أكثر من أربعة أشهر بالتمام والكمال مضت على انطلاق الثورة العراقية التي بدأت في الأول من تشرين/أكتوبر، ثورة ما كان أكثر المتفائلين بها والمؤمنين بجدواها؛ يعتقد أنها يمكن أن تصمد لأكثر من أيام عدة، شهر في أحسن التقديرات، في ظل تعقيدات الوضع الداخلي للعراق ناهيك عن التدخلات الخارجية المتعددة.
يجب التأكيد على أهمية إدارة الثورة الشعبية واستغلال هذا الزخم البشري خاصة الذي يمثله طلاب العراق
إلا أنها استمرت، وباتت اليوم رقمًا صعبًا في مسيرة مشهد عراقي يتعقد يومًا بعد آخر، وتحولت إلى قوة شعبية لها سقف مطالب أكبر بكثير من تلك التي رفعت في الأيام الأولى لها.
اقرأ/ي أيضًا: الصدر وانتفاضة تشرين.. من عثر على الآخر؟
الثورة العراقية طبعت أيامها بالدم، فلقد جوبهت بقمع متعدد الأساليب، جعل من 800 متظاهر من شبابها في عداد الموتى في حين لم تبخل رصاصات الطرف الثالث أو الثاني حتى في إعاقة أكثر من 25 ألف أخرين، الكثير منهم أصيب بعوق دائم.
وماذا بعد؟ ما الذي تحقق حتى الآن والى أين تسير هذه الثورة الشعبية التي باتت اليوم تطالب بتغيير كامل لمنظومة العملية السياسية، بل وترفض حتى رئيسًا للوزراء كبديل لرئيس الوزراء الذي أجبرته الثورة على الاستقالة، وأقصد هنا عادل عبد المهدي المستقيل، ومحمد توفيق علاوي المكلف.
لا يبدو أن الثورة قادرة حتى الآن على تحديد سقف لتحقيق مطالبها، والتي على رأسها تغيير كامل المنظومة السياسية التي شاركت في إدارة العراق عقب الغزو الأمريكي عام 2003، بالإضافة إلى حصر السلاح بيد الدولة وإجراء انتخابات مبكرة بإشراف أممي بعد وضع قانون انتخابي جديد.
مطالب لا يمكن بأي حال من الأحوال لقوى العملية السياسية في العراق ومن يقف وراءها، داخل أو خارج العراق، الموافقة عليها، لأنها تعني فيما تعنيه، فقدان تلك القوى السياسية لكل مكاسبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي حققتها منذ الغزو الأمريكي.
فأين يمكن أن تسير مركبة الثورة؟
لقد حاولت القوى السياسية بشتى الطرق؛ القضاء على جذوة هذه الروح الثورية المتقدة لدى شباب لم يبلغ الكثير منهم عقده الثاني، فتارة استخدمت القوة وتارة أخرى سعت إلى استرضاء الثوار، وثالثة دست بينهم اتباع مقتدى الصدر وتياره الشعبي، ولكن دون جدوى، فمع كل محاولة تتقد جذوة الثورة في نفوس أخرى وتتزايد وتيرتها، فلا هي تهدأ ولا المنظمة السياسية ترضخ لها.
يمكن القول أن العراق دخل في دهليز أشد ظلمة، وهو الذي ما انفك ينتقل من دهليز لآخر منذ 2003 وحتى اليوم
نعم يمكن القول أن العراق دخل في دهليز أشد ظلمة، وهو الذي ما انفك ينتقل من دهليز لآخر منذ 2003 وحتى اليوم، ويمكن القول أيضًا أن العراق وفي ظل حالة الوعي الجديدة التي شكلتها الثورة قد يقترب من رؤية ضوء في نهاية نفقه الدامس الظُلمة.
على الثوار أولاً أن يقدموا شخوصهم التي يثقون بها، ليس من أجل استلام مناصب في حكومة علاوي التي يسعى لتشكيلها، وإنما من أجل الدفع بهم لتثميل التظاهرات والثورة في داخل وخارج العراق.
عليهم أن يقدموا قائمة موحدة للمطالب، تبدأ بتشكيل حكومة مصغرة مؤقتة تمتد لسنة انتقالية واحدة تشرف على تنظيم الانتخابات وإجراء تغييرات مناسبة على قانون الانتخابات، وأن لا يتركوا الأمور عرضة لاجتهادات بعض الساحات أو بعض ممثلي التنسيقيات.
على المتظاهرين في العراق إدامة التواصل وبقوة مع العالم الخارجي، لتشكيل رأي عام دولي ضاغط على حكومة بغداد والمنظومة السياسية، وعليهم أيضًا تكثيف ضغوطهم الشعبية بإجراءات ثورية أكثر ضغطًا على حكومة بغداد، كإغلاق المنشآت النفطية ومنع تصدير النفط، ناهيك عن محاصرة شعبية كبيرة وواسعة للمنطقة الخضراء في بغداد.
لا يمكن أن تبقى التظاهرات تراوح في مكانها، وأهم من يعتقد أن المنظومة السياسية التي أثرت على حساب الشعب العراقي وتتلقى كامل الدعم من قبل إيران التي ترى في العراق منفذها على العالم في ظل العقوبات الأمريكية، واهم من يعتقد أن هذه المنظومة يمكن أن ترضخ بسهولة لمطالب المتظاهرين.
اقرأ/ي أيضًا: فصل جديد من كتاب المحنة.. خطاب إلى الأمة الصدرية
من هنا؛ يجب التأكيد على أهمية إدارة الثورة الشعبية واستغلال هذا الزخم البشري خاصة الذي يمثله طلاب العراق، فلا يمكن بأي حال من الأحوال، الرهان على عامل الوقت، والذي وإن كان في لحظة معينة مهم لإدامة الزخم الثوري، إلا أنه بالمطلق لن يصب في صالح المتظاهرين.
الثورة العراقية وهي تتجاوز شهرها الرابع بمزيد من الإصرار والثبات، باتت اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى بنقل وتدويل مطالبها، وعدم الاكتفاء بالتظاهر وانتظار المنظمة السياسية للاستجابة لها.
الثورة باتت اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى بنقل وتدويل مطالبها فلا مقتدى الصدر يمكن أن يكون داعمًا لمطالبها ولا مرجعية السيستاني قادرة على التأثير على منظومة الأحزاب
اليوم؛ من المهم أن يكون مخاطبة العالم جزء من حركة الثورة، ومن المهم ألا تبقى الأمور تراوح مكانها، فلا مقتدى الصدر يمكن أن يكون داعمًا لمطالب المتظاهرين، ولا مرجعية السيستاني قادرة على التأثير على منظومة الأحزاب والميلشيات المتحكمة بالمشهد العراقي.
اقرأ/ي أيضًا: