23-نوفمبر-2019

في ساحة التحرير (Getty)

(1)

إنْ اشتبكت الاتجاهات، واستدارت الزوايا، وارتجلت العتمة كذبة عن الوضوح.

إنْ تيبس ورق الأمنيات، وضاجع اليأس القلق، ونسجت الخيبة شباكها اللزجة على هياكل الأمل.

إنْ أخرج التعب نابين مدببين، وتقطعت حبال الحناجر، ودار الصمت حول جثة الصخب.

سيذهلك الدم، كيف يحفظ الطريق، ويعرف مجرى الصواب ومساقط شلالاته، سيذهلك أنه الدليل الذي لا يتوه، وكيف يخلق بأظافره على أسوار العمى النوافذ، وأنّ حرارته -كتنور تُحرق النجوم فيه- لا ينطفئ. 

(2)

"لن يهزموا الشهيد"

قال عجوز يحتضن صورة مراهق ويقبض على لحيته كأنها هي الأخرى سترحل، ثم تركها قبالة نصب التحرير ومضى. تكاثرت الصور، وُضعت الرايات الدامية والخوذ المهشمة، رُتبت القنابل المنفلقة، وارتفعت رائحة ضريح في المكان.

"لن يهزموا الشهيد"

قال العجوز وقد ازدادت لحيته بياضًا، وهنت يدُه فلم يقبض اللحية، أشعل شمعة أمام صورة ابنه، وشارك زوار الضريح نشيجًا ومضى. كانت الشموع المشتعلة تزداد حتى غدت الصورة من الأعلى كتلة نور طافية.

"ألم أقل.. لن يهزموا الشهيد؟"

من أعلى جبل الثورة تدلت صور الشهداء، غطت واجهات الهواتف وظهورها، ورُسمت على صدور القمصان ودبابيس المعاطف. كان العجوز يحلم أن صورة المراهق انعكست في السماء، وثمة من يمطرها بالنار دون جدوى، ثم ارتقى إليها.

(3)

فجرًا، يخدش الجفن عين الطبيب، يتخثر بين قدميه دم الشهيد السابق، تمضي خيوط الدخان المتفرقة إلى الأعلى، ويغفو بعض المتعبين جلوسًا عن حاجز إسمنتي. غلاف رصاصة على الجسر يعكس شعاعًا طازجًا من شمس النهار الجديد، ينبئ بحصة الصخب القادمة.

ومن الخلف، حيث كان أصحاب الشهداء يتأملون سقوف الخيم الملونة طوال الليل، تتقدم مجموعة تستبدل مواقع الراحلين، تسيل دموعهم قبل أن يلامسها الغاز، وترسم اللامبالاة طريقهم نحو الدم المتخثر، تلثمت وجوههم بالكوفية والعلم ووشموا على سواعدهم هويتهم الجديدة: أنا الشهيد القادم.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

رسالة من ساحة التحرير

في رفعة العلم

دلالات: