01-يناير-2020

مجلس النواب العراقي (فيسبوك)

لم تشر المواد الدستورية في أغلب الدول التي تتبع النظام  البرلماني، إلى مصطلح "الكتلة الأكبر"، المكلفة بتشكيل الحكومات، وإنما ذهبت إلى مصطلح الحزب الفائز الحاصل على أعلى الأصوات في الانتخابات، إلا أن هذا المصطلح وجد في الحالة السياسية العراقية، وفي نصوصها الدستورية، وتحديدًا في المادة (76) من الدستور العراقي النافذ لعام 2005، ومع مشكلة هذه الصياغة، زادت تفسيرات المحكمة الاتحادية سوءًا في الانتخابات البرلمانية لعام 2010، عندما قامت المحكمة المذكورة بتفسير لا يخلو من الطابع السياسي كما يقول معارضو هذا التفسير، إذ أشارت إلى أن الكتلة الأكبر تلك التي تتشكل بعد إعلان نتائج الانتخابات وبعد عقد التحالفات، وقد سبّب هذا مشاكل كثيرة بعد كل دورة انتخابية، وكان المفترض أن يكون التفسير على النحو الآتي: الكتلة الأكبر هي الكتلة الحاصلة على أعلى الأصوات، والتي تشكلت قبل الانتخابات، لا بعد عقد التحالفات، وفي الحقيقة أن هذا التفسير هو الملاءم للحالة العراقية، على اعتبار أن التحالفات معرّضة إلى الانشقاقات، وبالتالي يؤثر على عمل الحكومات.

كشفت استقالة عبد المهدي حالة الانسداد السياسي الذي تعاني منه الأطراف السياسية الفاعلة، والتي تكمن بعدم قدرتها على تقديم المرشح المستقل الذي يناغم ساحات التظاهر

 وعلى إثر هذه التفسيرات تشكلت الحكومة في عامي 2010 و2014، إلا أن هذه المادة وتفسيراتها قد عطلت في انتخابات 2018 بسبب التوافق السياسي بعد عدم قدرة الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات النيابية من تشكيل الكتلة الأكبر حسب تفسير المحكمة الاتحادية، وقد نتج عن هذا التوافق، وبدون غطاء دستوري، حكومة عبد المهدي، التي لم تمض على مدتها سنة حتى قدمت استقالتها تحت ضغط الشارع المنتفض، وكشفت هذه الاستقالة حالة الانسداد السياسي الذي تعاني منه الأطراف السياسية الفاعلة، والتي تكمن بعدم قدرتها على تقديم أي مرشح مستقل يناغم ساحات التظاهر.

اقرأ/ي أيضًا: مرشح الرئاسة.. ورقة الساحات وصراع الإرادات

غياب الكتلة الأكبر في البرلمان جعل رئيس الجمهورية في مأزق حقيقي، فتارة يرسل كتابًا إلى مجلس النواب لمعرفة الكتلة الأكبر، ومرةً أخرى إلى المحكمة الاتحادية التي ردت على كتاب رئيس الجمهورية بتفسير المفسر، فرئيس الجمهورية أمام خيارات صعبة، إما أن يكلّف مرشحًا يراه مناسبًا لتشكيل الحكومة بعد غياب الكتلة الأكبر كما ذكرنا، أو الرضوخ إلى مطالب الكتل التي تعتقد أنها الكتلة الأكبر وتسمية مرشحها، وبالتالي يضع نفسه في مواجهة مباشرة مع  ساحات التظاهر، وهذا ما حدث فعلًا عندما رفض تكليف مرشح تحالف البناء.

وتتأثر الكتلة الأكبر بطبيعة النظام الانتخابي المتبع في الانتخابات البرلمانية بعد إقرار قانون الانتخابات في كل دورة برلمانية الذي يتمّ على أساسه إجراءها، وعلى ضوء نتائجها تتشكل الحكومات، وكما هو متفق عليه أن النظام الانتخابي غايته الأساسية تمثيل السكان في الحكومة والبرلمان، ومن ثم، فالكتلة الأكبر بين خيارين:

  •  أولًا: وهو نظام التمثيل النسبي المتبع في الدورات البرلمانية، والذي  يفرز عدة كتل سياسية فائزة، وغير قادرة في أغلب الأحيان على تشكيل الكتلة الأكبر.
  • ثانيًا: وهو نظام الانتخاب الفردي الذي أصبح مطلب ساحات الاعتصام الرئيسي، إذ يطالب المحتجون بقانون انتخاب فردي بنسبة 100% وهذا يعني يحق للمرشح الترشيح مستقلًا دون الحاجة إلى وجود حزب سياسي، ويعتمد القانون على الدوائر المتعددة وفق الكثافة السكانية، ويكون الفائز في الانتخابات هو الحاصل على أكثر من نصف أصوات الدائرة التي رشح إليها لكي يكون ممثلًا حقيقيًا عنهم، وليس عن عشيرة أو طائفة أو حزبًا، وفي الحقيقة أن هذا النظام لا يتلاءم مع الكتلة الأكبر، وسيجعلها عرضة للتعطيل، كما عرضها نظام  التمثيل النسبي عن طريق التوافق السياسي؛ لأن نظام الانتخاب الفردي سيفرز المرشح الفائز وليس الأحزاب السياسية الفائزة، فهؤلاء يصعب تجمعيهم لتشكيل الكتلة الأكبر، أو أن من يجمعهم سيكون عرضة للمساومات.

نظام الانتخاب الفردي سيفرز المرشح الفائز وليس الأحزاب السياسية الفائزة، فهؤلاء يصعب تجمعيهم لتشكيل الكتلة الأكبر، أو أن من يجمعهم سيكون عرضة للمساومات

ولكي نخرج الكتلة الأكبر من هذه الأزمة التي تعاني منها، والتي على أساسها تتشكل الحكومات، فيمكننا وضع تصورات لحل أزمتها، والتي تتمثل بتعديل المادة (76) من الدستور، لتصبح: يكلف رئيس الجمهورية الحزب الفائز في الانتخابات بتشكيل الحكومة، ويكون هذا الحزب مشكلًا قبل الانتخابات لا بعدها، أو، وبما أن الانتخاب الفردي يعتبر مطلبًا للمحتجين، والذي اُعتمد أساسًا في قانون الانتخابات، يكلف رئيس الجمهورية النائب البرلماني الحاصل على أعلى الأصوات  في الانتخابات البرلمانية بتشكيل الحكومة وفي هذا المقترح مزايا كثيرة، منها: الحفاظ على النظام البرلماني القائم دون الحاجة إلى تغيير طبيعته بتحويله إلى النظام الرئاسي، كون الأول ملائمًا لطبيعة المجتمع العراقي وحدودهِ الجغرافية، وإبعاد رئيس الحكومة عن الضغوط السياسية، ومن ثمّ العامل الإقليمي، والدولي في عملية اختيار رئيس الحكومة.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

البناء يسعى إلى "الانتقام".. هل يمكن إقالة برهم صالح؟

"فخ" ترشيح الرئيس.. ديمقراطية الرفض ومخاطر الفرض