أثارت نتائج التحقيقات التي أعلنتها اللجنة الخاصة بالتحقيق برئاسة وزير التخطيط نوري الدليمي، في قتل المتظاهرين عشية اندلاع انتفاضة تشرين، والتي راح ضحيتها نحو 150 شهيدًا و6000 جريح، ردود فعل لم تكن متباينة كثيرًا، إذ كان وقع استخدام الرصاص الحي ووجود القناص الذي يضرب المتظاهرين بالرأس والصدر، كبيرًا على المجتمع، فَلم تُرضي اللجنة جزءًا كبيرًا منه، عبّر عن امتعاضه وسخريته منها، فضلًا عن كتل سياسية وجهات مختصة في ذلك.
لم تستطع اللجنة إخفاء حقيقة الاستخدام المفرط للقوة والرصاص الحي ضد المتظاهرين لكنها عزت ذلك إلى عدم وجود ضبط النار
لم تستطع اللجنة أن تُخفي حقيقة الاستخدام المفرط للقوة، والعتاد الحي، من قبل القوات الأمنية ضد المتظاهرين، لكنها أعزت ذلك إلى عدم وجود "ضبط النار" من قبل المنتسبين، وهو ما أدى إلى حدوث خسائر بين المدنيين، كما تقول اللجنة التي أشارت إلى "ضعف القيادة والسيطرة لدى بعض القادة والآمرين وهو ما أدى إلى حدوث فوضى وإرباك وعدم سيطرة".
اقرأ/ي أيضًا: نتائج التحقيق بقتل المتظاهرين في واسط.. الأمن "كبش فداء" لتبرئة المحافظ!
كما أشارت اللجنة إلى قيام متظاهرين بحرق عدد من مؤسسات الدولة والممتلكات العامة والخاصة ومقرات الأحزاب "ما قاد حماياتها لفتح النار ووقوع المزيد من الإصابات"، متهمة قيام بعض المتظاهرين بـ"حمل قنابل المولوتوف ورميها باتجاه القوات الأمنية وحصول حالات رمي حي". ومن ذلك، فأنها توجه تُهمًا واضحة عن قيام عناصر حماية المقار الحزبية بقتل متظاهرين دون الإشارة لأسماء تلك المقار أو توصيات بالتحقيق معهم.
في تلك الأثناء، كانت الأخبار تأتي تباعًا عن محاصرة المتظاهرين لعدد من مقار الأحزاب وبيوت بعض المسؤولين، وشهدت محافظة الناصرية "إحراق مقرات أحزاب الفضيلة ودولة القانون وتيار الحكمة الوطني والحزب الشيوعي العراقي ومكتب النائب السابق خالد الأسدي في المحافظة". وهم متهمون جميعًا طالما لم تفصح اللجنة عن الجهة المُحددة التي فتحت النار على المتظاهرين حين حاصروا المقار الحزبية.
أشارت إحدى القنوات التلفزيونية في اليوم الخامس من التظاهرات إلى إصابة أحد حراس مقر منظمة بدر في الناصرية، متظاهرًا من الذين حاصروا المبنى. فيما قال أحد المتظاهرين لـ"ألترا عراق" إن "حراس أمن منظمة بدر فتحوا النار على المتظاهرين، بالإضافة إلى (قناص) في الطابق الثالث يُطلق على النار على المقتربين من المبنى".
إشارات "فضفاضة"
إشارات غير مفهومة أدرجتها اللجنة في توصياتها، حيث أشارت إلى "قيام البعض بمنع حركة عجلات الإسعاف من إخلاء الجرحى وقطع الطرق والرمي عليهم مما أدى إلى زيادة حالات الوفيات والإصابات الخطرة"، لكنها لم توضح الجهة التي يعود إليها هذا "البعض" الذي تسبب بتفاقم الأذى اللاحق بالمتظاهرين.
لا يُعرف حتى الآن لماذا خلا تقرير اللجنة رغم عملها قرابة أسبوعين من الإشارة إلى المواقع المتعددة للقناصين
فضلًا عن اتهام هيئة الإعلام والاتصالات بـ"عدم اتخاذ الإجراءات القانونية اتجاه القنوات الفضائية المحرّضة ومواقت التواصل الاجتماعي التي تبث الكراهية والعنف"، تأتي تلك التوصية مع قيام جماعات مسلحة غير معروفة باقتحام مقار قنوات فضائية وقطع خدمة الإنترنت أثناء التظاهر.
اقرأ/ي أيضًا: من غرفة "قمع" التظاهرات: 4 جهات رسمية تقاسمت أدوار القتل.. و"قناصة اللواء 57"!
إشارة أخرى لوجود "موقع للقنص في إحدى هياكل الأبنية المتروكة مقابل محطة الكيلاني، وعند الكشف عن الموقع عثر على عدة ظروف فارغة من عيار 5,56 ملم". ويعني ذلك أن القناص كان أمام المتظاهرين من مول النخيل حتى سريع محمد القاسم؛ لكن مقاطع فيديو أظهرت متظاهرين يتعرضون للقنص قرب وزارة النقل رغم اختبائهم خلف صبات كونكريتية تُغطيهم من "قناص الكيلاني"، ولا يُعرف حتى الآن لماذا خلا تقرير اللجنة رغم عملها قرابة أسبوعين من الإشارة إلى المواقع المتعددة للقناصين.
إعفاءات بالجملة
أوصى تقرير اللجنة المكلفة بالتحقيق في أحداث التظاهرات بإعفاء عدد غير قليل من القيادات الأمنية، كقائد عمليات بغداد ونائبه، وقادة شرطة بابل والناصرية والديوانية وميسان والنجف، وقائد الفرق 11 وقائد الفرقة الأولى من الشرطة الاتحادية وقائد عمليات الرافدين، وغيرهم من القيادات والضباط.
لكن الإعفاء بحد ذاته لا يُشير إلى المتسبب الرئيس بقتل المتظاهرين، خصوصًا وأن اللجنة أشارت إلى وجود عدم ضبط النار، وضعف قيادة وسيطرة على المنتسبين، كما ذُكر أعلاه، ما يعني أن عمليات القمع التي جرت لنحو أسبوع لم تكن سوى فوضى عسكرية، وليست أوامر مُباشرة، وهو ما لم يلقَ قبولًا في الأوساط الشعبية في مواقع التواصل الاجتماعي. وجرى بعد ذلك نقل ضباط برتب مختلفة بدلًا من القادة المعفيين بموافقة رئيس مجلس الوزراء.
رفض حزبي وشعبي
ردود الفعل الأولى على تقرير لجنة التحقيق بأحداث المتظاهرين لم تكن سارّة لعادل عبد المهدي، بالإضافة لمواقع التواصل الاجتماعي التي عجّت بالمنشورات الرافضة للتقرير، أعرب ائتلاف النصر بقيادة حيدر العبادي عن "خيبة أمله وتحفظه" على نتائج التحقيق الحكومية، مبينًا أن "التقرير أغفل توضيح الجهة المسؤولة عن القنص والتعمد بقتل المتظاهرين كما لم يشر للجهات التي هاجمت القنوات الفضائية وروعت الصحفيين ووسائل الإعلام والناشطين".
قال ائتلاف العبادي إن "الاستخدام المفرط للقوة وعدم وجود ضبط ناري والخسائر المؤسفة بأرواح المدنيين تتحمل مسؤوليته الجهات القيادية العليا".
أصدرت كتل سياسية بيانات تعبر عن "خيبة أمل" بسبب نتائج التحقيق الحكومية بقتل المتظاهرين فيما أشار بعضها إلى أن القمع المفرط تتحمل مسؤولياته الجهات القيادية العليا
بدوره أبدى تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم "تحفظه الكامل" على توصيات التقرير النهائي للجنة التحقيق بأحداث تظاهرات تشرين، معتبرًا التقرير "مخيب للآمل وليس بمستوى الانتهاكات ولم يلبِ طموح عوائل الشهداء".
اقرأ/ي أيضًا: واشنطن بوست: لماذا يتظاهر الشباب الشيعة ضدّ الحكومة الشيعية؟
قال تيار الحكمة في بيانه إن "التقرير أغفل واجب الحكومة في تحرك القيادات الأمنية والقائد العام طيلة هذه المدة لإيقاف القتل والقنص والاستهدافات رغم المعطيات الإعلامية والتقارير التي تصل على مدار الساعة، ولم يحدد الجهة التي أصدرت أوامر القنص والقتل والاعتداء"، مضيفًا أن "التقرير سكت عن مصير المعتقلين وما حل بهم وتجاهل خطورة استهداف المؤسسات الإعلامية"، خاتمًا بيانه باعتبار التقرير مخيبًا للآمال "ومثل تهاونًا بالقيم والأعراف وأصول بناء الدولة الحديثة".
حتى ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي، الذي كان داعمًا للحكومة منذ تشكيلها، لم يكن موقفه إيجابيًا من التحقيق الحكومي، إذ أصدر بيانًا عدّ فيه "التقرير المعد من اللجنة غامضًا وملتبسًا لأنه لم يستجب لتطلعاتنا لمعرفة مرتبكي هذه الأعمال الفظيعة".
دعا الائتلاف إلى "عدم اعتبار هذا التقرير المخيب للآمال نهاية لعملية التحقيق وإنما بداية لمزيد من التحقيقات لتسمية الأشياء بمسمياتها والابتعاد عن العموميات التي غيّبت الحقيقة".
على المستوى النيابي، اعتبرت لجنة حقوق الإنسان، التقرير الحكومي "مخيبًا للآمال" ولم يتمكن من الكشف للرأي العام عمن أصدر أوامر بقتل المدنيين والأمنيين، بحسب ما قاله رئيس اللجنة أرشد الصالحي في مؤتمر صحفي، الذي طالب بـ "تشكيل لجنة محايدة تتبنى وتتولى تقصي الحقائق في الأحداث التي أودت بحياة المتظاهرين وإنزال القصاص فيمن أحدث الفوضى بين أبناء الشعب".
بدوره، كرر المرصد العراقي لحقوق الإنسان اعتبار التقرير الحكومي "مخيبًا للآمال وفيه تغييب للحقائق، ولم ينصف الضحايا وابتعد عن تخشيص الجناة الحقيقيين".
رأى المرصد العراقي لحقوق الإنسان أن نتائج التحقيق بقتل المتظاهرين كانت مخيبة للآمال ولم تنصف الضحايا كما أنها ابتعدت عن تشخيص الجناة الحقيقيين
وتساءل المرصد: "كيف للضباط المتهمين أن يستمروا بإطلاق الرصاص الحي دون أن يوقف قادتهم"، مبينًا أنه " لا يُمكن تصديق ما جاء في التقرير لعدم تعزيزه بالأدلة".
عبد المهدي ينفرد بمدح لجنته
قبيل أربعة أيام من إعلان النتائج، قال مكتب رئيس الوزراء في بيان إن "رئيس الوزراء اطلع على آخر النتائج التي توصلت إليها اللجنة التحقيقية خلال اجتماع مع اللجنة العليا للتحقيق"، مؤكدًا أنه "جرى مناقشة التقارير وإبداء الملاحظات والتوصيات اللازمة ليتم رفعها بشكلها النهائي إلى عبد المهدي"، ما يضع القائد العام للقوات المسلحة في الصورة تمامًا.
اقرأ/ي أيضًا: رويترز: ميليشيات إيران وراء إجرام القناصين في العراق!
قبل إعلان النتائج بساعات، استبق المتحدث باسم رئيس الوزراء، سعد الحديثي، ردود الفعل حول النتائج، وبيّن أن "اللجنة شكلت بعمل مهني وحرفي لاعتبارات مهنية خالصة وليس هناك دور للأحزاب السياسية".
حتى ظهر عادل عب المهدي خلال مشاركته بتشييع اللواء علي اللامي في مقر قيادة الشرطة الاتحادية، وقال إن تقرير التحقيق التظاهرات "مهني وعالي المستوى وشاركت به جهات مختلفة". وبذلك، يكون عبد المهدي ومكتبه والناطق باسمه قد انفردوا في تأييد نتائج لجنة التحقيق.
مثالان من "تدوير" القادة
خلصت لجنة التحقيق في أحداث التظاهرات إلى التوصية بإعفاء العديد من القيادات الأمنية، ومن الجدير بالذكر أن أحد المعفيين هو قائد شرطة محافظة واسط، اللواء علاء غريب الزبيدي، الذي تم تكليفه بهذا المنصب في الرابع من تموز/يوليو 2019، وهو المُتهم ـ بحسب مجلس محافظة النجف ـ بالتخاذل وعدم أخذ الدور الحقيقي في الأحداث الدامية التي شهدتها محافظة النجف في أيار/مايو من نفس العام، حين كان غريب قائدًا لشرطة النجف، وقد أثيرت انتقادات أخرى على غريب بعد اعتقال "علوش جرمانة" المُتهم بالإساءة لأحد الأئمة. ويرى مراقبون أن عملية تدوير القادة التي جرت في حالة علاء غريب قد لا تختلف هذه المرة./
بعد توصية لجنة التحقيق ومصادقة رئيس الوزراء، تم إعفاء قائد شرطة محافظة ميسان اللواء ظافر عبد راضي، الذي تسلم مهامه خلفًائ للعميد نزار موهي ورويوش في منتصف كانون الثاني/يناير 2018.
مصدر لـ"ألترا عراق": السبب الحقيقي وراء إعفاء قائد شرطة ميسان لم يكن قتل المتظاهرين بل رفضه إعطاء أوامر القتل ووقوفه ضد "منظمة بدر"
مصدر مقرّب من عبد راضي كشفت لـ "ألترا عراق" أن السبب الحقيقي وراء إعفاء قائد شرطة ميسان لم يكن قتل المتظاهرين، بل رفضه إعطاء أوامر بالقتل، ووقوفه ضد منظمة بدر. ويقول المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه إن "قائد شرطة ميسان الجديد البديل للواء ظافر تابع لمنظمة بدر".
ولم يتم حتى الآن الإعلان رسميًا عن بديل اللواء المعفي من مهام قيادة شرطة محافظة ميسان التي شهدت أحداث عنف وقتل للمتظاهرين أعقاب احتجاجات تشرين.
اقرأ/ي أيضًا:
متظاهرون يعاملون كـ"داعش".. ماذا تعرف عن "البو عزيزي" في واسط؟