بداية الفكرة، كانت من أن لدينا إرث فكري يعالج الأمور بطرق عكسية، أبيض- أسود. في زمن البعث كان جزءًا كبيرًا من المجتمع يريد القائد الجعفري، وبعد أن جاء القائد الجعفري وجعل البلد حطامًا، أصبح ذات الجزء يقول: "زمن صدام أفضل"، ويتمنون عودته، ولو عاد صدام حسين؛ لوجدناهم يعيدون ذات القول: "نريد قائد جعفري"!
موقف الناس من الأحزاب ناتج من التجربة البشعة ولم تكن من فراغ، لكن المعالجة بأن يكون البديل هو المستقل؛ كانت من فراغ
السياسي المستقل هو الحل، قطعًا لا! لم يألف المجتمع العراقي مسألة التعددية الحزبية، فالسلطات التي تعاقبت على حكمه، فرضت عليه حزب واحد، وقائد واحد، وبعد 2003، ومجيء الأحزاب، وتعددها بشكل فوضوي، وبعد أن فشلت فشلًا رهيبًا؛ وكالعادة المعالجات العكسية، جعلت الناس تطالب بسياسي مستقل، دونما تفكير بكيف ينجح وهو مستقل؟ من يدعمه؟ من يردعه في حال أخطأ؟ كيف يواجه القوى الحزبية؟ ما الذي يثبت نوع توجهه الفكري؟ كل هذا غاب عن الأذهان، وذلك لظنهم بأنه طالما المستقل عكس المتحزب؛ فهو الحل الأمثل. المشكلة أن موقف الناس من الأحزاب ناتج من التجربة البشعة، ولم تكن من فراغ، لكن المعالجة بأن يكون البديل هو المستقل؛ كانت من فراغ. هل المشكلة بالنظام الحزبي أم بشخوصه؟ بكل تأكيد، بشخوصه، فالنظام الحزبي يقود أعظم الدول بالعالم (أمريكا، ألمانيا، بريطانيا.. الخ). وذات الحكم ينطبق على النظام الرئاسي أو البرلماني. كما هناك سبب آخر للفشل؛ هو عدم الالتزام بتطبيق هذه الأنظمة كما هي. كما أن فشل شخوص الوزارة أو المستشفى؛ لا يعني إلغاء الوزارة أو المستشفى.
تجربة
تجربة السياسي المستقل في العراق كانت تجربة فاشلة بامتياز، وساهمت بعدم نشوء البديل السياسي، كذلك عالميًا ليس لها ملامح، فهي فكرة لا طعم لها، ولا لون ولا رائحة، بل أن أضعف الرؤساء الذين حكموا العراق؛ كانوا مستقلين، فهم عِرضة للابتزاز، والتواطؤ، والخضوع، لأنهم ضعفاء، ليس لديهم حزب أو كتلة برلمانية تقف لأسنادهم. من هنا، فإن الأحزاب الإسلامية الفاسدة وجدت ضالتها بهذه الفكرة، فقامت بالمجيء بساسة مستقلين ونصبتهم كرؤساء وزراء، ووزراء -كما حدث في تونس، وبهذه الحالة ضربت عصفورين بحجر، فمن باب هي قد ضمنت مصالحها الخاصة، ومن باب آخر لا تتحمل مسؤولية فشلهم، ولا تساهم بشكل جدي لإنجاحهم، لأنها غير مرغمة عليهم. كما أنها حين وجدت الشارع يميل للمستقل؛ قامت بالتنسيق مع مرشحين لدعمهم، فظاهرًا هم مستقلون، وواقعًا هم تابعون لجهات حزبية.
اقرأ/ي أيضًا: مثلث الانسداد: القبيلة والطائفة والريع
يتساءل أحدهم: ما المغزى من الترشح كمستقل، بعد أن توفرت أحزابًا مدنية جديدة، وسمعتها جيدة، ويمكن الترشح معها؟ إلا في حال يريد المرشح أن يسترزق، ويصبح معقب معاملات! وقد يكون هناك سبب آخر. جانب آخر، حصل هناك خلط بين السياسي من جهة، والقاضي والعسكري من جهة أُخرى، فهذان يجب أن يكونا مستقلان، أما السياسي يختلف عنهما، ولا وجوب لاستقلاليته.
الصلاحيات لا تسمح للمستقل أن ينجح
على المستوى البرلماني، لم نشهد تجربة ناجحة لساسة مستقلين، بل لا يمكن أن تكون ناجحة، ولأقول لك كيف:
- لا يمكن للسياسي المستقل أن يقترح أي قانون، فالمقترح يحتاج عشرة من أعضاء مجلس النواب (راجع المادة 60-ثانيًا، في الدستور).
- لا يمكن له مساءلة أو إعفاء رئيس الجمهورية، لأن ذلك يحتاج إلى أغلبية مطلقة (راجع المادة 61، سادسًا، أ-ب، في الدستور).
- لا يمكن له مناقشة موضوع عام، لاستيضاح سياسة وأداء مجلس الوزراء، أو إحدى الوزارات، لأن ذلك يحتاج على الأقل موافقة خمسة وعشرين عضوًا (راجع المادة 61-سابعًا، ب، في الدستور).
- لا يمكن له استجواب رئيس الوزراء، لأن ذلك يحتاج خمسة وعشرين عضوًا (راجع المادة 61، سابعًا، ج، في الدستور).
- لا يمكن له اقتراح (مجرد اقتراح) سحب الثقة من الوزير، إلا بطلب موقع من خمسين عضوًا، وللموافقة على سحب الثقة؛ فأنت بحاجة لأغلبية مطلقة (راجع المادة 61، ثامنًا، أ، في الدستور)
- لا يمكن له تقديم طلب سحب الثقة من رئيس الوزراء، إلا بموافقة خُمس(1/5) أعضائه، ولكي تسحب الثقة تحتاج أغلبية مطلقة (راجع المادة 61، ثامنًا، ب، 2-3، في الدستور). وذات الكلام يتعلّق باستجواب مسؤولي الهيئات المستقلة، أو إعفائهم، أو رئيس أركان الجيش، أو المخابرات، أو قادة الفرق، سيما تشكيل السلطة التنفيذية.
منطقة أُخرى؛ هناك شخصيات تاريخية، لها مكانة رمزية عالية، والكثير من العراقيين يحبون هذه الشخصيات التي كانت منتمية لأحزاب، على سبيل المثال نيلسون مانديلا (حزب المؤتمر الوطني الأفريقي)، المهاتما غاندي (حزب المؤتمر الوطني الهندي)، أبراهام لينكولن (الحزب الجمهوري- حزب الاتحاد الوطني)، جيفارا (الحزب الشيوعي).
إن فكرة المستقل؛ فكرة فوضوية، وهي معاكسة للتنظيم، فمفهوم السياسي المنتمي لحزب؛ مفهوم يعني التنظيم، أما المستقل فيعني اللا تنظيم. ومنذ نشوء الإنسان؛ ونحن نجد أن طبيعته تميل إلى التنظيم، وعلى أثر ذلك نشأ نظام العائلة، القبيلة، الدين، الإمبراطورية، الدولة، كل هذه النظم نابعة من جذر واحد اسمه التنظيم، وعليه، ومن كل ما سبق، ولكي نعالج الواقع بشكل صحيح، وبالاستناد على تجارب الأمم المتقدمة؛ فعلينا أن نؤيد وندعم السياسي النزيه، والناجح، المنتمي إلى حزب نزيه ومحترم، وندعم حزب كهذا، ونرفض السياسي المتحزب الفاشل، والفاسد ، أو المستقل، ونرفض الحزب الفاشل، والفاسد.
اقرأ/ي أيضًا: