كُتب وسيُكتب الكثير عن الهبّة المسلحة التي أظهرتها المقاومة الفلسطينية، لناحية قوتها، طريقتها، كثافة الرشقات الصاروخية وأهدافها، وما ستفرضه سياسيًا على أرض الواقع مع كيان لا يعترف إلا بالقوة، إضافة إلى التحليل العسكري الذي سيكتبه المتخصصون حول اختراق صواريخ المقاومة القبة الحديدية وإصابتها الأراضي المحتلة إصابات موجعة.
البارز الأكبر اليوم، من وجهة نظر مواطن عربي يرى المشهد من الخارج بلا تفاصيل كثيرة، هم فلسطينيو الداخل
ليست مقاومة المقاومة جديدة، على الرغم من أهميتها القصوى. أثبتت قدرة الفلسطينيين على الردع في توقيت لا مثيل لأهميته، لناحية الموقف الضعيف أمام التغول الصهيوني والانتكاسات المتتالية عربيًا أمام الانتهاكات والتمدد الإسرائيلي بمباركة ودعم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وليست على الجانب العسكري فقط، بل لناحية إظهارها ودعمها الهوية الوطنية والقومية للفلسطينيين في داخل الأراضي المحتلة وخارجها، في ظل سياسة دبلوماسية أثبتت مرارًا عدم جدواها، بل وفائدتها العملية لإسرائيل أمنيًا.
اقرأ/ي أيضًا: الفلسطينيون: البحث عن وطن
البارز الأكبر اليوم، من وجهة نظر مواطن عربي يرى المشهد من الخارج بلا تفاصيل كثيرة، هم فلسطينيو الداخل. تحكى الكثير من القصص في الدول العربية عن "العيش الرغيد" الذي يتمتع به الفلسطينيون تحت إدارة الاحتلال وتعايشهم واندماجهم في المجتمع اليهودي وانفصالهم عن المناطق المقاومة. وما جرى في المسجد الأقصى، واللد، وغيرها، تنبيهًا كبيرًا للوعي العربي بألّا قضيتين في فلسطين. هناك قضيةٌ واحدةٌ عادلةٌ وشعبٌ واحدٌ يعيش ظلم الاحتلال بصورة مباشرة وغير مباشرة.
تابعنا من العراق، صورَ الشباب الفلسطيني وهم يقاومون الانتهاك والتعدي الذي مارسه المستوطنون بمساعدة قوات الاحتلال على المسجد الأقصى بلا سلاح سوى الصمود ومجابهة القمع. وكأن المرابطين في الأقصى حملوا قضية أمة انشغلت عن جرحها النازف منذ عقود. تكثّفت صور النكسة وأحاسيسها منذ 1967 في مشهد هؤلاء المناضلين. كما استعادت ذاكرتنا قمع السلطات الحكومية للمنتفضين في تشرين الأول 2019. هم يشبهوننا، في العراق، مصر، سوريا، السودان، الجزائر، لبنان، والبلاد العربية الأخرى المنكوبة بحكم أنظمتها رغم فارق عميق في جذوره، بأن قضيتهم قضية احتلال لم تعد دول العالم الحديث تشهدها.
نتشارك مع هذا الشباب الأعزل مقاومته، صياحه، طموحه للعدل والكرامة والحرية، شعوره بالظلم وإحساسه بالهوان على الدنيا، اندفاعه المغذّى من شعور عارم بالخذلان من الجميع. لقد تشابهت حتى طريقة تصويرنا للاحتجاج ونشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الرابط الأكبر لتواصلنا بعيدًا عن آثار التطبيع والصفقات السياسية على الإعلام التقليدي.
مرةً أخرى، ليست المقاومة المسلحة بالفعل القليل على الإطلاق بل هي الذخرُ والظهر الصلب للمقاومة المدنية؛ لكن - برأينا - كانت مقاومة العزّل ضد الممارسات العنصرية وإرهاب الناس وتهجيرهم من بيوتهم بطرق داعشية، هي القشة التي قصمت ظهر المحاولات الرهيبة للتطبيع مع هذا الكيان ونسيان جرائمه من قبل ما يسمى بالمجتمع الدولي. حتى الإسناد المعنوي العربي، والعراقي تحديدًا لم نشهد له مثيلًا منذ سنوات. لم يقتصر التعاطف على العرب والمسلمين بل سواهم. أجبر شباب القدس أقرانهم في الولايات المتحدة الذين خرجوا احتجاجًا على قتل الأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد، أجبروهم على الخروج في نيويورك وواشنطن تضامنًا مع شباب العاصمة الفلسطينية التي أهداها رئيسهم السابق للصهاينة.
ثم بعد كل ذلك، يدرك صاحب الكوفيّة أن أصحاب الكيباه والأربطة، وحتى بعض مرتدي العقال، لا يحترمون الضعيف.
اقرأ/ي أيضًا: