10-يونيو-2020

مصطفى الكاظمي (Getty)

لم تتغير حسابات المحاصصة، ولم يبدل الزعماء طرق الابتزاز ونزقهم في الكسب والاستحواذ بعد كل الدماء والتضحيات التي نزفتها انتفاضة الشباب في تشرين حتى اللحظة، لا الشهداء ولا الجرحى، ولا حتى المغيبين ولو كانوا أضعافًا مضاعفة، هكذا ترجمت الجلسة البرلمانية السبت الماضي التي صوتت على ما تبقى من كابينة الكاظمي. 

التحديات التي يفرضها الواقع العراقي بين العلاقة المشوشة بينه وبين قطبي الصراع أمريكا وإيران تحتاج إلى إعادة نظر للكاظمي

وكما يبدو، أن القطع الثلاث للعبة السياسية في البلاد، لا يمكن ضبط إيقاعها من خلال الشارع، بل لو افترضنا ذلك لكان ضربًا من الخيال، وإلا كيف يمكن تفسير وضع الانفصالي "فؤاد حسين" وزريرًا للخارجية ؟! المجرب الذي سيجرب مرة أخرى بمنصب آخر، شخصية وزارية تسلمت منصب وزير المالية في حكومة عبد المهدي رافقتها الكثير من الشبهات وملفات الفساد منها تهريب المال للإقليم بلا ضوابط قانوينة، فضلًا عن كونها لا تعترف بـ"حدود البلاد" تخرج من المالية لتدخل للخارجية؟! ليست الخارجية وحسب، بل وزارة النفط ذهبت إلى شخصية مكبلة بأكثر من ثلاثين ملف فساد، والتجارة غدت تحت تصرف شخصية تلاحقها اتهامات جنائية، أما الثقافة، فقد كانت مثالًا لمفهوم التخادم بين المثقف والسلطة، وكشفت عن وجه الهيمنة للجماعات المسلحة ومديات قدرتها على التأثير في القرار السياسي. 

اقرأ/ي أيضًا: "شرط الانتقال" المتعثر.. إنك لا تختار وزراءك مرتين

لا توجد بوادر حقيقية ورؤية ناضجة كبديل عن النموذج الذي فشل لدى الكتل، ولا الزعامات لاحتواء غضب الشارع بالرغم مما جرى ويجري، وبات من الواقع أن كل من يتحدث في الإصلاح فيه مس من الجنون، بل هناك إجماع سياسي على التهدئة وتطيب الخواطر وإعادة المشهد الأول كما كان الذي بنيت عليه عمليتهم السياسية، وأخذ كل ذي مكون حصته، وليذهب المتظاهر ومطالبه للجحيم، فهذا ما وجدنا عليه آباءنا الأولون. لا يرى المتابع بعد كل هذا أن الكاظمي جادًا في العمل على برنامج سياسي واضح يصحح الأخطاء ويرمم المتهالك الآيل  للسقوط، أو متحمسًا لمطلب ساحات الاحتجاج الأهم، وهو متابعة مسار قتلة المتظاهرين، وعلى رأسها جريمة القناص، بعد أن بدأ عمله بنثر المدح والثناء على رئيس حكومة القناصين قائلًا عنها حكومة إنجاز مظلومة، متناسيًا المشاهد الدموية المروعة التي لم يمض عليها سوى أشهر. 

لا يغيب التداخل الإقليمي وفرض الإرادات عن هذه الحكومة، ولم يختلف عن سابقاتها، حتى ولو كان الكاظمي أمر واقع كخيار أمريكي قبلت به إيران على مضض، لكن هذا لم يمنعها من زج رأيها في لعبة الاستيزار والمكاسب على الأرض من خلال أجنحتها السياسية لدفع ضرر الميدان العسكري من تواجد القوات الأمريكية عبر زيارة خاطفة لبغداد لقائد الحرس الثوري "قاآني"، أعقبها استقالة لرئيس تحالف الفتح "هادي العامري" وتسريبات لتنصيبه رئيسًا لهيئة الحشد الشعبي. التحديات التي يفرضها الواقع العراقي بين العلاقة المشوشة بينه وبين قطبي الصراع أمريكا وإيران تحتاج إلى إعادة نظر للكاظمي أو غيره، والمزيد من الوضوح كونها محكومة بجماعات لا تعبر عن هوية الدولة بقدر العقائدية الدينية المتزمتة التي تقرأ الأحداث من زوايا فقهية ونصوص تقليدية قد أكل عليها الدهر. 

يفهم من ذلك كله، أن المكاسب هي مكاسب حتى لو كانت على حساب الدم وتلال الجثث، ويتضح أن إسقاط هذه المنظومة برمتها، ومن يرفع شعار إسقاط النظام محقًا لأنها الخيار الوحيد المتبقي لإعادة البناء السياسي بالشكل الصحيح وفق الإطر والنماذج الحديثة التي تلامس مفهوم الدولة الحديثة، تجربة المحاصصة والتوافق لم تزدنا إلا خسارة وتغولًا للطائفة على حساب المواطنة، وتمكين هوية الطوائف على هوية الوطن. وختامًا أقول لمن وجد مساحة للأمل متشبثًا بها على بركة وجه الكاظمي؛ كيف لمرشح القتلة أن يكشف عنهم؟! ثم عليكم أن تطلبوا مفوضية انتخابات وقانون لها من "دبش"، وليس الكاظمي!

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بين مينيسوتا وتشرين.. توقّفات وتساؤلات

لقد كان في قصصهم عبرة