29-يوليو-2020

سجلت حقبة مصطفى الكاظمي سقوط ضحايا من المتظاهرين (Getty)

مع أولى لحظات تسنم مصطفى الكاظمي رئاسة الوزراء وتغيير الحكومة السابقة كانت الآمال معلّقة عليه بـ"استعادة الدولة"، وفرض القانون والسيطرة على السلاح المنفلت، فضلًا عن تحقيق مطالب انتفاضة تشرين المتمثلة بمحاسبة قتلة المتظاهرين، وإنجاز قانون الانتخابات واختيار مفوضية جديدة وإجراء انتخابات مبكرة، إلا أن سلسلة من الاختبارات واجهها ساهمت بإضعاف رصيده الجماهيري بشكل واضح، بحسب مراقبين.

اختبارات متتالية

مثلت "ليلة الدورة" الاختبار الأول للكاظمي في مسار فرض هيبة الدولة وضبط السلاح، عندما داهمت قوة من جهاز مكافحة الإرهاب مقرًا لكتائب حزب الله في منطقة الدورة، جنوب بغداد، وعثرت فيه على ورشة لتصنيع صورايخ قيل إنها من النوع الذي يُطلق على السفارة الأمريكية، واعتقلت الموجودين هناك، لكن بعد ساعات، جاء الرد بشكل محرج للحكومة، إذ تحرّكت مجموعات مسلحة تستقل آليات حكومية نحو مقرّات حكومية داخل المنطقة الخضراء وخارجها و"احتكت بها تجاوزًا"، على حد تعبير بيان قيادة العمليات المشتركة التي وصفتها بـ"جهات لا تريد أن تكون جزءًا من الدولة والتزاماتها وتسعى إلى البقاء خارج سلطة القائد العام للقوات المسلحة"، أعقبها إطلاق سراح المعتقلين ظهروا بصور يحتفلون بإحراق صور الكاظمي وسحقها بالأحذية.

أبرز الأحداث بعد دخول المجاميع المسلحة للمنطقة الخضراء، هي حادثة اغتيال الخبير الاستراتيجي المقرب من الكاظمي، هشام الهاشمي، والذي شكلت على أثرها لجنة رفيعة المستوى للتحقيق لم تفضي لغاية الآن لأي نتائج، وسط تسريبات عبر وسائل إعلام عالمية تفيد بوصول التحقيقات إلى تفاصيل العملية والمنفذين، لكن لم يعلن عنها خشية من "تفجر الوضع السياسي" على حد تعبير تقرير في صحيفة الواشنطن بوست.

كان اغتيال الباحث هشام الهاشمي اختبارًا للكاظمي، لكن نتائج التحقيق لم تعلن عن أي نتيجة حتى الآن بالرغم من تسريبات تقول إن التحقيق اكتمل

وازداد المشهد تعقيدًا اختطاف الناشطة الألمانية هيلا ميفيس وسط العاصمة بغداد، فيما أعلنت القوات الأمنية في وقت لاحق تحريرها بعملية نوعية نفذتها خلية الصقور الاستخبارية، لكن وسائل إعلام نقلت عن مصادر لم تسمها أن الإفراج عن ميفيس جاء بعد تسوية مع القوات الأمنية، ما يشير إلى أن الجهة الخاطفة ليست مجهولة بالنسبة للحكومة الحالية. 

اقرأ/ي أيضًا: عملية الدورة وحافة التوتر.. الصِدام أو حلٌ مستدام

وما ضاعف الهوة ودعا الكثير من الذين كانوا يعقدون الآمال على الكاظمي إلى نقده واستذكار المواقف السابقة، هو العنف الذي طال المتظاهرين في ساحة التحرير، الذين يطالبون بالكهرباء، فيما سقط على الأقل اثنين من المتظاهرين و11 مصابًا جراء استخدام القوات الأمنية الرصاص الحي والمطاطي والغاز المسيل للدموع، لتسجل حقبة الكاظمي ضحايا من المحتجين أيضًا.  

صمت.. عدم معرفة

يعتبر الخبير الاستراتيجي أحمد الشريفي معالجات الحكومة للأزمات المتعاقبة أظهرت أنها لا تمتلك أدوات ضبط سير الأحداث، وهذا  تمثل بشكل واضح في ملف الكهرباء، الذي أوضح عدم قدرة السلطة التنفيذية على تحسين الكوادر الإدارية التي أدت إلى انهيار الكهرباء، مبينًا أن "الرصيد الجماهيري للكاظمي تراجع بشكل واضح خاصة بعد القمع في ساحة التحرير، وهو لا يملك خيار لاستعادة زمام المبادرة إلا من خلال كشف المتسببين والمتورطين في إطلاق النار"

فيما رجح الشريفي خلال حديثه لـ"ألترا عراق"، عدم قدرة الكاظمي على الكشف عنهم، معللًا ذلك بـ"عجزه وأنه يفضل الصمت، أو الادعاء بعدم معرفته بهم"، لافتًا إلى أن "الحالتين تحمله المسؤولية بوصفه القائد العام للقوات المسلحة مثلما حدث مع سلفه عادل عبدالمهدي".

ويضيف الشريفي أن "المرحلة تحتاج لشخصية أكثر جرأة وخبرة وصاحبة تاريخ ميداني في العمل الإداري والسياسي، لتتمكن فرض قراراتها دون أن يتأثر بضغط القوة السياسية، التي تذكره بعدم امتلاكه تاريخ وأنها هي من صنعته"، مبينًا أن "الوقت ليس بصالح الحكومة، ويوم بعد آخر ينخفض منسوب الأمل والتفاؤل، والمرحلة تتطلب خطوات عملية ملموسة".

استنساخ التجربة

يثير خطاب الحكومة عقب أحداث التحرير التساؤل عن احتمالية عملها بذات طريقة الحكومة السابقة، إذ أصدر المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العميد يحيى رسول، بيانًا أشار فيه إلى وجود جهات بين المتظاهرين تجاوزت على القوات الأمنية ما أجبرها على الرد.

في السياق، يقول النائب عن كتلة "صادقون" محمد كريم إن "الوقت حان لاختبار أدوات الكاظمي التي اختارها في الوزارات، وهو لغاية الآن لم يضع البرنامج الحكومي، بالرغم من تقديمه المنهاج إلى البرلمان، الذي يحتوي على الخطوط العامة فقط، ما يتوجب على الوزارات وضع البرامج الخاصة بها لإدارة الأزمات وعدم تحول العمل إلى روتيني، وهو ما يضاعف المشاكل"، مبينًا أن "هناك محاولات لاستخدام ما جرى في حكومة عادل عبد المهدي مجددًا من القمع والعنف، والمشهد تكرر مع متظاهري رفحاء والمحاضرين المجانيين".  

وبشأن ملف التحقيق في الاغتيالات قال كريم لـ"ألترا عراق"، إن "الملف الأهم الذي يحتاج للتحقيق وتتوفر فيه أركان الجريمة هو اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، بالإضافة إلى الاغتيالات الأخرى التي تتعلق بحرية الصحافة والتعبير"، لافتًا إلى "ضرورة ضبط إيقاع عمل القوات الأمنية، خاصة وأن الكاظمي يمتلك الخبرة بوصفه رئيس جهاز المخابرات سابقًا، لتفادي الوقوع بمطب الحكومة السابقة".

ترى كتلة صادقون أن الملف الأهم الذي يحتاج إلى التحقيق من قبل حكومة الكاظمي هو اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس

وفي الأثناء، يعتبر عضو تحالف "عراقيون" ستار الجابري، أن التحديات التي تواجها حكومة الكاظمي لم تواجهها أي حكومة بعد 2003، مثل "الأزمة الصحية وحالة الانسداد السياسي وصراع المحاور في المشهد السياسي، ما يستدعي منحه الوقت الأكثر للتعامل، لافتًا إلى "وجود جهات متضررة من الحكومة تحاول توظيف السخط الشعبي لمصالحها، وتشويه صورة الحكومة وتعميق الفجوة مع الشعب، دون منحها الوقت لإيجاد الحلول".

اقرأ/ي أيضًا: الكاظمي يفتتح "مؤشر الدم" في حقبته.. رصاص حي وضحايا وسط ساحة التحرير

أضاف الجابري لـ"ألترا عراق"، أن "الحكومة عليها الكشف عن قتلة المتظاهرين ومحاكمتهم ممن يطلق عليهم الطرف الثالث، بالإضافة إلى تجنيب التمحور وتحقيق التوازن في العلاقات الخارجية، وتوفير المتطلبات اللوجستية للانتخابات المبكرة"، مبينًا أن "السقف الزمني المفترض لتحقيق هذه المتطلبات يجب أن يكون خلال أسرع وقت ممكن، وهو مرهون بدعم القوى السياسية التي المتوغلة في الدولة العميقة وتسيطر على مراكز حساسة".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بعد "تسوية" ليلة الدورة.. الكاظمي أمام خيارات المواجهة أو "التغليس"

العمليات تروي تفاصيل أحداث الدورة والخضراء: هددوا الأمن بسيارات الدولة