08-سبتمبر-2022
العوائل السياسية في العراق

أغلب الدول هناك مؤسسات تحمي الدولة (فيسبوك)

تنطلق العائلات السياسية من اعتقاد راسخ في تكوينها الأيديولوجي وتكرّس هذا الاعتقاد في متبنياتها الاجتماعية والسياسية، والذي يتمثل في أن تأسيس الدولة كان في الأساس بفضل جهودها، ولولاها لما تأسست الدولة، وعليه ترى نفسها من حيث الوجود أسبق من وجود الدولة، الأمر الذي يترتب على ذلك أحقيتها في إدارة الدولة ومؤسسات نظامها السياسي، لذا شرعنت العوائل وجودها في تلك المؤسسات عبر تأسيس الأحزاب السياسية التي تعبر عن أفكارها، ويظهر تأثير تلك العوائل في بعض النظم  الديمقراطية التي تتبنى خيار التوافقية كوسيلة لإدارة الدولة التي توجد فيها التكوينات الاجتماعية المتنوعة والشواهد كثيرة منها في لبنان التي تسيطر العوائل على الكثير من المناصب الحكومية والأمنية كعائلة الأسعد وعائلة الحريري وعائلة كرامي وعائلة جنبلاط، والمشكلة أن العوائل في ظل خيار التوافقية لم تتفق على طريقة ما في إدارة الدولة،  وإنما كانت ولا زالت تتفق على إدارة السلطة بتقسيماتها المكوناتية، مما يغلب سمة اللاستقرار على هذه الدول.

برزت في العراق بعد عام 2003 العديد من العوائل السياسية وعبرت عن رغبتها في إدارة الدولة بشكل واضح

كما يظهر تأثير  العوائل على الدول التي تعتمد على الفردانية في إدارة الدولة كسلوك وممارسة كالأردن ودول مجلس التعاون الخليجي، إذ تحتكر (عائلة آل سعود)  إدارة المملكة العربية السعودية، بل تربط تأسيس الدولة على يد مؤسسها الأول الملك (عبد العزيز آل سعود)، وكذلك الحال بالنسبة إلى الكويت وقطر وسلطنة عمان التي تقتصر رئاسة  السلطنة على عائلة آل سعيد، وفي بعض الدول لا تشترك العوائل السياسية في إدارة الدولة، مما تعمل على دعم الثورات والانقلابات العسكرية كردة فعل على السلطة التي تحاول شيطنة هذه العوائل أو تجاهل ذاتها، وهو ما شائع في ليبيا واليمن. وتطبيقًا على الواقع العراقي، فهناك الكثير من العوائل السياسية التي كان لها دور  مواجهة الاحتلال العثماني والبريطاني قبل وأثناء تأسيس الدولة، وبعد التأسيس عارضت بعض العوائل السلطة، ودفعت ضريبة هذه المعارضة بالاعتقال أو الاغتيال أو الملاحقة، كعائلة آل الصدر والحكيم وعائلة البرزاني والطالباني.

بعد عام 2003، برزت العوائل السياسية بشكل واضح وعبرت عن رغبتها في إدارة الدولة العراقية، وانطلقت هذه العوائل  من المكون (المذهبي أو القومي) نحو الفضاء الوطني باعتماد خيار التوافقية في إدارة الدولة العراقية، وهذا ما بدا واضحًا من الحكومات المشكلة في عام 2005 وحتى عام 2018، وتوزيع الرئاسات الثلاث على أساس المكونات، ولم ينجح هذا الخيار في تحقيق الإنجازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا بل أبعد من ذلك وجدت نفسها تحت هذا الخيار في بناء سلطة دون بناء دولة مؤسسات تأخذ على عاتقها إدارة الدولة.

وهو ما أنتج معارضة مجتمعية عبرت عنها حراك تشرين في شهر تشرين الأول من عام 2019، وما رافقها من أحداث  خفت حدتها بعد اتفاق الكتل السياسية على تشكيل حكومة مهمتها إجراء انتخابات مبكرة، والتي أجريت في تشرين الأول من عام 2021، وما أفرزته هذه الانتخابات من خارطة سياسية جديدة تريد تغيير نمط تشكيل الحكومة من التوافقية إلى الأغلبية السياسية كخيار عابر للمكوناتية والابتعاد عن التخندق المكوناتي بشقيها المذهبي والقومي، عبر تحالف عائلات سياسية عابرة متمثلة بعائلة السيد الصدر مع عائلة البرزاني عن طريق الأحزاب السياسية الممثلة لهم، ولم ينجح التحالف من تحقيق هدفه في إدارة الدولة.

ومما تقدم يمكن القول إن في أغلب الدول هناك مؤسسات تحمي الدولة، وتدافع عن أيديولوجيتها من خلال عوائل سياسية تتحكم بهذه المؤسسات، وتدافع عنها من خلال تغلغلها فيها، لكنها لا تظهر بشكل علني أمام الرأي العام، وهناك دول تدير مؤسساتها عوائل سياسية بشكل علني، وهذه العوائل تثبت شرعيتها لمجتمعاتها بما تقدمه من إنجازات،  ولا سيما في المجال الاقتصادي وهو ما سائد في دولة الخليج العربية، وفي العراق لم تحدد العوائل بوصلتها، وربما هذا راجع إلى حداثة التجربة التي جعلتها تحكم بشكل مباشر عبر الأصوات الانتخابية التي تمنحها جماهيرها الواسعة بعد أن كانت معارضة، فليس هناك خيار لهذه العوائل للخروج من أزمتها في إدارة الدولة سوى  أن تعمل هذه العوائل على تحقيق الرفاه الاقتصادي وتحكم بشكل علني، وتحميلها الاخفاقات التي قد تحدث في المستقبل،  أو أن تترك للمؤسسات القيام بهذه المهمة على أن تراقب إخفاقاتها عبر وسائل الرقابة الشعبية أو البرلمانية.