25-يوليو-2020

مصطفى الكاظمي (Getty)

ها قد انقضى على "الشهيد الحي" وحكومته ما يُقارب ثلاثة أشهر لم نتلمس فيها ما يشتبك مع جذر الأزمات العراقية، ولم يكن مصطفى الكاظمي قد غيّر التغييرات الكبرى التي يأملها الجمهور الغاضب والناقم، حتى نقول إنه قد تعرض للتهديد بالتصفية لأنه حرّك مياه الفساد الراكدة ويسمي نفسه "الشهيد الحي". لا أنا ولا أنتم ولا حتى الملائكة يعرفون سبب هذه التسمية التي نوّط نفسه بها رئيسنا، لكن كما اتضح بعدها بأن الرجل يحاول تسويق نفسه على أنه "سوبر هيرو العراق".

انقضت ثلاثة أشهر على حكومة الكاظمي ولم ير الناس الخطوات التي من المفترض أن تأتي بعد انتفاضة شعبية ضحيتها الآلاف من الشهداء والجرحى

 ومنطقيًا، لا يُمكن إطلاق الأحكام على الحكومات إلا بعد مرور فترة وجيزة تتيح للرئيس ووزرائه أن يبينوا جهودهم وعملهم على أرض الواقع، وثلاثة أشهر ليست هي الفترة الكافية بالطبع. لكن دعونا نستعرض ما فعله الكاظمي وحكومته خلال هذه الفترة، وما هي خطط الوزرات في الأيام المقبلة، وماذا أنجز من هذه الخطط.

اقرأ/ي أيضًا: معالجات "غير مجدية".. حكايات الفساد في المنافذ الحدودية

لنرى مثلًا، ماذا فعل وزير الداخلية عثمان الغانمي الذي أتى به الكاظمي، هذا الوزير المقدام، هل عرض خططه لفتح ملفات الفساد في الوزارة، هل لديه نية لطرد الضباط الدمج خارج المؤسسة العسكرية، هؤلاء الضباط الذين أتوا لهذه الوزارة عن طريق الانتساب لطائفة أو عرق معين لا لإمكانياتهم التي لا تتعدى شهادة الثانوية في أغلب الأحيان؟ أو لربّما خرج بمؤتمر صحفي بُث في كوكب المريخ، ولم نره نحن يعلن فيه إلقاء القبض على قتلة الدكتور هشام الهاشمي أو منفذي عمليات الاغتيال بـ"الكاتم" في الأشهر السابقة. الله العالم، فنحن نسكن الأرض ولا نكسن المريخ. وربّما أيضًا في ذات المؤتمر أعلن عن أسماء الضبّاط المتورطين في تهشيم رؤوس الشباب بانتفاضة تشرين. هو حتى لم يُحرك ساكنًا أثناء التعدي الصارخ على سيادة الدولة من قبل عناصر ميليشيا أثناء تطويقهم الخضراء وتمريغ أنف الدولة في الوحل. هذا الوزير الذي أتى بعد انتفاضة دفع فيها شباب العراق الغالي والنفيس، لم يطل علينا بأي قرار أو خطّة للوضع الأمني، حاله كحال كرسي جامد في وزارة الداخلية.

أما وزير الخارجية، فيا عيني، أنه الانفصالي فؤاد حسين، هذا الرجل حتى لا يستحق أن تنقاش فساده وتواطئه مع من يريد الخراب لهذا البلد، فقط أذكر اسمه وسيقول لك الناس إنه "انفصالي" وسينتهي الحوار حينها. ما بالك بأن تأتي به لتضعه كواجهة تتعامل بها مع دول العالم أجمع؟ ما هي الصورة التي سينقلها عند البلد؟ أو كيف سيصحح خراب العلاقات المتراكم مع البلدان المجاورة؟ في وقت نحن بحاجة القريب والبعيد لكي ننهض بالواقع العراقي.

دعك من هذا، لننتبه من عندنا هنا، أنه حسن محمد سلمان وزير الصحة الحبّاب. أنظر لنسب الإصابات بفيروس كورونا ومعها نسب الوفيات في العالم، ثم أنظر إلى نسب وفياتنا مقارنة بالإصابات، ستعرف مباشرةً من هو حسن سلمان ومن على شاكلته ممن تسنّموا وزارة الصحة. العالم يخدم مرضاه بكل ما أوتي من قوّة في ظل هذا الوباء، ونحن تُباع علينا مسحات كشف المرض حتى وصلت لمئة دولار! ثم يأتي وينصّب موفق الربيعي صاحب الصيت السيئ سكرتيرًا أعلى للجنة الصحة والسلامة العليا. يا لفظاعة الأمور يا أيها "الشهيد الحي"، أبهذه الحكومة ستلبي طموحات الشباب الذين تناثرت جثثهم في بغداد والناصرية؟!

اتركنا من وزير المالية الذي "لا يهش ولا ينش" في خضم هذه الأزمة الاقتصادية التي تدفع بنا لنار الفقر والجوع، ليذهب للجحيم. أو لا، أنا فقط أتمنى لو يتسنّى لي أن أسأله سؤالًا واحدًا "ما العمل يا معالي وزير المالية؟"، سيقف أمامك الوزير كالحائط الأصم كغيره من الوزراء أثناء سؤالهم هذا السؤال، لأنهم ببساطة لا يعرفون ما العمل في ثورة الأزمات التي تزلزل حياة المواطن بكل لحظة.

هيا بنا يا وزير الكهرباء يا سيد ماجد مهدي حنتوش، أو "الأمارة"، بالاسم الجديد بعد تسنّم المنصب، ما هي الرؤية للنهوض بواقع الطاقة الكهربائية المنعدمة في البلد؟ أجابنا في مؤتمر له بعد تولي الوزارة مباشرةً: "ليس لدينا تخصيصات، لن يكون هنالك تحسن في الكهرباء، من غير المنطقي مطالبتي بإصلاح الكهرباء، لقد جئت للتو"، ها! أنت أتيت كغيرك من وزراء الكهرباء وبنفس الأقاويل البليدة، ما فائدتك إذن؟ المفارقة بينك وبين أقرانك من وزراء الكهرباء بأن قبل مجيئك ذُبح ما يُقارب 800 شاب في عز النهار حتى ينعم أطفالهم وأهلهم بهواء بارد أثناء نهار الصيف اللاهب.

علاوةً على ذلك، كنّا سابقًا نقول بأن الوضع كله متأزم فلا يُلقى اللوم فقط على وزارة الهجرة والمُهجرين، لكن الآن وبعد التضحيات التي قدّمناها كشعب صرنا نتسائل عن نتائج الدماء التي سُفكت في سبيل استرجاع الحقوق. لم تخرج علينا السيدة إيڤان فائق يعقوب وزيرة الهجرة كي تذكرنا بالمليون ونصف نازح في المخيمات إثر غزو "داعش"، لعلها نستهم كباقي الوزراء الذين ينسون مهامهم أثناء تسنّم المنصب! هم حتى لا يظهرون على شاشات التلفاز ويخدعوننا أو يوهموننا "كما يفعل الرئيس" بعرض خططهم لحل الأزمات، مترنحين على مكاتبهم. هم وزراء "تمشية حال" لا وزراء حل أزمات.

من هذا؟ أخ عماد الحباب؟ يا أهلًا يا سيادة الرئيس، أهلًا بك وبكابينتك الوزراية السحرية التي ستمسح الدم من على وجه العراقيين، أهلًا أيها الشهيد الذي لم نعرف على ماذا سيستشهد. قبل عدّة أيام ذهب الفارس مصطفى الكاظمي لمنافذ البصرة، وأقال أربعة مدراء عامين للمنافذ الحدودية وأربعة وكلاء لهم. هو أقالهم لأنه ثَبُت تورطهم بالفساد، لكنه لم يعرضهم على هيئة النزاهة لمحاسبتهم ولاسترجاع الملايين المنهوبة، أقالهم كي يظهر بمظهر الجاد بعد حفلة الاستهزاء بقراراته التي لا تداوي الإنفلاونزا في جسد العراق، ما بالك ببلدٍ تملأ جسده خلايا سرطان الفساد المستشري؟!

انتفاضة تشرين هي مرحلة فاصلة في تاريخ العراق وفي فهم الشباب للأمور، قبل تشرين ليس كما بعدها

يا تُرى كم خطوة تقدم رئيسنا بعملية الانتخابات المبكرة، وكم قائد من قادة العمليات المتورطين في سحق الشباب بتشرين قد حاسب وأحالهم للمحاكم العسكرية؟ لا شيء! بل ها هم يترفعون بمناصبهم يومًا بعد يوم. هو أتى لعلاج هذه الأسباب بعد انتفاضة تشرين، لكن استغل منصبه حتى يوبّخ شقيقه "عماد" أمام جمهور السوشيل ميديا، حتى يظهر بمظهر الحريص على الدولة!

اقرأ/ي أيضًا: الكاظمي يوجه بإطلاق النار على الأشباح.. القوة العسكرية أو "الفاتحة" على العراق

بعد ضرب المحاضرين المجانيين بالهروات قبل أيام أتضح أن العنف في تشرين لا يوحي بأنه أخطاء فردية من عدة أجهزة من أجهزة الدولة، بل أنه منهجية اتبعتها الطغمة المتحكمة في جهاز الدولة لإبادة انتفاضة تشرين وأي حراك آخر يطالب بالحقوق المسلوبة أو ببناء الدولة، لذلك الحديث عن لجان تحقيق تعاقب المتورطين بدماء الشبّان هو حديث فضفاض ولا ينم عن أي جديّة من قبل النظام لمحاسبة القتلة الذين أوغلوا بالدماء. تشرين هي مرحلة فاصلة في تاريخ العراق وفي فهم الشباب للأمور، قبل تشرين ليس كما بعدها، مثل ما قبل سقوط صدام ليس كما بعده، أو كأي مرحلة مفصيلة أخرى في تاريخ هذه الأرض. لا يمكن من جديد إيهام هذه الطبقة الشابة يا سيادة "الشهيد الحي"، هذه لك وللمطبلين من حولك. والموجة الثانية من تشرين قادمة لا محال.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الحراك الشعبي وسبل تدعيمه في المرحلة القادمة

معوقات إقامة النظام الديمقراطي في العراق