23-سبتمبر-2021

البرامج السياسية: غياب الفلسفة السياسية العامة و"قضاء حوائج" الفئات (Getty)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

منذ بدء الممارسة الانتخابية بشكلها الجديد في عراق ما بعد 2003، يتحرّك المرشح والناخب وفق معادلة دخيلة على الديمقراطية في العالم، إلا أنها تحوّلت إلى المعيار الوحيد لتقييم المرشح شعبيًا، بصورة قدمت خدمة لبعض السياسيين، وسهّلت عليهم مهمة حصد شرعية التمثيل، وكان هذا السلوك، هو من أبرز العوامل التي أجهضت الدور الحقيقي لمجلس النواب، بل وعزّز استخدام الدور التشريعي للإضرار بالدولة عبر تشريعات منهكة اقتصاديًا، وتقديم الخدمات والتعيينات "كرشوة" لفئة دون أخرى، ومنطقة دون غيرها.

 الفهم الرائج والتحرّكات الطاغية على المشهد الانتخابي في العراق هو أن يمارس النائب دورًا بعيدًا كل البعد عن وظيفته كنائب مثل "تبليط الشوارع" أو جلب "محولات الكهرباء" 

هذه المعادلة فرضها الأمر الواقع والحاجة الشعبية، والتي تتمثّل وفقًا لمراقبين باختزال التمثيل النيابي بأنه البوّابة لخدمة الناخبين وضمان حقوقهم بالخدمات وفرص العمل، الأمر الذي يؤسس وأسّس لناخبين يبحثون عن المرّشح "النزيه الخلوق الذي يعتني بمحافظته أومنطقته"، لتتحوّل "صفات مختار المنطقة" كما هو معروف عراقيًا، إلى معيار جودة المرشح الذي من المفترض أنه عضو تشريعي يرسم السياسة العامة للبلاد، والتي تسفر فيما بعد عن شكل الخدمات التي ستصل للمواطنين. 

اقرأ/ي أيضًا: ليس في السياسة فقط.. استحواذ "الحيتان" والاستعانة بالخارج في سوق الانتخابات

والديمقراطية كما يراها مراقبون وباحثون بالشأن السياسي، هو تنافس بين تكتلات حزبية وسياسية، تطرح برنامجًا موحدًا لشكل الحكومة والتشريعات القانونية التي ترى أن البلد يحتاجها في الوقت الراهن، وفلسفة سياسية واقتصادية واجتماعية تتبناها كل كتلة أو حزب ويؤمن بها جميع الأعضاء المرشحين ضمن هذه الكتلة أو تلك، لتسوّق هذه الكتل نفسها عبر هذا البرنامج لحصد أكبر عدد ممكن من الناخبين عندما يلمسون أن برنامج وطريقة الحكم التي تروج لها هذه الكتلة أو تلك هي الأقرب لوضعهم الراهن وأزماتهم التي تنتظر الحلول.

إلا أن الفهم الرائج والتحرّكات الطاغية على المشهد الانتخابي، هو اختزال كل نائب لنفسه بأنه "الشخص الطيّب وبوّابة الخدمات وصديق الجماهير" الذي سيتكفل بحل مشاكل منطقته، أو محافظته، أو عشيرته أو الشريحة الاجتماعية التي يمثلها، وهذا الفهم ينعكس ويفسّر بشكل واضح سبب تحرّك أعضاء البرلمان لتبليط الشوارع أو التنسيق لشراء محولة كهربائية لمنطقة ما، ليمارس دورًا بعيدًا عن وظيفته كنائب، وسط قبول وتواطؤ من قبل بعض الناخبين الذين يعتقدون أن تمثيلهم برلمانيًا يفضي إلى الاستفادة بجلب حقوقهم وضمانها على يد مرشحهم وفقط، بينما تعد هذه الحقوق من واجبات الدولة والسلطات التنفيذية، بل يذهب مراقبون إلى أن هذه "العلاقة المشرعنة" بين الناخب والمرشح، ما هي إلا علاقة راشٍ ومرتشٍ.

لكن هذه العلاقة والحراك السائد على المشهد الانتخابي منذ سنوات، يفسّر أيضًا نوع الشعارات الانتخابية السائدة، والذي عزّزها قانون الانتخابات الجديد بجعل المرشح معرّفًا بشكل أكبر لمحيطه المناطقي، بسبب فلسفة الدوائر المتعددة التي ضيّقت مساحة المرشح داخل مناطق محدودة، لتبرز شعارات مثل "ابن الديرة" التي طبعت بالفعل على لافتة انتخابية لأحد المرشحين المستقلين، وبالتالي؛ تفسّر تحرّك النائب داخل مجلس النواب طوال فترة الدورة البرلمانية للبحث عن تشريع قوانين "مناطقية وفئوية" تتمثّل برفع رواتب شريحة ما، أو تعيين فئة معينة، أو إعادة مجموعة من المفصولين من الخدمة إلى وظائفهم، فيما تغيب القوانين العامة التي تهم السياسة العامة للبلد فيما يخص القطاعات الاجتماعية والاقتصادية من برامجهم الانتخابية.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي علي البيدر أن شكل العلاقة الخاطئة بين المرشح والناخب انعكست على غياب البرامج الانتخابية التي تهم سياسة عموم البلد، فيما تشكّلت هذه العلاقة بفعل الخذلان السابق، فأصبح المواطن يبحث عن النتائج والمكاسب الآنية السريعة مما تسبب بتشوّه الدور التشريعي في البلاد، وساهم بتمكن شخصيات غير مؤهلة لهذا الدور، بالصعود للبرلمان عبر "الرشى" التي تدفع لشرائح مختلفة مقابل التصويت.

ويقول البيدر في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "الوعي أو الثقافة أو التوجه الانتخابي ما زال قاصرًا، فهو يبحث عن مسميات فئوية ضيقة كالعشيرة والمنطقة والطائفة والقومية ولم يتجاوز هذه الخطوط حتى الآن، خصوصًا مع تضييق الدوائر الانتخابية وجعل المحافظة أكثر من دائرة".

ويبيّن أن "المواطن فقد الثقة بالكثير من المسميات والعناوين السياسية، وهو يبحث عن الأشياء مقدمًا، فيبحث عن مشروع الماء أو الكهرباء قبل أن يدلي بصوته، وأحيانًا حتى يبحث عن المال"، مشيرًا إلى أنه "ليس من دور المرشح أن يجلب مشروعًا معينًا، بل دور مؤسسات الدولة، ولا أعلم من صنع واخترع هذه الثقافة وروّج إليها، فأصبح الناخبون يبحثون من يأتي إليهم بالفائدة والمنفعة أولًا بفعل تجاربهم الفاشلة السابقة".

واعتبر البيدر أن هذه العلاقة وترسيخها "قضية مزدوجة ومتبادلة بين بعض المواطنين والناخب، فالمواطن لا يذهب  إلى الدائرة الحكومية المعنية عندما يريد شيئًا بل يذهب إلى النائب، والنائب أيضًا أصبح يعد المواطن بأحلام وردية، فتولدت هذه القناعة".

ويتطرّق البيدر إلى السلوك المتولّد لدى الناخبين وبرامجهم على خلفية هذه العلاقة، مشيرًا إلى أنه "لا نرى أي نائب يزور منطقة ما ليقول لهم أنا أعدكم بمراقبة الأداء الحكومي بطريقة تجبر الحكومة على تقديم الخدمات إليكم، أو أعدكم بتشريع قوانين ممكن أن تعجل بإيصال الخدمات"، مبينًا أن "غياب هذا الخطاب جعل الطرفين يلجآن إلى بعضهما والأمر متعلق بفهم الناخب أو المواطن لطبيعة العمل البرلماني الخاطئة واعتقاد النائب أنه بما أن منح درجة وزير فأنه بصلاحيات وزير وهذا خطأ فادح".

ويضيف البيدر أنه "يجب أن يخضع النواب وخصوصًا الجدد إلى دورات مكثفة للتعريف بمهامهم وتمنعهم من أن يتصرفوا بهذه الطريقة التي تسيء إلى رمزية ومكانة المؤسسة التشريعية الرقابية".

يرى مراقبون غياب المرشح الذي يعد الناس بمراقبة الأداء الحكومي بطريقة تجبر الحكومة على تقديم الخدمات لهم أو بتشريع القوانين التي من ممكن أن تعجل بإيصال الخدمات

وأوضح أن "الضغط على المواطن دفعته إلى أضعف الأماكن وأصبح همه الوحيد الحصول السريع على الخدمات وقضاء حوائجهم بأي طريقة، لذلك نرى المشاريع والبرامج الانتخابية تتحدث عن الخدمات مثلًا وهي أمور غادرها العالم منذ وقت مبكر وأصبحت من البديهيات،  لذلك هي تحاول العزف ودغدغة مشاعر وأحلام الناخبين، ويقدمون البرنامج الانتخابي وفق ما تريده الشريحة التي يستهدفها من الناخبين لذلك تجد أن الكثير من المرشحين والكتل السياسية تتحدث عن قضايا مثل إعادة النازحين بينما هذا عمل الدولة، أو تتحدق عن قضايا تعيينات لفئة من المرشحين، ولم يفرضوا نظامًا او برنامجًا إصلاحيًا ذا بعد ستراتيجي يتحدث عن بناء الدولة وعن قضايا تتعلق بالسيادة أو مشاريع العراق الدبلوماسية، أو تقديم رؤية وطنية أشمل وأوسع تخدم كل العراق والمكونات".

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

دون حق في اختيار الحكومة.. ماذا يعني وجود مئات المرشحين "المستقلين"؟

انحسار الدعاية الانتخابية في شوارع العراق.. طرق بديلة وخوف من شارع غاضب