21-مارس-2020

نفذت الولايات المتحدة الأمريكية في آذار/مارس 2003 أولى غاراتها الجوية ببغداد (فيسبوك)

في مثل هذه الأيام من العام 2003، نفذ التحالف بقيادة الولايات المتحدة غارات جوية على العاصمة العراقية بغداد، معلنًا بداية معركة احتلال العراق، والتي سُميت كذلك "معركة الحواسم" و"حرب تحرير العراق" و"الخليج الثالثة".

 نفذت الولايات المتحدة الأمريكية غاراتها الجوية على العاصمة العراقية بغداد في آذار/مارس 2003 معلنةً معركة احتلال العراق

جرى تحشيد أمريكي/بريطاني على العراق منذ سنوات قبل شن الحرب بزعم أن الأخير يمتلك أسلحة دمار شامل، ورغم الحصار الذي فُرض على العراق بعد غزوه الكويت، لكن الأمر لم يقف على محاصرة نظام صدام حسين اقتصاديًا وعسكريًا، بل تشكلت في 17 كانون الأول/ديسمبر 1999 لجنة للرصد والمراقبة والتفتيش بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1284 "للتحقق من وفاء العراق بالتزاماته بنزع السلاح بعد حرب الخليج"، بعد عام من توقف عمليات التفتيش أثر عمليات القصف التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على العراق عام 1998.

مبررات الحرب

توزعت التهم الموجهة للنظام العراقي بين امتلاكه أسلحة بيولوجية وبرنامجًا لتطوير السلاح النووي والتعاون مع تنظيم القاعدة، لخّص ذلك الرئيس الأمريكي جورج بوش قبل الغزو بالقول: "يواصل العراق إبراز عدائه لأمريكا ويدعم الإرهاب. خطّط النظام العراقي على مدار عقود لتطوير جمرة خبيثة وغاز الأعصاب وأسلحة نووية".

 

 

وقبل عام من الغزو، وصف رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، نظام صدام حسين بـ"الحقير" الذي يطور أسلحة الدمار الشامل، وأضاف: "إنه تهديد لشعبه ولنا أيضًا إذا أتيح له تطوير مثل هذه الأسلحة".

في أيلول/سبتمبر 2002، استبق بلير قرار مجلس الأمن بتوقعه أن "صدام سيبذل ما في وسعه لإخفاء أسلحته من مفتشي الامم المتحدة"، مشددًا على أن "ما أثبتته التقارير الأمنية بما لا يدع مجالًا للشك هو أن صدام استمر في إنتاج الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية والنووية، كما تمكّن من إطالة مدى صواريخه البالستية".

فيما ذهب وزير الدفاع الأمريكي آنذاك دونالد رامفسيلد إلى أبعد من ذلك حين حدد مكان أسلحة الدمار الشامل، في المنطقة "حول تكريت وبغداد وشرقها وغربها وجنوبها وشمالها".

قرار أممي بالإجماع

بعد سنوات من الشد والجذب بين القوى العظمى والنظام العراقي، وأثناء التحشيد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط تبنى مجلس الأمن الدولي بأعضائه الخمسة عشر في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2002، بالإجماع، القرار 1441 المتعلق بنزع أسلحة العراق.

قال الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش تعقيبًا على القرار الأممي، إن "على العراق التعاون سريعًا ومن دون شروط"، مهددًا بقيام الولايات المتحدة ودول أخرى بنزع سلاح العراق إن لم يمتثل للقرار.

يعطي القرار المصوت عليه، مفتشي الأسلحة حقوقًا فورية وغير مقيدة وغير مشروطة للبحث في أي مكان عن أسلحة كيمياوية أو نووية، بما في ذلك قصور الرئيس صدام حسين، فيما اعتبر سفير العراق لدى الأمم المتحدة إعادة مفتشي الأسلحة إلى بلاده أنه "فرض إرادة أمريكية على المجتمع الدولي".

انطلقت العديد من التظاهرات المنددة بالحرب على العراق حول العالم، فيما تظاهر نحو ثلاثة ملايين شخص في روما، بمسيرة سجلت في موسوعة غينيس للأرقام القياسية

من جانبها، عبّرت روسيا، الدولة المقرّبة من النظام العراقي، عن تقديرها لأهمية الإجماع على قرار مجلس الأمن، الذي اعتبرته بلسان نائب وزير خارجيتها يوري فيدوتوف أنه "سيفتح الطريق لتسوية شاملة لوضع العراق"، وأكدت روسيا أن "الأهم هو أن يستبعد القرار أي تهديد حقيقي بشن حرب".

تفتيش واستعدادات

في تشرين الثاني/نوفمبر، وصلت "صفوة" الفريق الذي ضمّ 11 فردًا من لجنة الأمم المتحدة و 6 من الوكالة الدولية للطاقة الذرية وخبيرًا في الاتصالات إلى العراق، وفي الوقت الذي أعلنت المتحدثة باسم الفريق أن المفتشين سيقومون بعمليات تفتيش مفاجئة ولن يكشفوا عن وجهتهم للسلطات العراقية مسبقًا، كان وزير الدفاع البريطاني يوجه باستدعاء الجنود الاحتياط استعدادًا لأي عمل عسكري على العراق في حال فشل مهام لجان التفتيش.

 

في كانون الأول/ديسمبر أشاد الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان بتعاون العراق مع المفتشين الدوليين، وكانت بغداد قد سمحت لفريق التفتيش دخول قصر السجود الرئاسي بحسب القرار الأممي، في الوقت الذي انتشرت أنباء تتحدث عن طلب من الولايات المتحدة إلى تركيا بمشاركة 35 ألف جندي في التحالف، وفتح قواعدها الجوية له، والسماح بنشر 100 جندي امريكي على الحدود بين تركيا والعراق في حال اندلعت الحرب على الأخير، مقابل شطب ديون أنقرة.

لاحقًا، قدّم العراق إعلانًا عن الأسلحة يضم 12 ألف صفحة إلى الأمم المتحدة وفق القرار الأممي 1441، لكن رئيس لجنة الأمم المتحدة للرصد والتحقق والتفتيش هانز بليكس أخبر أعضاء مجلس الأمن بعد أقل من أسبوعين على الإعلان بأنه "لا يكفي لخلق الثقة".

 

العالم يحتج وأمريكا تحشّد

مع تصاعد صوت الضربات من طبول الحرب، انطلقت العديد من المسيرات والتظاهرات المنددة بالحرب حول العالم، إذ نظّم نحو مليون شخص في لندن مسيرات احتجاجية رفضًا لمساعي الحرب على العراق، في الوقت الذي كان نصف مليون شخص يهتفون في شوارع ألمانيا رافعين لافتات "لا دماء من أجل النفط".

وفيما نظّم آلاف المحتجين مسيرات مناهضة للحرب في فرنسا واسبانيا، تظاهر نحو ثلاثة ملايين شخص في روما ضد الحرب على العراق، في أحد أكبر المسيرات الاحتجاجية المناهضة للحرب التي سجلت في موسوعة غينيس للأرقام القياسية.

في أوروبا كذلك ندد آلاف اليونانيين بالحرب واضطرت الشرطة لإطلاق الغاز المسيل للدموع على المئات منهم، فيما كان مئات آخرون يحتجون أمام مقر السفارة الأمريكية في موسكو لذات السبب، وسار آلاف الأشخاص في هولندا والدنمارك وبلغاريا والمجر وبلجيكا وقبرص احتجاجًا على الحرب ضد العراق.

لم يقتصر الأمر على أوروبا، بل كانت الحشود تعبّر عن رفضها في آسيا: اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا وتايلند وهونغ كونغ والهند، وفي أمريكا الجنوبية، وأفريقيا، وأستراليا ونيوزلندا. كما تظاهر مئات الآلاف في سوريا ومصر ضد الولايات المتحدة والحرب على العراق، إضافةً إلى مئات الفلسطينيين في قطاع غزة.

وفيما اجتاحت الاحتجاجات الشعبية العالم غربًا وشرقًا، كان المسار الأمريكي يتخذ طريقه نحو الحرب. يُذكّر الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية باتريك تايلر أن "هناك قوتين عظميين على الأرض هما الولايات المتحدة والرأي العام العالمي".

قال تايلر في 17 شباط/فبراير 2003، إن "الرئيس بوش قريب من عدوٍ جديد متمثل بملايين الأشخاص الذين ملأوا شوارع نيويورك وعشرات مدن العالم الأخرى ليقولوا إنهم ضد الحرب"، لكن مستشارين بوش نصحوه بتجاهل هذه الأصوات والمضي نحو الحرب، ووصف السيناتور جون ماكين الناس المحتجين بالنيابة عن الشعب العراقي بـ "الحمقى".

أعاد الكاتب، قبل شهر من بدء الحرب، تساؤل الفرنسيين والألمان وآخرين حول "السبب المنطقي العاجل للحرب إذا كانت هناك فرصة لنزع السلاح بسلام عبر عمليات التفتيش المستمرة؟".

 

إشادة المفتشين واستجابة النظام

في سياق عمليات التفتيش، رحّب رئيس اللجنة الدولية هانز بليكس مطلع آذار/مارس بـ "وتيرة التعاون العراقي المتسارعة" في الأشهر الأخيرة مع فرق التفتيش الدولية، وشدد على أن "عمليات التفتيش عن الأسلحة تحتاج إلى أشهر حتى مع تعاون نشط من العراق".

من جانبه، قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي إن "عمليات التفتيش لم تكشف عن أي نشاط نووي محظور في المواقع التي تمت زيارتها في العراق"، وأشار إلى أن "مزاعم الولايات المتحدة وبريطانيا حول شراء العراق يورانيوم من الينجر ثبت أنها مزورة".

رغم الاحتجاجات والمطالبات الدولية وتقارير التفتيش، بدأت الحملة العسكرية على العراق بتحالف أكثر من 40 دولة كان سواد جنودها الأعظم هما الولايات المتحدة وبريطانيا

في الأثناء، أقدم النظام العراقي تتابعًا على تدمير صواريخ من طراز "الصمود 2" التي يبلغ مداها 180 كم، بحسب توجيهات الأمم المتحدة بإزالة 100 صاروخ. وبين شهرّي شباط وآذار دمّر العراق 34 صاروخًا من الطراز المذكور.

 

حرب على أية حال

فيما كان كبير مفتشي الأمم المتحدة يُشيد بإجراءات العراق ضد صواريخ "الصمود 2"، ويُشير مع ورئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى عدم وجود دليل على امتلاك العراق لأسلحة محظورة، قال الرئيس الأمريكي جورج بوش إن "بلاده لن تحتاج إلى تفويض من مجلس الأمن إذا قررت شن حرب على العراق".

 

رغم الاحتجاجات والمطالبات الدولية وتقارير التفتيش، بدأت الحملة العسكرية على العراق بتحالف أكثر من 40 دولة سواد جنودها الأعظم هما الولايات المتحدة وبريطانيا، وقال بوش إن المهمة واضحة "هي نزع أسلحة الدماء الشامل من العراق وإنهاء دعم صدام حسين للإرهاب وتحرير الشعب".

لم تخرج فرق التفتيش بنتيجة تدين العراق بامتلاكه أسلحة دمار شامل، ولم يعطِ مجلس الأمن الشرعية للأمريكيين بغزو العراق، لكن سفير بريطانيا في الأمم المتحدة أعلن "انتهاء السبل الدبلوماسية"، وادّعى جورج بوش أن الولايات المتحدة "دخلت هذا الصراع على مضض، ولكن بهدف واضح وثابت"، وأضاف بعد بدء العمليات العسكرية": لن تعيش أمتنا واصدقاؤنا وحلفاؤنا تحت رحمة نظام خارج عن القانون يهدد السلام بأسلحة القتل الجماعي".

 

آراء معارضة

على الرغم من التحالف الذي شكلته الولايات المتحدة وبريطانيا، إلا أن الحرب قوبلت بموجة اعتراضات، إذ أعرب الرئيس الفرنسي جاك شيراك معارضته الشديدة للحرب التي وصفها بـ "اسوأ الحلول"، ما أدى إلى تزعزع العلاقات بين فرنسا والولايات المتحدة، وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن "السماح بأن يحل قانون القوة محل القاون الدولي سيكون مبدأ حرمة سيادة الدول محل شك".

فيما كان جورج بوش يقول إن "العالم اتحد ضد السماح للنظام العراقي الخارج عن القانون بتطوير أو حيازة أسلحة محظورة"، أشار زعيم الأغلبية العمالية في مجلس العموم ووزير الخارجية "المستقيل" روبين كوك إلى أن "المجتمع الدولي والرأي العام البريطاني غير مقتنعين بسبب ملح لهذا العمل العسكري على العراق"، وقدم كوك استقالته على خلفية عملية الغزو.

 

هل كانت "حجة" فاسدة؟

اعتقد السيناتور الأمريكي آنذاك باراك أوباما، في عام 2002، والذي أصبح رئيسًا للولايات المتحدة لاحقًا، أن "لا سبب للحرب"، بل هي مبنية على الرغبة، مبينًا أنه "يعارض الحرب الغبية"، لكن الكاتب غراهام برايدلي يرى أن "صدام حسين حكم على مصيره حين قرر تحويل صندوقه الاحتياطي في الأمم المتحدة إلى اليورو أواخر عام 2000"، ويرى برايدلي أن سبب الحرب "نفطي"، يهدف إلى "منع زخم دول منظمة أوبك نحو اليورو كععيار للعملات النفطية".

رغم أن احتلال العراق كلّف الخسائر الهائلة بالأرواح ولجوء الملايين من البشر إلى دول أخرى، لكن جورج بوش أكد في الذكرى العاشرة للغزو أنه يشعر بالارتياح تجاه ما فعل

بين مؤيد للحرب ومعارض لها، ومشكك في الأسباب والدوافع، أدى احتلال العراق إلى اضطرابات في المنطقة، وتفشي ظاهرة الإرهاب، وتغيرات طرأت على النظامين، العالمي والعربي، ويرى رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث منقذ داغر أن "الولايات المتحدة دقت واحد من المسامير المهمة في نعش النظام العالمي الجديد باحتلالها للعراق، الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية بواسطة الأمم المتحدة ومجموعة منظمات دولية"، مبينًا أن الاحتلال "كان مبنيًا على معلومات استخباراتية غير صحيحة ولا تعرف واقع المجتمع العراقي، خاصة ظروف التسعينيات، ما ساعد على نشوء حكومات فاشلة غير منتجة أدت إلى سيطرة الجهل وعقلية الانتقام، أوصلت البلاد إلى هذه المرحلة".

 

أشار داغر في حديث لـ"ألترا عراق"، إلى أن "الاحتلال تم تنفيذه دون تفويض من الأمم المتحدة، وبخرق من دولة عظمى ومؤسسة لها عجزت حتى عن إدانته، فضلًا عن دور منظمة الطاقة الذرية التي تعد من أهم ركائز النظام العالمي الجديد، حيث عملت على إعطاء تقارير مغلوطة وضبابية، وعند حدوث الاحتلال تأكدوا من عدم دقتها".

كلّفت العمليات العسكرية على العراق مليارات الدولارات بالإضافة إلى خسائر هائلة بالأرواح ولجوء الملايين من البشر إلى دول أخرى، لكن جورج بوش أكد في الذكرى العاشرة للغزو أنه يشعر بالارتياح تجاه ما فعل، وهو "واثق بأن القرارات كانت صائبة"، فيما يُشير رئيس المجموعة المستقلة منقذ داغر إلى أن "الإدارات الأمريكية المتعاقبة وبعد إداركها الفشل الذريع في العراق، تعاملت وفق مسار المصالح دون استراتيجية حقيقية، ما ساعد على تمكين الأحزاب التي تدير البلاد اليوم".