30-يوليو-2021

الأمل المعقود على إعادة إحياء الاتفاق النووي مُبرر نوعًا ما (فيسبوك)

حالةٌ من التشويش تكاد تكون نتيجة طبيعية نظرًا للواقع المعقد في العراق، تحدث لكل فاحص لطبيعة النظام السياسي في العراق لناحية الوجود والتأثير الأجنبي في قراره بل ووجوده.

يوفّر نظام المحاصصة في العراق أفضل قاعدة للصراع المُحتوى المُتحكم به والذي يقلل من خسائر المواجهات المباشرة بالنسبة للأمريكيين والإيرانيين

أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية النظام السياسي تحت عنوان الديمقراطية بعد 2003 كما هو معروف، ودافعت عنه إيران باستماتة على الكثير من الصعد، والدولتان تتصارعان تارة وتتخادمان تارة أخرى حتى ضاعت الحقيقة وغوّشت الصورة التي يُمكن أن تُرى في أنظمة أخرى، لكنها - مرة ثانية - نتيجة طبيعية للنظام الذي يستقطب التدخلات الخارجية إلى الحد الذي تضيع هوية ولائه/تحالفه الخارجية كما تضيع هويته الداخلية قومية/دينية/علمانية .. إلخ.

اقرأ/ي أيضًا: قوى الدولة واللا دولة.. مواقع بلا وقائع

يحتاج إطلاق الحكم على النظام فك الاشتباك (التدخل) الحاصل بين الولايات المتحدة وإيران في العراق، وبالتالي الحاجة إلى سَوق الكثير من الأمثلة والأحداث.. وقبل الإسهاب في التفاصيل، رأينا في ذلك قولًا واحدًا: إن الولايات المتحدة الأمريكية تحمي النظام، فيما تحمي إيران زمرته السياسية. ولم نقل أركانه إنْ كانت الأركان هي الركائز التي يستند عليها النظام؛ وذلك مصطلح أكبر شأنًا منهم.

تحمي الولايات المتحدة هذا البيت الذي بنته لناحية أوضاعه الاقتصادية، علاقاته الخارجية. توجّه وتشير لدول الجوار والإقليم ومن خلفهم الغرب بالانفتاح على العراق واستقبال قادته الذين تثق بهم واشنطن أثناء وبعد الحرب على تنظيم داعش بينما كانت تقود تحالفًا دوليًا لمحاربة التنظيم وإعطاء المزيد من الشرعية الدولية للنظام.

ربطت العراق بنادي باريس الذي شطب وجمّد مليارات الدولار ديونًا على العراق لعشرات الدول الدائنة، ودفعت باتجاه مؤتمر الكويت للمانحين، واعترفت بكل حكومات النظام حتى القريبة من إيران بل واستثنتها من عقوبات التعاون الاقتصادي!.. ولا يسعفنا المجال لذكر أنواع الدعم الذي تقدمه واشنطن للنظام بما هو نظام.

بالمقابل، يقول المسؤولون العراقيون المقربون من إيران علنًا ومرارًا إن الجارة الشرقية قدّمت كل أنواع الدعم - بمقابلٍ على أية حال - الذي يحتاجه النظام على المستوى العسكري والأمني والتجاري والاقتصادي في المجالات المختلفة. كان الموقف الإيراني في أتم صوره خلال حدثين بارزين: سقوط المحافظات الغربية والشمالية بيد داعش، واشتعال انتفاضة غاضبة في محافظات الوسط والجنوب. كانت إيران الداعم العلني لشخوص النظام حتى من غير الشيعة.

يوفّر نظام المحاصصة في العراق أفضل قاعدة للصراع المُحتوى المُتحكم به والذي يقلل من خسائر المواجهات المباشرة، ذلك بالنسبة للأمريكيين والإيرانيين على حد سواء. يَسمح للدولتين بالاشتباك والتفاوض على ملفات تتعلق بالدولتين ذاتهما لا العراق ومصالحه.

سَمَح النظام بتكوّر العناصر الإرهابية فيه قادمة من أنحاء العالم، ولقد تحدث جورج بوش الإبن صراحة بعد ثلاثة أشهر من سقوظ نظام صدام حسين عن اتخاذ بلاده موقفًا هجوميًا ضد الإرهابيين وأنها لن تقف في انتظار التعرض لهجوم آخر أو تثق في نوايا الأشرار!.

على الناحية الأخرى، يُعتبر العراق بالنسبة لإيران خط الصد الرئيس بمواجهة الإرهاب والولايات المتحدة على حدٍ سواء. ويعتبر مسؤولون في طهران العراق قاعدة مهمة في الحفاظ على الأمن القومي الإيراني، وقد كان صانع القرار السياسي محقًا في تقديراته لأهمية العراق نظرًا لما أسفرت عنه الأحداث اللاحقة.

وخُلاصة ذلك: تواجه الولايات المتحدة إيران والإرهاب في العراق، وتواجه إيران الولايات المتحدة والإرهاب في العراق، وبالتالي انهار العراق الدولة/المؤسسات بفعل تدافع الولايات المتحدة وإيران والإرهاب!

لناحية الأدوات والتدخل في جسد الدولة الذي يسهّل تسيير النظام، فخيرُ ما يُمكن أن يُوجِز الوصف هو وجود جهازين أمنيين عراقيين أحدهما أمريكي التدريب والتسليح ويقاتل في ظل الغطاء الجوي الأمريكي؛ والآخر إيراني الولاء والتدريب والقيادة والأجندة العسكرية والسياسية.

لا طرف يريد التغيير الراديكالي في العراق، وبالتالي فالسعيُ السياسي والأمل المعقود على إعادة إحياء الاتفاق النووي لتقليص الفجوة بين رعاة النظام وشخوصه مُبرر نوعًا ما

نستشف من هذه المقدَمة المختصرة أْن لا طرف يريد التغيير الراديكالي في العراق، وبالتالي فالسعيُ السياسي والأمل المعقود على إعادة إحياء الاتفاق النووي لتقليص الفجوة بين رعاة النظام وشخوصه مُبرر نوعًا ما. لكن هل تُمثل التهدئة بين الدولتين هدفًا حاسمًا لمن يحملون أجندةً وطنية ديمقراطية؟ - سنناقش ذلك في الجزء الثاني.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

معادلة المحنة العراقية وإنتاج البديل السياسي

الفصل بين السلطات.. "مجتمع بلا دستور"