12-أبريل-2019

بعد الحديث عن اتفاقيات اقتصادية كبرى بين العراق وإيران جاء وسم الحرس الثوري بالإرهاب (فيسبوك)

لم يكن أشد المتشائمين بخصوص الصراع الأمريكي الإيراني يتوقع إقدام واشنطن على فرض عقوبات ضد الحرس الثوري الإيراني، سيما بعد تصريحات لمسؤولين سابقين في الإدارة الأمريكية عدوا هذه الخطوة مبالغة إن تمت، وإنها قد تحدث خطرًا على القوات الأمريكية في العراق والمنطقة، والتي ستصبح هدفًا في متناول اليد لإيران وحلفائها في العراق إذا ما قررت إطلاق الرصاصة الأولى.

جاء وسم الحرس الثوري بالإرهاب بعد أيام قليلة من زيارة عادل عبد المهدي إلى إيران، والحديث عن شراكات واتفاقيات عديدة، أبرزها تفاهمات حول دفاع جوي مشترك بين البلدين 

أُقرت العقوبات، وفي لحظة واحدة انتظر الجميع تصعيدًا سريعًا يشعل المواجهة بين القوتين المتخاصمتين، خطاب روحاني لوح بتمزيق الاتفاق النووي الذي بقي ملتزما ببنوده رغم انسحاب واشنطن لمدة عام كامل، وقيادي في الحرس الثوري طالب ترامب أن يوجه سفنه الحربية بعدم الاقتراب من الزوارق الإيرانية السريعة. إذًا، هل هي الحرب التي أُجهِدَت السياسة نحو عقد كامل لنزع فتيلها؟. 

اقرأ/ي أيضًا: رسائل زيارة عبد المهدي إلى إيران.. رهان المصالح والنفوذ!

الباحث والأكاديمي في السياسات الاستراتيجية، عادل بديوي قال في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "إدراج الحرس الثوري ضمن قائمة الإرهاب الأمريكية، يعني تصعيد أوج الصراع بين الطرفين من جهة، ومن جهة أخرى هي خطوة ضمن ما ينتهجه الرئيس ترامب من استراتيجية حافة الهاوية ضد خصومه ضمن أسلوب العصا-الجزرة".

أضاف بديوي، أن "ذلك يعني أن جميع المسارح الفعلية والمحتملة ستكون ساحة للصراع بين الدولتين ضمن رقعة الشطرنج المفترضة للعبة والنفوذ فيما بينهما"، مبينًا أنه "بحسب التقارير، فإن الحرس الثوري يسيطر على 20‎%‎ من الاقتصاد الإيراني، وإضافة إلى تقارير البنك الدولي حول الاقتصاد الإيراني التي تشير إلى أنه يمر في حالة ركود بسبب العقوبات الأمريكية، نستنتج من ذلك أن هذا الإدراج سيصيب الحرس الثوري أو جزء كبير من فعالياته بالشلل، نتيجة مشاريعه الاقتصادية والشركات الكبرى التي يسيطر عليها في إيران، وهذا سينعكس على نشاطه سواء الداخلي أو الخارجي".

لكن قصة أخرى، أعادت شيئًا من الاستقرار بين البلدين، إذ خرج مبعوث الإدارة الأميركية الخاص لشؤون إيران براين هوك برفقة منسق مكافحة الإرهاب في الخارجية الأمريكية، ناثان سيلز، في مؤتمر صحفي ينفيان فيه أي توجه لواشنطن باستهداف الحرس الثوري وقائد فيلق القدس والوجه الأبرز للحرس الثوري قاسم سليماني، رغم أن هوك  كشف عن تورط إيران بمقتل 608 جنود أمريكيين، والتأكيد على تلطخ أيدي سليماني بدمائهم.

في الوقت نفسه، تثير العلاقة الوطيدة بين العراق وإيران المخاوف حول تأثر بغداد بالعقوبات على طهران، خاصة بعد دخول واشنطن مرحلة شديدة بالضغط على طهران ونظامها، والدفع بأقصى ما لديها تجاه الحد من نفوذها من المنطقة. إذ جاء وسم الحرس الثوري بالإرهاب بعد أيام قليلة من زيارة لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي ورئيس أركان الجيش عثمان الغانمي إلى إيران، والحديث عن شراكات واتفاقيات عديدة، كان من أبرزها تفاهمات حول دفاع جوي مشترك بين البلدين كشف عنه الجانب الإيراني.

أستاذ الاقتصاد في كلية العلوم السياسية جامعة بغداد، سعد السعيدي، توقع أن يكون العراق المسرح الأقل تأثيرًا على الحرس الثوري بالإجراءات الأمريكية. السعيدي قال في حديثه لـ"ألترا عراق" إن "العقوبات الأمريكية ستؤثر على أداء الحرس الثوري على المستويين الخارجي والداخلي كونها ستقيد قدرته في الوصول إلى الموارد المتاحة لتنفيذ سياساته المتعلقة بإدارة جوانب الصراع والتعاون الإقليمي متمثلة بدعم الحلفاء ومواجهة نشاطات الخصوم والأعداء والصعوبة في الوصول إلى الوسائل والقنوات التمويلية الدولية  اللازمة للقيام بتلك النشاطات".

أكثر مكان في العالم ستكون فيه العقوبات والإجراءات الأمريكية أقل فعالية من غيرها حيال الحرس الثوري هو العراق حيث استطاع الحرس الثوري تأسيس ملاذات تمويلية خفية

ورجح أن "أكثر مكان في العالم ستكون فيه العقوبات والإجراءات الأمريكية أقل فعالية من غيرها حيال الحرس الثوري هي في العراق حيث استطاع الحرس الثوري تأسيس ملاذات تمويلية خفية، فضلًا عن استعداد أطراف عراقية نافذة للمضي قدمًا إلى تحدي القرارات الأمريكية بهذا الخصوص وهو ما يحد بطبيعة الحال من نسبة أثر القرارات الأمريكية حيال إيران وحرسها الثوري ومنها القرار الأخير".

اقرأ/ي أيضًا: ما الذي أخفاه مكتب عبد المهدي وكشفه موقع خامنئي؟

ورأى الأكاديمي الاقتصادي، أن "الولايات المتحدة تدرك أن العراق لا يستطيع الاستغناء عن إيران بالوقت الحاضر بهذه السرعة، وتستخدم الصبر الاستراتيجي والقوة الناعمة معًا لتحويله إلى شريك استراتيجي وعزله بنعومة وبالتدريج عن النفوذ الإيراني بدون تهور أو استفزاز"، مبينًا أن "استثناء جديدًا للعراق من الالتزام بالعقوبات لن يتم دون تعهد بغداد على النأي بنفسها عن إيران والتقرب اكثر من البدائل الأمريكية المحتملة ومنها السعودية وتركيا مع مراعاة الوضع الخاص والمتعلق بالإبقاء على علاقات متميزة مع إيران".

استدرك السعيدي قائلًا، "لكن تحت رعاية وموافقة الولايات المتحدة وهذا هو الأرجح حيث لا يمكن للعراق أن يمضي بتحدي الإرادة الأمريكية الجادة التي عجزت قوى كبرى عن تحديها بهذا الخصوص ومنها مثلا الاتحاد الأوروبي".

ويعزز الصمت الأميركي تجاه توطيد العلاقات بين بغداد وطهران رؤية السعيدي حول المراعاة الأمريكية للعراق، لكن من جانب آخر تبقى أزمة الجماعات المسلحة التي تمثل سلطة ثانية في العراق وترى واشنطن إنها مرتبطة بطهران، تثير الكثير من المخاوف، إذ دفعت القرارات الأخيرة للخارجية الأمريكية تجاه الحرس الثوري أصدقاء طهران للتحدث بلغة أخشن من لغة طهران نفسها. الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، وأقوى الأذرع الإقليمية للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في الشرق الأوسط، قال إنه "سيكتفي الآن بالتنديد لكن، عندما يكون هناك إجراء يتطلب رد فعل سيكون هناك الرد المناسب، ليس من حزب الله فقط، بل من محور المقاومة بأكمله". أما أبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ورئيسها الفعلي على الأرض، فقد أطلق بيانًا ناريًا ابتدأه بآيات من سورة الأنفال في القرآن، وهي ذات محمول رمزي كبير بإعلان الحرب والجهاد، وتستخدم كشعار للعديد من الجماعات الإسلامية والمسلحة، كاشفًا من خلاله عن عزم لرد دين الحرس الثوري الذي قاتل إلى جانبه في المعارك ضد داعش.

الكاتب والصحفي علاء هاشم، قال في حديث لـ"ألترا عراق" إن،  "تصريح معاون رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس هو تهديد حقيقي وصريح بأنه لو اختارت طهران الرد عسكريًا قد تتحول فصائل المقاومة إلى يد ضاربة للحرس الثوري في العراق، ردًا لما قدمه الحرس الثوري الإيراني من دمائه التي اختلطت بدماء العراقيين خلال مواجهة تنظيم داعش، بحسب تعبير المهندس".

أضاف، أن "هذا الموقف قد يدفع نحو حرب إقليمية كبيرة لن تمنح الأمريكيين ما يحلمون به، لأنَّ إيران تملك العديد من الخيارات في كل من سوريا والعراق واليمن وأفغانستان والخليج، وأن آلاف الجنود التابعين للقوات الأمريكية المنتشرة بالمنطقة سيمثلون أهدافًا محتملة، مما يجعل المنطقة مفتوحة على صراع ذي طبيعة سياسية واقتصادية".

تصريح المهندس هو تهديد حقيقي وصريح بأنه لو اختارت طهران الرد عسكريًا قد تتحول فصائل المقاومة إلى يد ضاربة للحرس الثوري بالعراق في سياق رد "الدَين"

وبالرغم من تفاقم الأزمة، إلا أن ذروة الصراع في الشرق الأوسط، لا تزال تنتظر لحظتها التي تشير التسريبات الصحفية والإعلامية إنها تقترب، والحديث هنا عن "صفقة القرن" بعد أن تم الاتفاق بين جميع أطرافها كما يشاع، ولم يتبق غير إعلان ترامب عنها في مؤتمر صحفي مشابه لمؤتمريه حول القدس والجولان، التسريبات تشير أيضًا إلى أن الإعلان سيأتي بعد تشكيل الحكومة الجديدة لإسرائيل، وحتى ذلك الوقت سيكون هناك هامش صغير أمام الولي الفقيه وحرسه الثوري اتخاذ قرار المواجهة، أو تفاديها بتقديم تنازلات حول برنامج طهران الصاروخي ودعمها لعدد من الفصائل المسلحة.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ما هي أضرار زيارة روحاني على الاقتصاد العراقي؟

تفاصيل ما بحثه عادل عبد المهدي مع الإيرانيين