20-يونيو-2020

الاستقطاعات من رواتب الرئاسات الثلاثة والدرجات الخاصة لا تشكل أرقامًا كبيرة (Getty)

ألترا عراق ـ فريق التحرير 

رهنت حكومات ما بعد 2003 الوضع الاقتصادي للبلاد بسعر النفط، فالميزانية التي لم تُقر لغاية الآن، تعتمد بنسبة تتجاوز الـ 90 % على الذهب الأسود، فيما يُقدر العجز فيها بـ40 ترليون دولار، ومع أولى علامات الإرباك في سوق النفط العالمي، دخل الاقتصاد العراقي منطقة الخطر، وأولى المعالجات التي بدأ الحديث عنها هي تخفيض رواتب الموظفين البالغة نحو 3 ونصف مليار دولار شهريًا بواقع نحو 7 مليون موظف.

  يرجح الخبير النفطي حمزة الجواهري، وصول أسعار النفط مطلع العام المقبل لـ 50 دولارًا

لكن شيئًا من التعافي بدأ واضحًا على أسعار النفط بعد عودة الحياة تدريجًا إلى بلدان كثيرة تجاوزت أزمة فيروس كورونا، بالرغم من أنه لم ينعكس على خطاب الحكومة ولا النقاشات الجارية في الكواليس، بحسب سياسيين، فيما لا زالت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تنعى الخزينة الفارغة التي تركها سلفه عادل عبدالمهدي.

اقرأ/ي أيضًا: الأزمة المالية.. جولة مباحثات دولية ورئيس البنك الإيراني في بغداد

ويرجح الخبير النفطي حمزة الجواهري، وصول أسعار النفط مطلع العام المقبل لـ 50 دولارًا، لكنه يرى ضرورة وضع تسعير البرميل في مشروع قانون الموازنة بـ20 دولارًا، لإجبار الحكومة على تفعيل القطاعات الاقتصادية الأخرى  لتعظيم موارد البلاد المالية.

ويرهن الجواهري خلال حديثه لـ"ألترا عراق" ارتفاع أسعار النفط بـ"عودة الحياة الطبيعية إلى دول العالم بعد أزمة فيروس كورونا، خاصة البلدان التي يرتبط بها سوق النفط العراقي، مثل دول شرق آسيا، والتي تشتري أكثر من 50% من النفط العراقي".

تهويل وعدم معرفة

يعتبر الخبير الاقتصادي عبدالرحمن المشهداني التباين في أسعار النفط "تقلبًا نتيجة عدم ثباته وهو يقترب من الـ40 دولارًا للبرميل"، مبينًا أن "تقديرات الموازنات السابقة منذ 2013 تعتمد سعر النفط بـ56 دولارًا للبرميل الواحد، لسد نفقات الموازنة العامة الرواتب والأجور بالدرجة الأساس".

ويعتقد المشهداني خلال حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "المتحدثين في الإعلام عن الأزمة المالية ومآلاتها من سياسيين وبرلمانيين ليسوا على علم بالتفاصيل الدقيقة للوضع، وكثير من التصريحات يتخللها التناقض الواضح للشخص الواحد خلال لقائين منفصلين"، معتبرًا أن "الرعب والمخاوف التي يشهدها السوق بسبب الحديث بطريقة تهويلية عن الأزمة المالية".

ويعلل المشهداني عدم وجود تصور دقيق لدى الكثير من المسؤولين عن الوضع المالي للبلد بـ"عدم شفافية الحكومات السابقة في عرض الأرقام"، موضحًا أن "محاولة معرفة الديون الداخلية أو الخارجية من خلال الموقع الرسمي للمؤسسات المعنية، مثل وزارة المالية أو البنك المركزي، أو ديوان الرقابة أو وزارة التخطيط، لا تجد الأرقام متطابقة ولا حتى متقاربة بين المؤسسات المذكورة".

عمل صامت.. إجراءات شعبوية

لم تكن الأزمة المالية جديدة نتيجة انخفاض أسعار النفط، فحكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي شهدت أزمة هي الأخرى، إذ باعت النفط دون الـ20 دولارًا، بالتزامن مع عمليات تحرير المحافظات التي سيطر عليها تنظيم داعش أواخر حكومة سلفه نوري المالكي والتي استنزفت 100 مليار دولار، ما يجعل اقتصاديين يرون أن أزمة العبادي أشد وأصعب مقارنة بالحالية.

 يعتقد خبير اقتصادي أن الاستقطاعات من رواتب الرئاسات الثلاثة والدرجات الخاصة التي باشرت الحكومة بها لا تشكل أرقامًا كبيرة مهما بلغت نسبتها

ويصف المشهداني إجراءات حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي أثناء الأزمة الاقتصادية بـ"الصامتة"، مبينًا أن "حكومة العبادي حجمت ثم غيرت وزير المالية وقتها هوشيار زيباري بعد تصريحه بعدم قدرة الحكومة على تأمين رواتب الموظفين، ولجأت إلى العمل بصمت، إذ اقترضت من البنك المركزي ومن مصارف أخرى، وتجاوزت الأزمة بالرغم من الحرب على تنظيم داعش التي استنزفت 100 مليار دولار".

اقرأ/ي أيضًا: بين إلغائها واقتصارها على "التشغيلية".. موازنة مهددة واقتراض جديد

وحول الاستقطاعات من رواتب الرئاسات الثلاثة والدرجات الخاصة التي باشرت الحكومة بها، يرى المشهداني أنها لا تشكل أرقامًا كبيرة، مهما بلغت نسبتها، ويقول إن "المبالغ التي توفرها تلك الاستقطاعات لا تصل في أحسن الأحوال إلى 4 ترليون، وهي موزعة على أشهر السنة ولا يتم استيفائها آنيًا"، واصفًا الإجراء بـ"بالاعتباري لكسب الجمهور وتهدئته، خاصة في ظل وجود الاحتجاجات والحديث عن الفساد، إذ تبلغ جميع تخصيصات الرئاسات الثلاثة بدءًا من راتب رئيس الجمهورية وصولًا لحمايات النواب 881 مليار دينار في السنة، فيما تحتاج الحكومة نحو 7 ترليون لتأمين النفقات المطلوبة، ويمكن ضغطها إلى 5 ترليون".

وتابع المشهداني "لجأ الكاظمي إلى التفتيش بالملفات المالية للوزارت، إذ توجد عليها سلف غير مسددة، وتبلغ قيمتها منذ 2004 إلى 2018، وتبلغ قيمها نحو 112 ترليون"، مبينًا "يجب تدقيق تلك الملفات وطلب وصولات الصرف وإعادة غير المصروف منها إلى الخزينة"، ويفترض المشهداني جدلًا أن "نصف تلك السلف صرف على مشاريع وربع فساد، فهناك ربع موجود في حسابات الدوائر لدى المصارف المتعددة، مؤكدًا أن "الفرق التفتيشية التي أمر بتشكيلها الكاظمي مع مصارف (الرافدين، الرشيد، TBI) أعادت في الشهر الماضي نحو 6 ترليون والتي ساعدت في تأمين رواتب الشهر الماضي".

مساندة برلمانية!

من جهة أخرى، يعتقد المشهداني بوجود إشكالية كبيرة لدى الحكومة جراء عدم إقرار الموازنة، ومن المفترض أن تقدم موازنة طوارئ لما تبقى من السنة، مرجحًا وجود خلافات بين البرلمان والحكومة حول إمكانية تمرير الموازنة، خاصة بعد بدء البرلمان الضغط على الكاظمي.

ويرى المشهداني أن "تجاوز الأزمة مرهون بموافقة البرلمان على الاقتراض الداخلي والخارجي، بعد قانون الإدارة المالية والقرارات التي اتخذها على الحكومة السابقة عندما منعها من الاقتراض بدون موافقة البرلمان، مبينًا أن "العبادي تجاوز الأزمة نتيجة مؤازرة البرلمان له أثناء معارك التحرير لأن يده كانت مطلقة بالاقتراض الداخلي والخارجي، وهو لم يقترض أكثر من 5 مليار دولار من الخارج، فيما اقترض من البنك المركزي 21 ترليون دينار، و15 ترليون من مصارف (الرافدين، الرشيد، TBI) بالإضافة إلى 7 ترليون من هيئة التقاعد".

بدوره، يستبعد عضو المالية النيابية أحمد حمه، إقرار أي موازنة خارج القوانين النافذة، إذ يحدد قانون الإدارة المالية منتصف شهر آيار/مايو من العام موعدًا لإعداد موازنة العام، مبينًا أن "وزارة المالية حاليًا عاكفة على إعداد موازنة عام 2021".

عضو اللجنة المالية: إعداد موازنة 2020 وفقًا للأسعار الحالية للنفط سيجعل العجز فيها أكثر من 80  ترليون دينار

أضاف حمه خلال حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "إعداد موازنة 2020 وفقًا للأسعار الحالية للنفط سيجعل عجز الموازنة أكثر من 80  ترليون دينار، وهذا يخاف النص القانون الذي يشترط أن لا يتجاوز العجز 3% من الناتج القومي الإجمالي"، لافتًا إلى أن "تلك العوامل تمنع إقرار موازنة 2020، ما يحتم على الحكومة إنجاز موازنة 2021 لتكون جاهزة في شهر تشرين الأول/أكتوبر أمام البرلمان".

اقرأ/ي أيضًا: أزمة الرواتب.. هل تنجح الحكومة في "اقتحام" ملف "الوظائف الوهمية"؟

وحول الاقتراض الداخلي والخارجي رجح حمه "الموافقة على الاقتراض الداخلي وبنطاق ضيق خلال الجلسات المقبلة للبرلمان"، موضحًا أن "أكثرية أعضاء اللجنة المالية، يوافقون الاقتراض على أن لا يكون بحرية مطلقة ويتم تحديد سقف الاقتراض".

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الرابحون والخاسرون من انخفاض النفط.. رواتب العراقيين ودينارهم في خطر

مستشار رئيس الوزراء: هناك مشكلة كبيرة في تأمين رواتب حزيران