15-مايو-2021

التفاعل العراقي هو انعكاس لمدى تجذر القضية الفلسطينية عند العراقيين (فيسبوك)

تصدرت الأحداث الأخيرة في فلسطين سُلم التفاعل العراقي، إذ تتضاعف التغريدات والتدوينات خلال الساعة الواحدة على وسائل التواصل الاجتماعي، يتخللها نقاش حول جدوى التضامن مع فلسطين وأولويته على القضايا المحلية في البلاد، ولم يخل التفاعل من التندر على القبة الحديدة التي عجزت عن صد جميع صواريخ المقاومة الفلسطينية، والذي اعتبره بعضهم تهويلًا إسرائيليًا لقدراتهم العسكرية، فيما دفع نشطاء بأن يكون "لا صوت يعلو على صوت التضامن مع الفلسطينيين هذه الأيام".

تصدرت الأحداث الجارية في فلسطين هذه الأيام الرأي العام العراقي في مواقع التواصل الاجتماعي

وتفاعل عدد من المدونين العراقيين بشكل ساخر حول لوم المقاومة الفلسطينية وتحميلها وزر الضحايا، على إثر تغريدة لرجل الدين الإماراتي وسيم يوسف، والذي قال إن "إسرائيل أشعلت الفتيل في قضية #حي_الشيخ_الجراح و #حماس أشعلت الفتيل في الصواريخ، الضحية الأبرياء! يجب أن نكون عقلاء فإن سفك الدماء خطير والدم يجر دم، وأهل #غزة للأسف ضحية لـ#حماس". 

اقرأ/ي أيضًا: عن أبطال "الداخل".. أصحاب الكوفيّة بعيون عراقية

وحول هذه التفصيلة تداول مدونون رأي مجتزأ من مقابلة تلفزيونية مع المفكر عزمي بشارة، والذي يقول إن "المدنيين يدفعون ثمن المقاومة، هذا أول شعب أسمع مثقفيه يقولون هكذا، أن المدنيين يدفعون ثمن الاحتلال من يقصفهم هي إسرائيل، لم يقل أحدًا أن ديغول هو من تسبب بخراب باريس، وإنما النازيين، ولم يقل ذلك أحدًا حول المقاومة الإنجليزية لاحتلال بولندا، الأمر الطبيعي أن تقاوم الشعوب الاحتلال، وغير الطبيعي هناك احتلال يرد بهذه الوحشية والقسوة، ولا شيء يبرر ذلك".

 

 

ويقول الناشط طارق الخفاجي في تدوينة، إن "هذا الخطاب هو خطاب لوم الضحية، خطاب أصدقاء السلطة، ومن لا يمتلك الشجاعة ولا الموضوعية على الأقل في توجيه اللوم إلى القاتل والمتسبب الحقيقي بالقتل والخراب وتحميله ذنب الضحايا، لذلك وقفنا وسنقف دائمًا مع قضيتنا قضية فلسطين بنفس الطريقة التي نقف بها من أجل قضايانا العراقية، حتى لا نكون مع السفلة".

 

 

وفي سياق الحديث عن ضرورة التفاعل مع القضايا المحلية أولًا، قال الخفاجي في تدوينة، " أنت كوطني عراقي، التعاطف مع الفلسطينيين والانحياز لقضيتهم، لن يعبث بسلم أولوياتك، لن يعطل نشاطاتك الاحتجاجية، ولن يؤثر على انخراطك بالهم العراقي، وعليه ماكو داعي لسالفة خل نحير بنفسنا، أو شعار العراق أولًا، أما إذا كنت خجلان من انحيازك لإسرائيل، فماكو داعي لهاي البهلوانيات، صرّح بصهيونيتك يرحمنا ويرحمكم الله".

وحول الحديث عن كون التفاعل مع القضية الفلسطينية يأتي في سياق القومية كتب الفنان وسام مناحي "وداعتك الموضوع مو موضوع قومچية أو غيرها من التوصيفات اللي يحاول البعض تسويقها بغية وصم الآخرين وجعل الموضوع قابل للنقاش. لذلك ماكو داعي نبرر لأحد في مسألة بديهية يفترض لا يجوز النقاش حولها"، لافتًا إلى أن "هناك من يريد أن يقنعنا Hنها مسألة قابلة للنقاش في حين الأمر الوحيد اللي يجب مناقشته هو: لماذا ندفع نحن ثمن الهولوكوست ومعاداة أور,با لليهود؟! لماذا يدفع الفلسطيني وحده ثمن ذنب لم يقترفه أساسًا؟!".

 

 

ولم يغب عن التفاعل العراقي الحديث عن دور عرب الداخل في المقاومة، إذ كتب الخفاجي، "أكثر من سبعين عامًا من القمع والاضطهاد والفصل العنصري وسلب الحقوق المدنية والسياسية والأسرية، وعمليات محو الهوية والذاكرة، كل هذه العقود والجهود والسياسات انهارت في ظرف دقائق وتبين أنها بلا جدوى : شباب فلسطين، الأجيال الجديدة من عرب الداخل، يقاومون في طبريا وعكا ويافا واللد، يسطرون بطولات فاجأت العدو والصديق، فالصغار لم ينسوا، كما راهن الصهاينة، وكبارهم ورّثوا مفاتيح بيوتهم المغتصبة لأبنائهم شواهدًا على حقهم في هذه الأرض".

وأضاف الخفاجي، "والحق أن هذه القضية قائمة وموجودة ما دام شعبها موجودًا على الأرض، لا تطبيع الحكام، ولا متاجرة أمراء الطوائف، ولا خيانة المتصهينين من العرب وغيرهم، سيلغي حقيقة هذا، هذه القضية قائمة بأبنائها بذاكرتهم ونضالهم ودمائهم".

وحول القبة الحديدية، كتب الكاتب وليد غالب، "الشيء المُفرح هذه الأيام، هو اكتشاف الناس أن القبة الحديدية وهمٌ صنعة الكيان الصهيوني، وأن أجهزتهم الأمنية ليس بما يتم تصويره لنا. فقط لنتخيل أن مئات الصواريخ عبرت الحدود الطويلة ووصلت لفلسطين من دون أن تُكتشف، وآخر الأشياء المُفرحة أن أفيخاي أدرعي شبع شتمًا في صفحته بعد أن كان البعض يمزح معه، والوجود جود.

وحول مقطع فيديوي لمستوطن إسرائيلي، يقول لسيدة فلسطينية، إن لم يسرق هو دارها سيسرقها غيري، كتب الشاعر والكاتب أحمد عبد الحسين، "خذوا هذا المنطق: تقول له السيدة بلغة إنجليزية لطيفة: يا يعقوب أنت تسرق بيتي. يجيبها يعقوب السمين ذو الأثداء الكبيرة: نعم لكنْ إذا لم أسرقه أنا سيسرقه غيري، وبالمنطق ذاته: سُئل رجلٌ مؤمن: سيدي أنت تأخذ ما ليس لك. فأجاب: هذا مال مجهول المالك وإذا لم آخذه أنا سيأخذه غيري، وبالمنطق إياه مرة بعد أن فصلوا رئيس القسم الثقافي في جريدة الصباح سنة 2011 بسبب احتجاجه، عُين بدلاً منه ناقد كبير شيوعي، سأله رفاقه بغضب: كيف تقبل أن تكون كاسر إضراب؟ قال: إذا لم أقبل المنصب أنا فسوف يأخذه غيري".

ويضيف عبد الحسين، في تدوينة، "هذا المنطق قديم قديم، فقد سأل المختار الثقفيّ رجلاً من قتلة الحسين: لماذا سلبت سيد الشهداء ثيابه، فقال: لو لم أكن سلبتها لسلبها أحد غيري، وهو منطق متماسك وأظنه سيستمر طويلاً، فغًدا "لنحلم فالحلم مسموح" تكون لنا دولة سوية ستقبض على قتلة المتظاهرين، سيسألون القاتل في المحكمة: لماذا قتلت إيهاب الوزني؟ وسيجيب ببراءة: كان حكم القتل قد صدر ولو لم أقتله أنا لكان قتله أحد غيري، ويحضرني الآن قول أبي عبد الله الحسين "عليه الصلوات": ألا حرٌّ يدعُ هذه اللماظةَ لأهلها؟، واللُماظة لمن لا يعرفها هي قطع الأكل الصغيرة التي تعلق بين الأسنان وتنتن رائحتها فتجعل الفم كله نتنًا"، مردفًا "وأحيانًا أيها الإنسان يا مخلوقًا من ماء وتراب ولُماظة، أحيانًا تكون قمة الشرف أن تدع أحدًا آخر يحمل عنك قليلاً عبء نتانتك، وأن تترك شيئًا منها لغيرك!".

 

 

في المقابل، يعتبر الأستاذ المساعد في معهد الدوحة للدراسات العليا، مهند سلوم، تفاعل الشعب العراقي مع نضال الشعب الفلسطيني انعكاس لمدى تجذر القضية الفلسطينية عند العراقيين، بوصفها جزءًا من هوية العراق العربية، وتماسكها في الوعي السياسي الجمعي العراقي، مبينًا أن "دعم الشعب العراقي لنضال الشعب الفلسطيني بهدف التحرر من قيود الاحتلال يتكامل مع الحراك الشعبي في العراق، والذي يسعى للإصلاح السياسي والتحرر من التبعية الدولية والإقليمية ومحاربة الفساد، والشعب العراقي لا ينظر إلى واقعه السياسي والاقتصادي بمعزل عن القضايا العربية ومنها ثورات الربيع العربي".

ويضيف سلوم لـ"ألترا عراق"، أن "التطبيع بين العراق وكيان إسرائيل حاليًا شبه مستحيل، لأسباب كثيرة منها ـن أغلب الأطراف السياسية، بشقيها الطائفي وكذلك الاثني الإسلامي، تعارض التطبيع، وفي نفس الوقت الدول العربية التي طبعت مع الكيان الصهيوني مؤخرًا لم تحقق أي مكاسب سياسية أو اقتصادية لشعوبها أو للشعب الفلسطيني، ويمكن أن تشجع دول مثل العراق على الالتحاق بالركب"، لافتًا إلى أن "تطبيع مصر مع كيان إسرائيل والذي جاء بعد حرب أكتوبر 1973 له حيثيات مختلفة وهو تطبيع سلام، والعراق لا يشترك بحدود جغرافية مع الكيان، وليس هنالك على الأقل حاليًا، أي مواجهة محتملة بين العراق وكيان إسرائيل. لهذا لا أرى أي سبب يدفع الفاعل السياسي العراقي للتفكير بالتطبيع مع الكيان الصهيوني".

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الفلسطينيون: البحث عن وطن

عن فلسطين التي لا شأن لنا بها!