03-مارس-2021

يخشى الكاظمي من مصارحة العراقيين بالحقائق (فيسبوك)

يشهد العراق بين الحين والآخر وفقًا للتطورات السياسية والأمنية والاقتصادية، فضلًا عن الحراك الاحتجاجي المستمر وخاصة بالسنوات الأخيرة، تشكيل متكرّر للجان التحقيقية من قبل الحكومات المتعاقبة، إلا أنها باتت بمثابة الإجراء الروتيني في كل واقعة يُراد من خلالها امتصاص غضب الناس واحتواء طاقاتهم سواء في الشارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي. 

يقول أحد النشطاء إن كل اللجان التحقيقية التي تشكلت كانت بلا نتيجة مما ولّد انعدام ثقة واستياء كبيرين لدى الشارع

 هذه اللجان، وفي إحصائية أجراها "ألترا عراق" عام 2019، بلغ عددها قرابة 240 لجنة تحقيقية بقضايا مختلفة خلال سنوات قليلة، بيد أن العراق وتحديدًا بعد تشرين الأول/أكتوبر 2019 وخلال فترة التظاهرات التي اجتاحت البلاد ولغاية اليوم، حيث وقع آلاف الضحايا بين قتيل وجريح لم يمض أسبوع دون المطالبة أو التشكيل فعليًا للجنة تحقيقية بخصوص قضايا الفساد واغتيالات الناشطين وأعمال العنف وقصف البعثات الدبلوماسية وغيرها، إذ تجاوزت اللجان التي تشكلت خلال حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي 20 لجنة.  

اقرأ/ي أيضًا: تشكيل اللجان في العراق.. نتائج "وهمية" وحماية للفاسدين!

وأصدر المرصد العراقي لحقوق الإنسان في تشرين الثاني/نوفمبر 2020،  بيانًا اتهم فيه الحكومة الحالية بتجاهل محاسبة الجناة في أحداث دموية جرت في تظاهرات محافظة ذي قار آنذاك لـ"أسباب سياسية"، مبينًا أن "دماء العراقيين صارت ثمنًا لمشروع سياسي انتخابي تقوده أطراف حكومية".

 يأتي ذلك بعد تشكيل حكومة الكاظمي لجنة تحقيقية كان الهدف منها كشف قتلة المتظاهرين، والذي يعد الحدث الأبرز الذي أسقط رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي،  لكن وبالعودة إلى لجنة الكاظمي بخصوص كشف قتلة المتظاهرين، لم تظهر ملامح تحقيقاتها لغاية اليوم، ولم يكشف عن أي تطور فيها سوى التلميحات في المؤتمرات الصحفية لمجلس الوزراء بقرب الإفصاح عن النتائج،  يزيد الأمر عن ذلك ليصل ملف استهداف البعثات الدبلوماسية بصواريخ الكاتيوشا،  بالإضافة لقضايا الفساد المالي الكبيرة التي لا يعرف مصير أغلبها.

ويقول الناشط الحقوقي، علي المكدام، في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "اللجان التحقيقية التي تشكل من قبل هذه الحكومة تحديدًا وأقصد حكومة مصطفى الكاظمي هي لجان أشبه بالسراب، شخوص بلا عمل، رواتب بلا نتيجة، وأغلب شخوص هذه اللجان تشوبهم شبهات فساد، ولربما اسوأ من ذلك، بعضهم مسؤول بشكل مباشر أو غير مباشر عن مقتل العديد من المحتجين". 

 وأضاف المكدام، أن "كل اللجان التحقيقية التي شكلت بلا نتيجة مما ولّد انعدام ثقة واستياء كبيرين لدى الشارع من هذه السلطة، وعلى سبيل المثال لجنة التحقيق بمقتل هشام الهاشمي، ملاك الزيدي من النجف، اغتيال الناشط صلاح العراقي، اختطاف سجاد العراقي في الناصرية، تهديم مقر قناة الـmbc وحرق مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد، مجزرة الناصرية، جريمة الفرحاتية، أحداث الطارمية، الاعتداء على حملة الشهادات العليا في بغداد،  التحقيق بقضية القناص وقتلة المتظاهرين، ولجنة جرحى التظاهرات، والكثير الكثير من اللجان الأخرى التي يصدر مؤسسها الكاظمي وعودًا رنانة، والنتيجة صفر وكذب وتسويف وضحك على الذقون". 

 وتابع المكدام: "منطقيًا، رئيس كل هذه اللجان ومستشاريه ومنظومته الأمنية يعلمون علم اليقين بمن هو القاتل والجاني والمحرض والمحرك والمسؤول عن كل حدث وكارثة وقطرة دم، وكل العراقيين، والقاصي والداني يدركون ذلك، مستدركًا "لكن الواقع والمنطق يقول إن القاتل والجاني والمحرض والمحرك والمسؤول عن كل ذلك، هو أقوى من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وأقوى من دولته والقانون، وأقوى من المنظومة الأمنية برمتها التي هي في الأساس مخترقة من ذلك الوحش القوي الذي يخشى رئيس الوزراء الاعتراف بذلك ومصارحة العراقيين بالحقيقة". 

 يشار إلى أن آخر لجنة تحقيقية شكلها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي كانت في 27 شباط/فبراير الماضي 2021، حيث أعلنت عنها خلية الإعلام الأمني، برئاسة الفريق الركن باسم الطائي وعضوية عدد من كبار ضباط وزارتي الدفاع والداخلية والأمن الوطني للتحقيق بالأحداث التي حصلت في مدينة الناصرية خلال الأسبوعين الماضيين، والتي أدت إلى سقوط عدد من الضحايا في صفوف المتظاهرين والقوات الأمنية.

 بالمقابل يرى القيادي في الحزب الشيوعي العراقي، جاسم الحلفي، أن "الحكومات جميعها منذ التغيير ولغاية الآن، دائمًا ما تشكل اللجان التحقيقية الفارغة من المحتوى، حتى أصبحت موضع تندر الآن عند الناس وباتت عندما تسمع كلمة لجنة فأنها تفهمها بمعنى تسويف للقضية أو الموضوع". 

يقول قيادي في الحزب الشيوعي إن تشكيل وعمل اللجان يمثل المضي بنفس المسير الذي يهدم ما تبقى من هيبة الدولة المتمثلة بقراراتها

 ويقول الحلفي لـ"ألترا عراق"، إنه "لم يصدر من أي لجنة تقرير أو اتخاذ إجراء إطلاقًا منذ تشكيل أول لجنة وإلى اليوم، مبينًا "لذلك الناس فقدت المصداقية باللجان حتى صار صعب جدًا متابعة عددها لكثرة تشكيلها يوميًا بمختلف القضايا وصلاحياتها وتراكيبها وشخوصها، وعليه، فأنها وبصراحة أصبحت بمحل تندر سخيف كونه يقع ضمن خانة السخرية، ففي الوقت الذي تحتاج فيه السلطة لتعزيز المصداقية مع الشعب، وسد فجوة عدم الثقة الحاصلة لم تقم بتطبيق أي قرار وعدت به، وكان يفترض بالحكومة أن ترتبط قراراتها بالأفعال، وبناءً على هذا، فإن تشكيل وعمل اللجان يمثل المضي بنفس المسير الذي يهدم ما تبقى من هيبة الدولة المتمثلة بقراراتها".

اقرأ/ي أيضًا: دورة نيابية "محبطة".. هل يعرف العراقيون جميع البرلمانيين؟

لكن هناك من يرى أن تشكيل اللجان حالة صحية، ولكن غير الصحي هو عدم فاعليتها والمماطلة بتوضيح عملها ونتائجها، بحسب المتحدثة باسم ائتلاف النصر، آيات نوري، والتي تقول لـ"ألترا عراق"، إن "موضوع تشكيل اللجان أصبح سُنة في الواقع العراقي بسبب التماهل فيها وعدم تطبيق مخرجاتها في حال وجودها من الأساس،  كون لا يتم إعلانها غالبًا، وتبقى طي الكتمان ما يؤشر ضعف هذه اللجنة أو تلك، مشيرة إلى أن "تلك اللجان يجب الاعتماد فيها بالدرجة الأساس على شخصيات كفوءة قادرة على إنجاز مهامها بعيدًا عن الضغط".

والحديث عن اللجان التحقيقية في العراق بات مثيرًا للضحك والسخرية، بحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة، أياد العنبر، والذي يشير إلى السخرية التي تحدث من خلال تناقل أخبار اللجان في مواقع التواصل الاجتماعي حتى أصبح ـ بحسب رأيه ـ موضوعًا غير مهم ولا يمكن اعتباره بالشيء المؤثر. 

 ويقول العنبر لـ"ألترا عراق"، إنه "كان الأولى بالحكومة اتخاذ خطوات أكثر تأثيرًا بمختلف القضايا من اللجان التحقيقية، ويتمّ ذلك من خلال تفعيل الدور الرقابي، لافتًا إلى "ضرورة اللجوء للقضاء لحل تلك القضايا والتحقيق فيها أو أن يقدم له كل الوثائق الخاصة لتمثل أدلة واضحة تدين المتهمين"، فيما يتفق الباحث في الشأن السياسي حيدر البرزنجي حول ما طرح سابقًا،  لكنه حمّل البرلمان مسؤولية عدم مساءلة الحكومة عن نتائج اللجان التحقيقية وأبرزها اغتيالات الناشطين في التظاهرات"، موضحًا خلال حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "تحميل مجلس النواب هذا الفشل كون الحكومة خرجت من رحم البرلمان وهو مسؤول عنها لذلك لا عذر لفشله بهذا الجانب". 

 وتابع البرزنجي، أن "اللجان التحقيقية الحكومية هي تخضع للمصالح والضغوطات السياسية وبعضها تسوف حسب نتائجها، ومثال على ذلك؛ أكبر لجنة تحقيقية تشكلت بشأن سقوط الموصل عام 2014،  ولهذا، فإن اللجان تعد روتينية منذ سنوات وتوارثتها الحكومات عن بعضها لغاية الحال الذي وصلت عليه اليوم، مشيرًا إلى أن "التظاهرات الحالية واستمرارها رغم تغيير الحكومة والقرارات الكثيرة هي بسبب رئيسي يتمثل بهذه اللجان التي فشلت بكشف قتلة المتظاهرين والقوات التي مارست العنف والقنص ضدهم".

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

نتائجها تخفي الآمر و"القنّاص".. عبد المهدي ينفرد بمدح لجنته!

نتائج التحقيق بقتل المتظاهرين في واسط.. الأمن "كبش فداء" لتبرئة المحافظ!