بين الحين والآخر، يبرز الحديث عن المشكلات الناتجة من الدستور العراقي المقرْ بعد تغيير النظام بموافقة 78% من المصوتين على الاستفتاء الشعبي، وأبرز ما يعقّد انسيابية القضايا السياسية هو ما يتعلق بالانتخابات والكتلة الكبرى، والعلاقة بين المركز وإقليم كردستان، والمحاصصة الطائفية التي يحمّلها الكثيرون مسؤولية الأزمات المختلفة في البلاد.
تكمن إحدى أهم الإشكاليات الموجودة في النظام النيابي العراقي بمسألة تحديد الكتلة الأكبر، وقد أدت إلى العديد من الأزمات السياسية
يُرجِع سياسيون ومراقبون أسباب المشكلات الدستورية إلى سرعة كتابة هذه الوثيقة والاستفتاء عليها نهاية عام 2005، أي بعد عامين ونيف فقط من إسقاط النظام السابق ودستوره، ودخول الجديد حيز التنفيذ عام 2006.
اقرأ/ي أيضًا: ما هي أبرز التعديلات التي أجريت على الدستور العراقي؟
عقب اندلاع تظاهرات تشرين العام الماضي، شرعت الرئاسات الثلاث والقوى السياسية بالحديث عن تعديل الدستور، وشكّلت رئاسة مجلس النواب لجنة عقدت أولى اجتماعاتها مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، لمراجعة المواد التي تصنع المعوقات.
مقترح غير ممكن
تكمن إحدى أهم الإشكاليات الموجودة في النظام النيابي العراقي بمسألة تحديد الكتلة الأكبر، وقد أدت إلى العديد من الأزمات السياسية، وتسببت باختناقات حقيقية بعد إعلان نتائج الانتخابات ما اضطر القوى السياسية لتجاوز الدستور ذاته كل مرة بسبب "عدم التوافق".
مؤخرًا، أعلنت لجنة الخبراء في تعديل الدستور توصلها إلى تغيير يكفل للكتلة الفائزة في الانتخابات تشكيل الحكومة واختيار الوزراء والبرنامج الحكومي، وليس الكتل البرلمانية كما جرى في السابق والذي كان السبب وراء تأخر تشكيل الحكومة واستمرار المحاصصة.
لكن الخبير القانوني طارق حرب قال إن "التعديل بالشكل المقترح غير ممكن لأن الكتلة الفائزة هي الكتلة الحاصلة على أصوات أكثر من 50% من المشارکین فی الانتخابات وهذا لم یحصل فی کل الانتخابات السابقة، ما یعني عدم وجود مجلس نواب".
واقترح حرب في حديث لـ"ألترا عراق" تعديل فقرة الكتلة الأكبر بأن تكون هي "الحاصلة على نسبة من الأصوات بغض النظر عن نسبة المشاركة".
التعديل باطل!
رسم الدستور مسارًا لتعديلاته ـ بحسب خبراء قانونيين ـ عبر المادة 126 منه التي تمنح حق طلب تعديل الدستور لخمس أعضاء مجلس النواب ورئيسي الجمهورية والبرلمان وباستفتاء شعبي.
وفي شرط الاستفتاء بالمادة 142 يُمكن لثلاث محافظات أن تعترض وتبطل التعديلات الدستورية بثلثي أصوات من يحق لهم التصويت. وهي مادة لم تُطبق رغم محاولات لذلك في الدورات الثلاث السابقة بحسب رئيس اللجنة القانونية النيابية ريبوار هادي الذي قال إن لجنة تعديل الدستور في الدورة الرابعة التي تشكلت قبل أكثر من 6 أشهر "لم تصل إلى نتيجة مع أن المادة نفسها تنص على أنه يجب أن تكمل اللجنة مهامها خلال أربعة أشهر".
يحمّل سياسيون ومحللون عبارات واردة في الدستور مسؤولية تكريس المحاصصة الطائفية في العراق ومساهمتها بالفساد المالي والإداري
يقول هادي، وهو نائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، إن "تطبيق آلية المادة 142 يجب أن تسبق الآلية الواردة في المادة 126" بحسب قرار المحكمة الاتحادية رقم 54 لسنة 2017.
اقرأ/ي أيضًا: بعد تحديد موعد الانتخابات المبكرة.. ما هي سيناريوهات العمل السياسي للمحتجين؟
ويخلص رئيس اللجنة القانونية في حديثه لـ"ألترا عراق" إلى أن "أية محاولة لتعديل الدستور تستند إلى المادة 126 على غرار ما يجري الآن في رئاسة الجمهورية تعد مخالفة للدستور وباطلة ولا يترتب عليها أي أثر".
تغيير النظام مرفوض
شخّصت رئاسة الجمهورية أثناء تشكيلها اللجنة بعض الأمور التي تعرقل "بناء الدولة" ودعت إلى إعادة النظر بفقراتها، كنوع النظام وعلاقة المركز بالإقليم وصلاحيات المحافظات وطريقة انتخاب المحافظ.
إلا أن عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني عماد باجلان قال إن تغيير نظام الحكم بأن يكون رئاسيًا أو مركزيًا غير مقبول، مبينًا أن "الفيصل الأول والأخير ليست لجنة التعديلات الدستورية وإنما الاستفتاء على الدستور ونيله تصويت الشعب".
وتطالب بعض القوى السياسية وتحديدًا الشيعية منها بتغيير نظام الحكم في العراق من نظام نيابي إلى نظام رئاسي يُنتخب فيه الرئيس المتمتع بالصلاحيات عن طريق الشعب مباشرةً.
ويشدد باجلان في حديث لـ"ألترا عراق" على وجود مواد لا يمكن تعديلها مثل المادة الأولى التي تنص على أن العراق دولة اتحادية فيدرالية، مستدركًا بالقول: "أما المواد الاخرى التي يرى الساسة الشيعة والسنة أن تعديلاتها تصب في مصلحة المواطن السني أو الشيعي فليست لدينا إشكالية حولها".
حقوق المكونات = محاصصة
يحمّل سياسيون ومحللون عبارات واردة في الدستور مسؤولية تكريس المحاصصة الطائفية في العراق ومساهمتها بالفساد المالي والإداري وغياب توزيع الثروة بشكل عادل.
أشارت لجنة التعديلات الدستورية على لسان عضوها عادل اللامي إلى مراجعة وتعديل الكثير من المواد منها حذف عبارة "مع مراعاة المكونات" ووضع عبارات أخرى بدلاً منها لعدم تشجيع المحاصصة الطائفية والعرقية.
من جانبه، اعتبر الخبير القانوني طارق حرب في حديث لـ"ألترا عراق" أن "مراعاة حقوق الأقليات لا تجوز لأن القانون لم ينص على حصة مثل كوتا النساء، ولم يفرض أن أي مكون مهما بلغت نسبته يجب حصوله على تمثيل نيابي خاصة وأن هناك مكونات قليلة وهذا ما يرسخ المحاصصة".
مواد حمراء بارزانية
في ظل الجدل والخلافات حول المادتين 142 و126 تتعقد مسألة تعديل الدستور وأي طريق يُمكن أن تسلكه الكتل السياسية، حيث تمنح الأولى إقليم كردستان العراق إمكانية رفض كل تعديل على دستور من شأنه أن يُلحق ضررًا بمصالحه التي يحددها سياسيون كرد.
يحدد عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني قرابة 15 مادة تخص الإقليم والأقليات ومراعاة توازن المكونات بالخط الأحمر حيث "لا يجوز المساس بها"
من ضمنهم عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني عماد باجلان الذي يقول إن موقف الحزب بزعامة مسعود بارزاني "واضح وضوح الشمس أزاء التعديلات الدستورية"، مبينًا أن "هناك مواد تخص الإقليم والأقليات لا يمكن المساس بها بتاتًا".
اقرأ/ي أيضًا: بين "الصوريّة" و"الأبكر".. شبكة علاقات السلاح تهدد الانتخابات
يحدد باجلان في حديث لـ"ألترا عراق" قرابة 15 مادة تخص الإقليم والأقليات ومراعاة توازن المكونات بالخط الأحمر حيث "لا يجوز المساس بها"، ومن ضمنها المواد 140 و65 و105 و106 و121 و117 و110 وبقية المواد التي تخص الإقليم".
ورغم الجدل والمواقف الثابتة مسبقًا، وحديث لجنة التعديلات الدستورية عن إتمام مهامها، إلا أن رئيس الجلنة القانونية في مجلس النواب ريبوار هادي نفى وجود أي مقترح لإلغاء المواد المتعلقة بتوازن المكونات سواء في مجلس النواب أو رئاسة الجمهورية.
قال هادي لـ"ألترا عراق" إنه "متواصل مع جميع الكتل ولا يوجد أي حراك لما يُشاع".
اقرأ/ي أيضًا:
جردة حساب بعد 4 اختبارات "فاشلة".. هل ينجو الكاظمي من مصير عبدالمهدي؟