15-أبريل-2021

تغيير خطاب الكتل الطائفية لا يغير من طبيعتها (فيسبوك)

كان التحدي المطروح أمام كل راغب بالتغيير في طبيعة النظام السياسي العراقي بعد 2003 هو وجود تحالفات "عابرة" للطائفية. عبور الطائفية، أي مجرد اتساع التخندق لأكثر من جهة مقابل الجهات الأخرى، هدفٌ بحد ذاته. نشأ هذا الهدف من تكريس الانقسام الأفقي وتقسيم جهاز الدولة على المقسّم أفقيًا، حتى صارت الوزارات تُعرف بالأسم. هناك مكون - وأحيانًا فصيل في داخل المكون - يمتلك وزارة ملكًا صرفًا حتى قبل خوض الانتخابات وإعلان نتائجها.

من الواضح أن تغيير خطاب الكتل الطائفية لا يغير من طبيعتها

بعد العام 2018، ومعارك التحرير التي أنتجت ما أنتجت من قوى وغيّرت موازين، تشكّلت بعض الكتل المتنوعة طائفيًا وكانت إحدى البشائر في أن تتفكك تلك التحالفات. لكن القوى التي فتحت أبوابها للمغاير طائفيًا ظلت على حالها بعد نتائج الانتخابات. كان أبرز تحالفين متنوّعين هما النصر وسائرون. ومن الظريف التذكير بأن التحالفين المذكورين اجتمعا بعد أول وأقوى هزّة للنظام - وأعني انتفاضة تشرين - في ما سُمي آنذاك بـ"السباعية"، والتي تضم القوى الشيعية الرئيسة، لبحث البديل عن المستقيل عادل عبد المهدي بوصفه منصبًا شيعيًا!.. ثم اجتمعت تلك القوى في مجلس النواب لإخراج القوات الأجنبية بعد حادثة المطار. كذلك الحال مع الكرد والسُنة.  لقد بقيت الصبغة الطائفية للكتلة هي التي تحدد مكانها وتحركاتها - وحصصها الطائفية - ومواقفها السياسية، بغض النظر عن قائمة المرشحين المتنوعة، وحتى نوايا القادة.

اقرأ/ي أيضًا: وسائل الاحتجاج ضد النظام.. أضعف الإيمان أحوجه

الآن، بدأت الخارطة بالتغيّر بناءً على التصريحات والتحركات. تبرز أصوات حول تشكيل التحالفات العابرة للطائفية، لكن المتبني لها ليس من لاعبي الأمس. يتحدث الصدريون عن قائمة صدرية خالصة تريد الظفر برئاسة مجلس الوزراء بالتوافق مع كتل أخرى. ويتحدث تيار الحكمة، الذي دخل الانتخابات السابقة شيعيًا خالصًا، عن تحالفات عابرة للطائفية، ويتجه نحو رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الذي دخل سُنيًا أيضًا في الانتخابات.

تشير التجربة إلى مشكلة في الأسس. لا يُمكن الجزم بحتمية العُطب الموجود في هذا النظام بحديث خارج حركة التاريخ. في ذات الوقت؛ من الواضح أن تغيير خطاب الكتل الطائفية لا يغير من طبيعتها، كما أن النظام (System) يتحرك بالطريقة ذاتها رغم الأشكال المتغيرة التي يتخذها مع كل التقلبات الحاصلة على الصعد الأمنية والسياسية والاقتصادية وربما الاجتماعية كما حصل في الحراك الجماهيري الكبير.

نقول "ربما" لنفسح مجالًا للموضوعية. كان السيناريو المفترض الأنجع لمآلات انتفاضة تشرين أن تنتج قوى شبابية تُغير من القواعد المتصدئة للنظام؛ لكن الموج أعلى - حتى الآن - من قدرات الشباب.

نعم، أثبت المتظاهرون إمكاناتهم على التصدي للعنف والحرب النفسية؛ إلا أن "لعبة التنظيم" والتحديات الماثلة في نظام مكشوف على دول الجوار وغير الجوار أقوى من الحركات العفوية، وقادرة على ابتلاع غير العفوية وضمّها إلى جانبها في سكة النظام المهترء.

التغيير الجذري للماسكين بزمام السلطة وحدهُ يمكن أن يُعيد الدستور والعملية السياسية إلى الهدف الذي تنشأ من أجله النظم الديمقراطية

إن أسس انقسام القوى السياسية بعد 2003 لا يسمح بسهولة لاقترابها من بعض بعملية تقليص الاختلافات وتكثيف الرؤى الموحدة. لا يمكن للكتل الرئيسة في البلاد التخلي عن هويتها التي عُرفت من خلالها ولو شكّلت ألف تحالف عابر للطائفية. ستكون التحالفات الممكنة على نوعين، إما تحالفات مصالح كما حصل قبل انتخابات 2018، وبغض النظر عن التوقيت (قبل وبعد)، أو تحالفات "جبهات" تتأثر وبنسب مختلفة بموازين القوى الإقليمية، وبالخارطة النفسية للناخبين في الداخل. إن التغيير الجذري للماسكين بزمام السلطة وحدهُ يمكن أن يُعيد الدستور والعملية السياسية إلى الهدف الذي تنشأ من أجله النظم الديمقراطية: التحديث، الاستقرار، البناء، الوحدة الوطنية، وغير ذلك.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

"أزمة الثقة": لعبة التوريط في نظام متصارع

نظام مهزوز أمام البعث والجوكرية والكائنات الفضائية