتهم، لكنهم أبدوا ميلًا نحو التخلص من خيار الحرب، وإن استمرت الخلافات الحادة مع واشنطن.

نهار الجمعة، 17 أيار/مايو فجر رئيس لجنة الأمن القومي الإيراني في مجلس الشورى حشمت الله فلاح بيشة، قنبلة دعا فيها الأمريكيين إلى حوار بوساطة عراقية أو قطرية، مؤكدًا أن طرفًا ثالثًا "في عجلة لتدمير جزء كبير من العالم"، وهذه إشارة قد تكون إلى السعودية، العدو اللدود لإيران في الشرق الأوسط، أو إسرائيل، الكيان الذي يشعر بخطر دائم من النظام الداعم لمعظم أعداء تل أبيب.

اقرأ/ي أيضًا: العراق ساحة صراع مجددًا.. هل سنشهد مواجهة أمريكية -إيرانية؟

وفي عودة إلى الوراء، يخبرنا التاريخ أن وساطة الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت بين اليابانين والروسيين خلال حربهما التي اندلعت عام 1904 واستمرت أكثر من عام ونصف العام، منحته جائزة نوبل للسلام بعد أن تمكنت جهوده الدبلوماسية من إنهاء الحرب. وهي وساطة لن تكون بحجم ما يمكن لعبد المهدي عرضه على طرفي النزاع، واللذين يعرفان جيدًا أي دمار هائل سيلحق بالمنطقة إذا ما اندلعت الحرب بينهما من جهة، وبهما كطرفي صراع من جهة أخرى. وما يعزز فرص عبد المهدي، هو وجود وزير خارجية إيراني حكيم مثل محمد جواد ظريف، عمل ويعمل منذ توليه الوزارة على خفض التوتر مع الغرب، ووجود نزعة أمريكية واضحة لتجنب هذه الحرب التي تعارض حملة ترامب الانتخابية قبل توليه الرئاسة.

وإن تمكن عبد المهدي من لعب دور الوساطة، فإن جائزة نوبل للسلام هي أقل مكاسبه المحتملة، فهذه الوساطة ستجعل حكومته صاحبة فضل على الإيرانيين الذين سيلبون طلبات عديدة لعبد المهدي ربما تكون أحداها توجيه أصدقائها في البرلمان والساحة العسكرية لدعمه وتمكينه من إدارة الحرب على الفساد وفتح غير ذلك من ملفات محرمة، ومطالبة إدارة ترامب بمنحه حرية إدارة ملفات الطاقة بعيدًا عن احتكار الشركات الأمريكية التي فشلت بالتجارب السابقة، والأهم من ذلك انتزاع موقع اللاعب الدولي المفاوض على الملفات المعقدة، ما يجعل أمن البلاد مصلحة لجميع اللاعبين الأساسيين في المنطقة، كما أن مكاسب كهذه ستعزز من قوة الحكومة، وتقف بوجه مشروع رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي الرامي لانتزاع المنصب من خليفته مجددًا.

رئيس لجنة الأمن القومي الإيراني دعا الأمريكيين إلى حوار بوساطة عراقية أو قطرية، مؤكدًا أن طرفًا ثالثًا في "عجلة لتدمير جزء كبير من العالم"، وهذه إشارة قد تكون إلى السعودية أو إسرائيل

ورغم أن حشمت الله بيشة عرض على دولتين مهمة الوساطة، إلا أن علاقة العراق بالطرفين هي أقوى وأكثر عمقًا وأشد تأثرًا بهذا الصراع إن قاد إلى الحرب، فهل سيسرع عبد المهدي بإرسال وزير خارجيته محمد علي الحكيم إلى العاصمتين واشنطن وطهران، لتهيئة ظروف اجتماع المتخاصمين، أم سينتظر رصاصة طائشة من زورق إيراني سريع في الخليج، أو صاروخ من شبان متحمسين في بغداد أن تشعل حربًا يكون العراق ساحة أساسية لنيرانها.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

عراق السلطتين بين درء الشر الأمريكي ورد "الدين" الإيراني

"الحرب" تبدأ من قلب بغداد.. كواليس زيارة بومبيو من مصادر حصرية!