12-سبتمبر-2019

لم تحقق اللجان التي شكلت في العراق النتائج التي كانت بحجم ما شكلت لأجله (فيسبوك)

كل حادثة في العراق، ينتظر الناس قبالتها تشكيل لجنة من الجهات المعنية، منذ 2003 وإلى اليوم، لجان تتعلّق بالفساد المالي والإداري والانتهاكات والحوادث الإرهابية والإجرامية، وهي خطوات يراها مراقبون تعمل على إسكات الرأي العام الذي يهتز لهذه الحوادث، سواء عبر السوشيال ميديا، أو غيرها، فيما يعتبر تشكيل هذه اللجان من بوّابات الفساد، إذ أنها لم تخرج بنتائج تكون بحجم الحوادث التي شكّلت بسببها. 

في إحصائية سريعة أجراها "ألترا عراق"، أن الحكومة العراقية قامت بتشكيل ما يقارب 240 لجنة للتحقيق بقضايا مختلفة على مدار سنوات قليلة مضت

تساؤلات كثيرة تدور حول طبيعة اللجان الحكومية والبرلمانية، وعن أعضاء تلك اللجان، كونها تشترك بعدم وضوحها في تقديم ما توصلت إليه من حقائق وبقاء أعمالها غير معلنة بشكل واضح ومهني، وإخفاء النتائج والامتناع عن كشفها للعَلن ليكون المواطن والشارع العراقي على دراية بما يدور من خلف كواليس الوعود الحكومية.

اقرأ/ي أيضًا: استكمال اللجان النيابية: هل حُسم صراع سائرون ودولة القانون؟

وفي إحصائية سريعة أجراها "ألترا عراق"، أن الحكومة العراقية قامت بتشكيل ما يقارب 240 لجنة للتحقيق بقضايا مختلفة على مدار سنوات قليلة مضت، ومن أبرز تلك اللجان التي شكلت، لجنة تحقيق حول تفجيرات الكرادة، والذي راح ضحيتها 324 شخصًا، ولجنة بخصوص استيراد أجهزة كشف المتفجرات، وكارثة نفوق الأسماك، والاغتيالات التي طالت مجموعة من المثقفين، والمشاهير، والناشطات العراقيات من النساء خلال عام 2018،  مرورًا بحرق صناديق الاقتراع، وقتل عشرات المتظاهرين في البصرة، وصفقة السلاح الأوكراني، ولجنة لكشف ملابسات الحريق الذي نشب في دار المشردات التابع لدائرة الإصلاح العراقية... الخ.

إنها لجان لم تحقق شيئًا، يقول الخبير القانوني، طارق حرب، ويضيف لـ"ألترا عراق"، أن "موضوع اللجان التحقيقية، سواء اللجان التي شكلها البرلمان، أو لجان شكلها مجلس الوزراء، أو رئيس الوزراء، لجان لم تحقق شيئًا، لا بل لم تقف على الحقيقة الحاصلة، لأن اللجان غالبًا تكون محكومة بالتأثيرات السياسية، وبصرف النظر عن الموضوع الذي تشكل اللجنة فيه".

يعتبر المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، هو أعلى لجنة تحقيقية، لكون رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، هو من يرأس هذه اللجنة، ويضم في العضوية، النزاهة وديوان الرقابة المالية والإشراف القضائي والادعاء العام، لكنه لم يصل إلى نتيجة، بحسب حرب الذي بيّن أن "الفساد المالي والإداري وإساءة استعمال السلطة، واستغلال نفوذ الوظيفة، كان مصيرها كمصير اللجان السابقة، مضيفًا أن "الجهات هي أعلى أجهزة مهمتها القضاء على الفساد ومكافحته".

وحول النتائج التي تتوصل إليها هذه اللجان ومنها المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، يقول حرب، "لم نجد أن هذا المجلس حقق نتائج كبيرة في مكافحة الفساد، وهذا ما يمكن قوله حتى على لجنة النزاهة في البرلمان، لافتًا إلى أنها "نتائج متواضعة، لا تتناسب والمدى الذي وصله الفساد المالي والإداري" .

طارق حرب: لم نجد أن المجلس الأعلى لمكافحة الفساد حقق نتائج كبيرة في مكافحة الفساد، وهذا ما يمكن قوله حتى على لجنة النزاهة في البرلمان

ومما يظهر للعلن، فأن هذه اللجان لم تسجل أي إجراءات قانونية، أو تقدم تعويضات، أو تقوم بمحاسبة المتورطين وتضعهم بين يدي العدالة، لينالوا جزاءهم كما يعلن أول مرة عنها، حيث كشفت مصادر سياسية كثيرة عن تورط كبار المسؤولين العراقيين في تلك القضايا، مرجعين إغلاق الملفات التحقيقية من قبل اللجان إلى نفوذ هذه الشخصيات، كما أن الشخوص التي تتولى مهام التحقيق بهذه اللجان لا تكون مختصة بالأساليب والآليات القانونية لسير التحقيق والتقصي.

اقرأ/ي أيضًا: مستشارون بلا قانون يتكدسون في مكاتب فخمة.. ماذا يفعلون؟!

في حديثه لـ"ألترا عراق"، يعتقد الكاتب عمر الجنابي، أن غياب العمل المؤسساتي والرقابة الحقيقية، وتتبع عمل اللجان من قبل القضاء والجهات المعنية، أدى إلى تحويل تلك اللجان إلى حلقة من حلقات الفساد والتلاعب، وركن ملفات التحقيقات بكل دورة نيابية على الرف، وعدم متابعتها من قبل البرلمان في الدورات اللاحقة، مؤكدًا أن "هذه اللجان وقتية، ويمكن المماطلة بها لحين انتهاء الأربع سنوات، لتأتي الوجوه الأخرى وتنشغل بقضايا جديدة".

فيما يختلف عضو اللجنة القانونية النيابية، محمد الغزي، مع الجنابي، حيث يقول إن "اللجان التحقيقية تشكل لموضوع محدد بالذات، وتقدم تقريرها إلى مجلس النواب في وقت محدد، ولا توجد لجان تحقيقية لم تكمل تحقيقها على مستوى تقصي حقائق"، مضيفًا "لا توجد لجان تحقيقية من الدورات السابقة، وجميع اللجان التي شكلتها الحكومة ظهرت نتائجها، وخصوصًا على مستوى مكافحة الفساد".

أشار الغزي إلى أن "لجنة تقصي الموصل أكملت تقريرها وقدمته للقضاء والنزاهة، واتخذت إجراءات بحق بعضهم"، لافتًا إلى أن "حكومة عادل عبد المهدي شكلت بحدود خمس لجان تحقيقية وتقصي حقائق، وأكملت تقريرها، ومنها حادثة العبارة في الموصل، وعلى ضوئها تمّت إقالة محافظ الموصل".

لكن عمر الجنابي يرى أن اللجان التحقيقية في العراق أشبه بالوحش الذي تخيف به الأم أطفالها، وسرعان ما يكتشف الأطفال أن الأم لا تريد القسوة عليهم، والوحش ضرب من الخيال، لن ولَم يأتِ، كذلك لجان التحقيق ونتائجها، يقول الجنابي إن "الفاسدين والمجرمين في العراق يدركون جيدًا، أن لجان التحقيق ما هي إلا حيلة على القانون ووسيلة للتلاعب بالرأي العام والمعنيين".

الجنابي: اللجان التحقيقية في العراق أشبه بالوحش الذي تخيف به الأم أطفالها، وسرعان ما يكتشف الأطفال أن الأم لا تريد القسوة عليهم

الحكومات المتعاقبة ما بعد الاحتلال الأمريكي، ودورات مجلس النواب، لم يفلحوا بمحاسبة المقصرين والمدانين بلجنة تحقيقية واحدة، بالرغم من وجود صفقات فساد هائلة وأدلة دامغة على تورط كبار المسؤولين في صفقات السلاح والأدوية على سبيل المثال، بحسب الجنابي، الذي أشار إلى أن "القضاء عجز عن محاسبة أي منهم بسبب وجود صفقات سياسية وحماية حزبية للفاسدين".

اقرأ/ي أيضًا: أداء مجلس النواب.. أكثر من ثلث أعضاء البرلمان لا يحضرون جلساته!

أضاف الجنابي "لعل اللجان التحقيقية في الفترة الأخيرة، وخصوصًا تلك المتعلقة بسقوط الموصل بيد "داعش"، بالإضافة إلى المغيبين قسرًا، وغرق الأموال، خير دليل على الفشل الذريع في محاسبة المذنبين، ما يعني أن تلك اللجان ما هي إلا أسلوب تسويفي لذر الرماد في العيون".

وفي تموز/يوليو الماضي، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، إدراج أربع شخصيات عراقية على قائمة عقوبات تشمل التحفظ على أصول أموالهم في الخارج، من بينهم أحمد الجبوري "أبو مازن" القيادي في تحالف، ونوفل العاكوب المحافظ السابق، وريان الكلدني زعيم "ميليشيا" بابليون التي تنشط في محافظة نينوى، ووعد القدو، الشبكي والقيادي في ميلشيا أخرى ترتبط بمنظمة بدر وتتحرك في نينوى أيضًا. حيث شملتهما العقوبات بتهم ارتكاب "انتهاكات لحقوق الإنسان"، على حد تعبير الوزارة الأمريكية، الأمر الذي رآه الجنابي أن "هذه العقوبات ضربة كبيرة للدور الرقابي والقضائي في العراق، وصفعة للجان المعنية بالتحقيق في قضايا الفساد المالي وكذلك دعم الاٍرهاب".

ولتطوير عمل اللجان والخروج بجدوى في عملها، فأن الادعاء العام، لا بدّ أن يكون طرفًا في جميع اللجان التحقيقية لضمان وصول ملفات التحقيقات إلى القضاء بالسرعة الممكنة دون الخضوع للضغوطات والتلاعب السياسي، بحسب الجنابي الذي رأى أن عمل اللجان بالوضع الراهن وبهذه الطرق سوف يجعلها واحدة من أبواب الابتعاد عن إدانة الجريمة ومحاسبة المقصر.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

لصاحبها "أبو مازن".. الصناعة: وزارة للإيجار وإنتاج "ذاتي" من الصين!

20 قصة فساد.. كيف ضاعت 500 مليار دولار في العراق؟