22-سبتمبر-2021

ما جرى في تشرين الأول 2019 لم يكن مجرد تظاهرات مطلبية (Getty)

ستكون انتخابات العاشر من تشرين الأول 2021 القادمة، إن جرت في موعدها ولم تؤجل، انتخابات تثبيت وإعادة تجديد للمواقع التي تشغلها القوى السياسية النافذة حاليًا، مع هامشٍ طفيف يغيّر حجوم بعض الكتل لصالح أخرى، وصعود نوّاب مستقلّين، سرعان ما سيجدون أنفسهم في بازار سياسي، وعلى الأغلب سيتّجه غالبية أولئك الذين أعلنوا أنفسهم مستقلين عشية الدخول للانتخابات، ليكونوا لاحقًا جزءًا من الكتل الكبيرة في البرلمان.

الانتخابات القادمة لا توحي بأن النخبة السياسية فهمت رسالة احتجاجات تشرين ففضّلت أن تذهب بالانسداد السياسي إلى منتهاه

شخصيًا، أتمنى مخلصًا ومن كلّ قلبي أن تحدث مفاجآت تغيّر الحسابات السياسية كلّها، ولكنها للأسف أمنية تشبه أمنية فوزي باليانصيب، لا تبدو واقعية وهامش تحقّقها ضئيل جدًا.

اقرأ/ي أيضًا: دون حق في اختيار الحكومة.. ماذا يعني وجود مئات المرشحين "المستقلين"؟

كانت هناك أمنيات أكثر واقعية، ولربما توهّمنا لبرهة من الزمن أنها ممكنة التحقّق، مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في تشرين الأول 2019.

ليس واقعيًا طبعًا أن تنفّذ الحكومة، أي حكومة كانت، كل مطالب المتظاهرين، وأن تبقى هذه الحكومة بانتظار التظاهرات القادمة كي تعرف ما هي خطّتها اللاحقة، وما يجب عليها أن تشرع بتنفيذه كأولوية حكومية، ولكن ما جرى في تشرين الأول 2019 لم يكن مجرد تظاهرات مطلبية، يمكن التحجّج بأن تحقيق بعض مطالبها يحتاج إلى خطط طويلة الأمد وجهود لوجستية وتوافقات سياسية وما إلى ذلك، وإنما كان استفتاءً شعبيًا باهرًا، وغير مسبوق على صلاحية النظام السياسي القائم، وأنه انتهى، وعلى النخب السياسية التفكير الجدّي بتجديده.

الانتخابات القادمة لا توحي بأن النخبة السياسية فهمت رسالة احتجاجات تشرين، ففضّلت أن تذهب بالانسداد السياسي إلى منتهاه، وربما تصوّرت أن القمع والقتل والترهيب والخطف والتهجير قد أنهى المأزق الذي هم فيه، وأن انفضاض الساحات بمن فيها ينهي أصل المشكلة.

لم يكن مطلوبًا من الساحات أن تبقى مشغولة بالمتظاهرين إلى الأبد، وقد أخذت تظاهرات تشرين وقتًا أكثر من كافٍ لإيصال رسائل المحتجين إلى الطبقة السياسية والمجتمع الدولي وكلّ العالم. ولكن النظام السياسي الذي وصف أقطابه وزعماؤه هذه التظاهرات بالمؤامرة بعد بضعة أيام من اندلاعها، لا يبدو أنه سمع شيئًا.

كانت احتجاجات تشرين خارج المنظومة السياسية، لذلك مثّلت خرقًا غير مسبوق للعرف السياسي القائم منذ 2003، فكلّ جولات الاحتجاج السابقة كانت مؤطرة سياسيًا بشكل صريح أو مضمر، ومن ضمنها احتجاجات المناطق الغربية أو ما يُعرف بـ"احتجاجات السنّة"، وكان التيار الصدري حاضرًا بشكل صريح أو متواري خلف واجهات الاحتجاج المدني في جولات التظاهر حتى 2018. بل أن احتجاجات 2019 ظلت تفهم في الشهرين الأولين على أنها محمية من التيار الصدري، وأنها وسيلة ضغط غير مباشرة يستثمرها الصدريون لإعادة التفاوض مع كتلة الفتح. ثم اتضح أنها أكبر من قدرة الصدريين على السيطرة عليها، وأنها تمثل احتجاجًا على النظام السياسيّ كلّه.

أكرّر مرّة أخرى؛ لم يكن مطلوبًا من الحكومة "حكومة عبد المهدي ثم الحكومة التي ورثتها" أو القوى المتنفّذة التي تدير هذه الحكومة من الكواليس، أن تحقّق مطالب المتظاهرين بشكل فوري، فكيف تنفّذ مثلاً مضمون شعار صادح مثل "الشعب يريد إسقاط النظام". كان عليها، لا أكثر، أن تدير الأزمة بحكمة. ولا تواجه المتظاهرين بالعنف، وتترك الناس تعبّر عن غضبها وحنقها ويأسها بالوسائل السلمية، ولا ترمي حطبًا أكثر في نار الغضب الشعبي، وهذا للأسف ما حصل مع الإعدامات الميدانية والأعداد الكبيرة التي سقطت، والتي فاجأت كل المراقبين، من ضحايا وجرحى ومعاقين، وكلّ ذلك جرى في بضعة أيام ليس إلا. الأمر الذي كشف بوضوح عن رعب النظام، وشعوره بالتهديد، فهذه التظاهرات ليست مؤطرة سياسيًا، وليست انعكاسًا لصراع أجنحة النظام مع بعضها البعض الآخر، وإنما هي تظاهرات تمثّل رأي الشعب بالنظام السياسي كلّه.

بسرعة وضع النظام السياسي نفسه في مواجهة مع الشعب، وعزل نفسه أكثر، وبدل أن يحاول التجاوب مع المشكلة الأولى التي مثّلتها جموع الشباب الذين ملأوا ساحات التظاهر، خلقوا مشكلة جديدة بهذا الدم المسفوح في الساحات والذي لطّخ ملابس المسعفين والأعلام العراقية ولطّخ مواقع التواصل وشاشات الفضائيات على مدى أسابيع، بما يشبه حربًا أهلية، أو عملية نحر مرعبة تنفّذها السلطة ضد شعبها.

ليس دقيقًا تعليق المشكلة كلّها على مشجب الميليشيات و"جماعات السلاح المنفلت" كما يتم ترويجه في وسائل الإعلام، إنه ذنب النظام السياسي كلّه، الذي رضي بهذه الأعمال الإجرامية ثم لم يجر أي مراجعة جديّة على مدى عامين، ولم يحاسب أحدًا ولم يقدّم القتلة إلى المحاكمة، بل على العكس تماسك على نفسه، ميليشيات وجماعات سلاح منفلت وقوى سياسية ودينية وكلّ جزيئة في هذا النظام، ليكون صفًا واحدًا ضد أي أصبع يرفع ضدّه من قبل المجتمع.

النظام السياسي الذي وصف أقطابه وزعماؤه احتجاجات تشرين بالمؤامرة بعد بضعة أيام من اندلاعها، لا يبدو أنه سمع شيئًا

ثم ها هو يأتي لينزل ببوستراته وملصقاته في الشوارع ليطلب تزكية من المجتمع لإعادة تثبيت مواقعه في السلطة عبر الانتخابات. وكأن ما من مشكلة حصلت، ولا دماء سفحت، ولا كرمة لمواطن وبلد أهدرت. وكأننا بلا ذاكرة ولا وعي ولا شعور. وكأن انتخابات تشرين 2021 هي انتخابات تشرين حقًّا!

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الانتخابات والتوقعات.. هل تكتمل خيبة الأمل؟

تنظيمات ما بعد تشرين: من المقاطعة إلى الممارسة