22-سبتمبر-2021

لم تزعزع انتفاضة تشرين اعتراف العالم بالنظام رغم بطشه بشبابها (Getty)

تنتشر بين أوساط المدونين والناشطين فئة تواصل سخريتها من دعوات المشاركة في الانتخابات المزمع إجراؤها في 10 تشرين الأول/أكتوبر القادم مستندةً إلى حجة مفادها "استحالة التغيير من الداخل"، وهي حجةُ يتبناها من يعتقدون بألّا طريقة في اليد غير التغيير عبر صناديق الاقتراع وتحاول الحكومة وجهات دولية حث الناس اتجاهها.

يعتقد المقاطعون – المنظِّرون للمقاطعة – أن التغيير عبر الانتخابات غير ممكنٍ وفق استنادات واقعية، وهو تنبؤ مستقبلي بطبيعة الحال مهما بلغت درجات منطقيته

لسنا الآن في معرض تعزيز فكرة على حساب أخرى في جدل المشاركة والمقاطعة وإن كان ذلك مفروضًا في المعطيات المطروحة، بل مناقشة السخرية النابعة من يقينات دفينة في ذهن المنتقدين بتطرفٍ خيار المشاركة.

اقرأ/ي أيضًا: مقاطعة الانتخابات.. دفاعُ عن جوهر الديمقراطية

ولأننا نحاجج من لهم "رأي" أو ينشطون في خانة عمل المثقفين، فالحديث لا يخص المتذمرين من عامة الناس الذين لا يرون جدوى من المشاركة في الانتخابات ولهم أدلتهم النابعة من التجربة العملية، وهي محترمة لناحية أساسها العقلاني، فضلًا عن احترام عدم دخولهم في الجدل الذي يفترض أن يتأسس على منطق علمي يرفض الحجة بحجج مضادة.

يعتقد المقاطعون – المنظِّرون للمقاطعة – أن التغيير عبر الانتخابات غير ممكنٍ وفق استنادات واقعية، وهو تنبؤ مستقبلي بطبيعة الحال مهما بلغت درجات منطقيته؛ لكن حديثهم الساخر ضد الآخرين ينم عن ثقة بأن "الممكن" يكمن بالمقاطعة، والحجةُ المتبناة السائدة هي نزع الشرعية عن النظام السياسي عبر مقاطعة انتخاباته.

والحق، أن نظام المحاصصة ما زال صامدًا رغم تعرضه لهزات عنيفة أمنية واقتصادية وسياسية، وشعبية متمثلةً بالمقاطعة للانتخابات السابقة، والتي سبقت انتفاضة جماهيرية تاريخية.. ومع ذلك، ما زال يحتفظ بقواعد جماهيرية تعينه على إظهار تنافس انتخابي. والأهم من ذلك، وهي نقطة الارتكاز هنا، أن النظام يتلقى المزيد من الدعم (أو الشرعية، في المآلات) يومًا بعد يوم من دول الجوار كافة، والمحيط العربي الذي يدخل بقوة تدريجية إلى الداخل العراقي بعد سنوات من علاقات متوترة مع بعض أطرافه، ومن دول العالم الكبيرة الأوروبية تحديدًا مثل فرنسا، وكلٌ يبحث عن مصالحه في نظام جلَّ ما يطمح إليه تنظيم مصالح الجميع دون الدولة العراقية. ناهيك عن الملفات الموضوعية كالإرهاب والتمدد الإيراني والثروة النفطية والموقع الجغرافي وغيرها من الملفات التي تعرقل أية أمنيات بمقاطعة النظام العراقي، فضلًا عن تداعيات الأزمة التي خلقها الأمريكيون بحصارهم للنظام العراقي السابق.

أما على صعيد الشواهد الموضوعية الداخلية، فإمكان المرء - بتجاهله التصريحات في العلن ووسائل الإعلام - استشعار مدى رغبة الأحزاب التقليدية بزيادة نسبة المقاطعة لإعادة إنتاج نفسها في انتخابات بعنوان "مطلب الشارع"، والسؤال المطروح بعد كل ذلك: من أين جاء المقاطعون بهذه الثقة في إمكانية "إسقاط شرعية النظام عبر مقاطعة انتخابات تدعمها الولايات المتحدة والأمم المتحدة وإيران والدول الأوروبية والعربية"؟.

لعل القارئ يرى في السطور السابقة نقدًا باتجاه واحد – ضد المقاطعين – ويستنتج من ذلك تأييدنا للمشاركة في الانتخابات بالضرورة؛ والحق، أن خيار المشاركة أُشبع نقدًا منذ أعوام وجرى استهلاك النقاشات الممكنة التي لا أهمية قصوى لتكرارها. وبرأينا، إن المواطنين المقاطعين لا ينتظرون حججًا منطقيةً دامغةً ليستدلوا في خياراتهم "الديمقراطية"، فهُم مكتفون بالواقع المعاش في الماضي والحاضر. لذا فأن الحديث يتعلق بأخوتنا من ناشطين ومدونين ومثقفين الذين "ينظِّرون" للمقاطعة السلبية - رفض المشاركة فحسب - بوصفها حلًا، دون تقديم بديل عملي. أما النظري منه فهو ما تناولناه في هذه المقالة.

لم تزعزع انتفاضة تشرين اعتراف العالم بالنظام رغم بطشه بشبابها

لقد أثبتت التجربة السابقة عدم جدوى هذا الخيار لناحية شرعية النظام السياسي في النظام العالمي، أما انتزاع الشرعية منه داخليًا فلا تجربةَ أوضح من انتفاضة تشرين التي ستكتمل نتائجها بعد الانتخابات ذاتها، والتي لم تزعزع اعتراف العالم بالنظام رغم بطشه بشبابها، وسنتحدث في مقالة قادمة بتركيز أكثر عن الشرعية وإمكانات "سقوطها وإسقاطها".

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

انتخابات تشرين: المضي بالانسداد السياسي إلى منتهاه

الانتخابات والتوقعات.. هل تكتمل خيبة الأمل؟