27-يناير-2020

من تظاهرات العراق (Getty)

تصاعد الحديث عن السيادة بتصاعد الخلاف الأمريكي – الإيراني على الأرض العراقية. ولا سيما عقب اغتيال "سليماني" و"المهندس" في العاصمة بغداد وبأسلحة أمريكية، وكان الحديث الذي يدور خلف الكواليس حول أن سليماني قد دخل إلى العراق للاجتماع بقادة كتل وفصائل معينة، من أجل حلحلة أمور سياسية هو قادر على حلها بين الأطراف العراقية المختلفة.

بعد الانتخابات، ظهرت تسريبات تقول إن إيران وأمريكا والمرجعية، قد اتفقوا على تولى عبدالمهدي لرئاسة الوزراء

وفي المظهر العام والحديث الدبلوماسي، أن العراق كدولة مستقلة، لها علم وذات سيادة معترف بها أمميًا، ومن المفترض أن تنأى هذه الدولة بنفسها من الانخراط في المحاور الإقليمية، بعكس ما فعلت ذلك المملكة العربية السعودية، بتزعمها "التحالف العربي" بحربها ضد الحوثيين في اليمن. وما آلت إليه الأوضاع السياسية والإنسانية آخر الأمر، لكن الأمر الداخلي بين الفاعلين في النظام يجري عكس ذلك الأمر، ولا بدّ من رهن العراق في محور ما. 

اقرأ/ي أيضًا: القصة الكاملة لاغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في بغداد

إن المحور الذي تريد بعض الأطراف رهن العراق إليه يعمل بأيديولوجية مغايرة لا يمكن أن تبني دولة مؤسسات، ولكنها بنفس القوة، أعني بذلك تزعم "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" محور المقاومة، الذي بدوره يجمع دولة واحدة مخترقة السيادة، ألا وهي "سوريا"، وعدد آخر من الحركات والفصائل المسلحة التي تواليه في المنطقة، والدخول بهذا المحور عزل العراق دوليًا وربما نهاية حلم الدولة فيه. ومهما يكن من أمر، فما يهمنا هي السيادة، وكيف أن اختراقها إقليميًا ومن ثم دوليًا يعقد ويخلط أوراق المشهد السياسي. وتصل التداعيات حدًا لا يمكن السيطرة عليه، عقب التغول والغرق في مستنقع الأزمات داخليًا.

وعلى سبيل المثال، في المدة التي سبقت تولي السيد عبد المهدي لرئاسة مجلس الوزراء، دخلنا بسجالات عن شرعية الحكومة من عدمها، في وقت تدنت فيها المشاركة الانتخابية، ومن ثم احتراق صناديق الانتخاب. وهنا وصلت الأخبار إلى الإعلاميين، والشارع عمومًا، أنه يتم الاتفاق على رئيس وزراء مرضي من الأطراف الفاعلة، ثم تسربت المعلومات أن إيران وأمريكا والمرجعية، قد اتفقوا على تولى السيد عبدالمهدي رئاسة مجلس الوزراء، ومن ثم انفجر الشارع على حكومة لا تمثله ولم تشكل بإرادة وطنية داخلية.

من المهم هنا أن نلاحظ حجم التدخل الإقليمي والدولي بالشأن السياسي العراقي، وربطه بتداعيات ما بعد اغتيال سليماني والمهندس، وواقع الأمر يشير إلى تمكن "الأيديولوجي" من "الوطني" أو الارتهان له، خصوصًا  بعد صعود خطاب "الشيعية السياسية". وهو مؤشر خطير يحرم البلد من مصالحه الوطنية العليا. ومهما اختلفت الدوافع والمقاصد، فإننا في قلب العاصفة، بين طرفين إقليميين يدفع أحدهما الآخر بالقوة والنفوذ، ولكن هل يوجد مخرج لهذه المعضلة؟

في الواقع أننا في فن الممكن، لا يمكن أن نكون في السياق الأيديولوجي، ولا سيما أن الشعب هو الضحية آخر الأمر. وليس لدينا مقومات المواجهة لأطراف اقليمية فضلًا عن الدولية، ولو دققنا أكثر، فإن الفاعل الدولي، وأقصد به الولايات المتحدة، لن تسمح لبلد مثل العراق الذي قامت بغزوه بعد العام 2003، أن يخرج عن طوعها وإرادتها. خصوصًا إذا ما ذكّرت الأطراف التي تأخذ زمام السلطة اليوم، بأفضالها عليهم بالأمس، فضلًا عن أن الجماعات الفاعلة في المشهد السياسية ليس كتلًا متجانسة وبالإمكان أن تتفق على إرادة معينة للمواجهة. 

بوصلة المصلحة العراقية تشير إلى ساحات الاعتصام، والمطالب المشروعة للمنتفضين، وإن محاولة إسكاتها تعني التشظي في الجسد الوطني

وعلى ضوء ما تقدم، يبدو أننا في وضع حرج، ومناوراتنا صارت مكشوفة وليس كالسابق من خلف الكواليس، ويبدو أيضًا، أن دعوة السيد الصدر مؤخرًا بـ"المقاومة الدولية" تزيد من الأمر تعقيدًا، أما فيما يخص دمج الحشد الشعبي بالمؤسسات الأمنية، وإخراج القوات الأمريكية، كحل وسط، لا يتمتع بضمانة لكلا الطرفين ما دامت الثقة غائبة.

اقرأ/ي أيضًا: من سيصنع تاريخ العراق؟

إن تقوية الجبهة الداخلية عراقيًا، يعني أن تقدم على قرار سيادي، وإن تزعزع الثقة بين الأطياف العراقية المكونة للمشهد السياسي الحالي، لا يحله الانفراد بالقرار. وعليه، فإن بوصلة المصلحة العراقية تشير إلى ساحات الاعتصام، والمطالب المشروعة للمنتفضين، وإن محاولة الفض أو إسكات صوت الاحتجاج تعني المزيد من التشظي في الجسد الوطني، لصالح أطراف أخرى تسعى إلى أقلمة وتقسيم البلد طائفيًا، لمصالح أخرى خارج الحدود ولمحاور هي لا تأتي إلا بالحروب والاستنزاف.

وتبعًا لذلك، لا بدّ من الإتيان برئيس مجلس وزراء موافق لشروط المنتفضين، وهو ما يعني تحقيق الإرادة العراقية، لإيجاد إجماع وطني يحدد علاقاته الإقليمية والدولية، كتحييد التدخل الإقليمي من دول الجوار، أو إخراج القوات الأمريكية.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ماراثون الولاءات في العراق

سيناريوهات الإقليم السني في العراق