06-مايو-2021

الموقف من المشاركة أو المقاطعة موقف كبير (فيسبوك)

رغم الاتفاق على القضية الكبرى أو القضايا الكبرى، والتي شكّلت جوهر تشرين وحراكه وأفراده، إلا أن هذا لم يمنع وجود تباينات واختلافات في كثير من وجهات النظر تلك، اختلافات حول التكتيكات والخطوات الواجب اتخاذها في القريب، وهذه الاختلافات حسب اعتقادي كانت واحدة من أهم وألمع فضائل تشرين، لو أحسن استخدامها في بعض الأوقات. تشرين كان لها قلبٌ واحد وعقول متعددة، تعدد العقول تلك يعني تعدد وجهات النظر، وهذه الأخيرة من شأنها أن تقدم موقفًا واضحًا "مختمرًا" إن صح القول، وبالتالي يعني هذا كله، أننا كنا نسير على الطريق الصحيح/السليم.

اليأس من النظام الحالي يدفع بالجميع نحو البحث عن الخلاص

كل المواقف التي أحرجت تشرين هي مواقف شخصية/فردية، تبناها فلان أو غيره وحدهم، وكل المواقف التي تفخر بها هي مواقف جمعيّة خضعت لمناقشات ومداولات وتعددت فيها وجهات النظر. وخرجت للواقع بعد كل هذا باعتبارها موقفًا نابعًا من رحم ساحة التحرير وبقية الساحات حقيقةً. الآن تجري محاولات لـ"تقزيم" تشرين وجوهرها، وسواء كانت هذه المحاولات مقصودة ـ وهي الأغلب - أم غير مقصودة، فإنها أصبحت واضحة وممجوجة، ويعلم من يقف خلفها أنها لا تخدم تشرين كفكرة قابلة للانطلاق من جديد في أي وقت، سواء تأخر هذا الوقت أو تقدم، كما يعلم هؤلاء أنها تخدمهم هم، وقد يكون في ذلك خدمة للصالح العام ولكنها طريقة خاطئة أو هكذا أعتقد.

اقرأ/ي أيضًا: تشرين.. بين الرجاء والعمل

أكتب الآن وشخصيًا لم أحسم موقفي من الانتخابات القادمة، الموقف من المشاركة أو المقاطعة موقف كبير، كما أنه بحاجة إلى كثير من الأمور التي من الممكن تناولها لاحقًا، ما أريد أن أثبته هنا هو احتكار الحقيقة التي يدعيها البعض منّا، المشاركة في الانتخابات حق الجميع، ومقاطعتها حق أيضًا، لكلٍ مبرراته، وحديثي هذا بعيد كل البعد عن جمهور الأحزاب الماسكة بالسلطة، فهذه تذهب إلى الانتخابات في سبيل بقاء وديمومة النظام الحالي ليس إلا باعتبار ثمة علاقة زبائنية تجمع بينهما، أتحدث عن جمهور كبير من "المتشوّفين" لإقامة نظام بديل عن نظامنا هذا الذي أراه يفقد الكثير من شرعيته في كل مرة يذهب بها الناس إلى الانتخابات، ما ذكرته الآن هو ليس ادعاءً كما أنه ليس وجهة نظر أتبناها، ما ذكرته هو استنتاج من الممكن أن يطلع عليه أي مهتم يراجع نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية، فمن نسبة مشاركة 79% عام 2005، وهي أعلى نسبة مشاركة إلى الآن، كانت نسبة المشاركة عام 2018 44% -إن صدقت-، مرورًا بانتخابات العام 2010 التي سجلت 62% وانتخابات 2014 التي كانت نسبة المشاركة فيها 60%، وبمراجعة خاطفة جدًا سنجد أنه وفي كل مرة يتدنى مستوى نسبة المشاركة عن المرة التي سبقتها، كما يكون واضحًا أن بعد كل انتخابات دورية كانت الاحتجاجات العراقية تدخل موجةً جديدة ينتج عنها شيئًا قد يكون حتى الأمس القريب ضربًا من الخيال، فمن كان يصدق أن نظامًا جديدًا من المفترض أنه "ديمقراطيًا" يتبجح قادته بأنه الأفضل في المنطقة يواجه احتجاجًا يراد منه مزيدًا من الحريات هذا ما حدث عام 2011، هذا المطلب الذي يتشارك فيه العراقيون وهم تحت نظامٍ لم يمض على بناءه سوى أعوام قليلة مع المصريين الذي حكمهم مبارك قرابة الثلاثين عامًا!

وكانت الموجة الثانية من الاحتجاجات 2015-2016 قد أوصلتنا إلى قائمة انتخابية بين الشيوعيين والصدريين، قائمة كان يراد منها أن تكون بديلًا عن كل سيئات النظام الجديد، أو هكذا ادعى القائمون عليها، لكنها ساهمت فيما بعد في ولادة أكبر حكومة عراقية فاشلة بعد 2003، عبد المهدي وكل كابينته الوزارية كان نتاجًا لتوافق لعبت به سائرون دورًا محوريًا، تتحمل مسؤوليته التاريخية قبلت بذلك أم لم تقبل. لنصل أخيرًا إلى ما تمخض عن نتائج الانتخابات الأخيرة في 2018 وصولًا إلى لحظة تشرين 2019.

ما أود أن أسجله هنا دعوة تخص الجميع، المشاركة حق دستوري والمقاطعة كذلك، لكل رؤيته وأسبابه، اليأس من النظام الحالي يدفع بالجميع نحو البحث عن الخلاص من كل هذا، سواء كان الحلم يتمثل بأحداث شرخ في بنية النظام القائم على أساس التقسيم الطائفي والقومي من خلال إيجاد صوت آخر/وطني لا يشتغل بطريقة التقسيم تلك، أو من خلال مقاطعة هذا النظام وانتخاباته ومحاولة إنتاج لحظة تشبه كثيرًا لحظة الأول من تشرين 2019، هل منا من ينكر أن هناك لحظات في تشرين كادت أن تودي بكل هذا النظام لولا جملة من الأمورلا مجال هنا لسردها. 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الفصل بين السلطات.. "مجتمع بلا دستور"

التحالفات العابرة للطائفية: دوران مداري