30-أكتوبر-2021

العودة للتوافق قد يُحيي "تشرين" بمطالب أكثر جذريةً (فيسبوك)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

منذ العام 2003 شهدت الساحة السياسية في العراق، خمس حكومات متتالية بأعمار مختلفة، حيث جاءت ببرامج تشابهت بالشعارات، واختلفت بطريقة الطرح وتناول المتطلبات التي ينادي بها العراقيون دائمًا، لكن التعويل الأكبر هو ما يترقبه الشارع اليوم من الحكومة المقبلة، خاصة أنها ستكون قادمة من رحم برلمان جاء كنتيجة للانتخابات المبكرة التي طالب بها محتجون، مع وصول مستقلين، وأحزاب ناشئة عن احتجاجات تشرين في العراق.

التحديات التي تواجه الحكومة المقبلة ستكون كبيرة جدًا وفقًا لما يحدث في الشارع العراقي منذ اندلاع الاحتجاجات في العام 2019

ومنذ حكومة نوري المالكي في 2006 ثم 2010، والتي تبعتها حكومة حيدر العبادي 2014، ثمّ حكومة عادل عبد المهدي في 2018 التي لم تكمل عمرها الدستوري، وصولًا إلى حكومة مصطفى الكاظمي المنتهية الولاية، لم يلق الشعب العراقي ما يجعله مستقرًا على جميع الأصعدة، فما بين التوترات الأمنية المستمرة، والاختناقات السياسية، باتت ملفات الخدمات والمتطلبات الأساسية مغيبة عن الواقع، وحاضرة بقوة في المحافل والمؤتمرات والاجتماعات.

اقرأ/ي أيضًا: تحديات نواب الاحتجاج: النموذج الأول والمهام الجسام

وعلى هذا الأساس، فإن التحديات التي تواجه الحكومة المقبلة ستكون كبيرة جدًا، وفقًا لما يحدث في الشارع العراقي منذ العام 2019، كما أنها في ذات الوقت ستبقى تحت الأنظار مثل سابقاتها مهما جاء في برنامجها الحكومي من تعهدات مرهونة بالتوقيتات، مما سيجعلها عرضة للإزاحة وإنهاء مشوارها في أي وقت ما لم تكن على قدر المسؤولية، أو قد تقدم ما يلبي الطموح، وفقًا لمراقبين.

والتحدي الأبرز الذي يواجه الحكومة الجديدة يتمثل بعدم إدراك القوى السياسية للاستحقاقات الوطنية ومواكبة المتغيرات الحاصلة في العراق، بحسب أستاذ الدبلوماسية والسياسات الخارجية بجامعة جيهان - أربيل، مهند الجنابي، الذي يؤكد أن "الفاعل الوطني (الشرعي) بدأ بالصعود عبر التيار الشعبي الوطني المعارض والمستند إلى ثورة تشرين، مبينًا أن "هذا يدفع القوى السياسية إلى عدم الأخذ بنظر الاعتبار الرقابة الشعبية وسلك المسالك السابقة في إدارة الدولة التي اثبتت فشلها وعدم انسجامها مع الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي".

ويرى الجنابي خلال حديث لـ"ألترا عراق"، أن "أولويات الحكومة الجديدة يجب أن تتمثل بإنجاز القضايا المركزية التي لم تتحقّق في حكومة مصطفى الكاظمي، وهي ضبط الفصائل المسلحة ضمن نطاق القانون وإنهاء حالة التهديد الناتج عن تدخل السلاح السياسي ومزاحمته للاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية، فضلًا عن تهديد السيادة الوطنية، مضيفًا أن "الأولوية الأخرى هي إصلاح علاقة المواطن بالدولة عبر استعادة بناء الثقة من خلال سيادة القانون وإشعار المواطن بأنه يعيش في دولة تلتزم بواجباتها تجاه الشعب لتؤسس بعد ذلك الركن الأساس في تحقيق الأولويات والاستحقاقات الوطنية".

ويعتقد الجنابي أن "أكثر من يعزز قدرة الحكومة على نجاح خطتها يبدأ منذ هذه الأيام، موضحًا أنه "ينبغي تشكيل الحكومة خارج معايير المحاصصة والتوافق التي أهلكت الدولة، أما إذا تشكلت وفقًا لنفس الآليات السابقة فلن يكون بمقدورها العمل باستقلالية عن تدخلات القوى السياسية خارج الأطر الدستورية، بالإضافة إلى أن ذلك سيكون ذلك سببًا في فشلها وانهيارها متى ما ارتفع سقف المطالب الشعبية أو إعادة إحياء احتجاجات تشرين لمحاسبة النظام السياسي بالكامل".

وبينما أشار الجنابي إلى أن "حكومة مصطفى الكاظمي تمكنت من تحقيق بعض الإنجازات التي تسجل لحساب المصلحة الوطنية فيما يتعلق بنهج سياسة خارجية تتناسب مع المصلحة الوطنية العليا، وعزل السلاح السياسي غير الشرعي بأقل الخسائر عبر صناديق الاقتراع، وليس عبر المواجهة المسلحة، كذلك التأسيس لبعض الإصلاحات الاقتصادية، شدد على "ضرورة إكمال الحكومة الجديدة هذه السياسات بغية اختصار الوقت والتوجه بشكل حقيقي نحو إصلاح قطاع الأمن وإجراء تعديلات دستورية تعزز من دور الحكومة القوية بما يضعف التدخلات السياسية غير الدستورية إلى الحد الأدنى، لافتًا إلى "أهمية مواجهة أية تهديدات أمنية نابعة من إعادة نشاط تنظيم داعش الإرهابي أو تهديدات الفصائل المسلحة المتمسكة بالمكاسب بقوة السلاح ودرء أي مخاطر خارجية على الواقع الأمني العراقي".

وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال، مصطفى الكاظمي، قد خاطب الكتل المعترضة على نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة، بأن "التحديات المقبلة كثيرة، وعلى رأسها التحدي الاقتصادي"، مضيفًا "بدأنا بالعمل ونتطلع إلى استكمال هذه الجهود من قبل الحكومة المقبلة، وبالتعاون والتكاتف والعمل الجاد نستطيع اجتياز جميع التحديات"، وهو تصريح رآه مراقبون أنه محاولة للتحذير من العودة إلى نقطة الصفر بالنسبة للحكومة المقبلة.

وفي وقت تتعدّد فيه الملفات المتأزمة نتيجة لغياب السياسة الاقتصادية الصحيحة في البلاد، فضلًا عن الاعتماد المستمر على النفط كمورد أساسي لتمويل خزينة الدولة، يرى مراقبون ضرورة تفعيل المجالات الاقتصادية الأخرى مثل الصناعة والتجارة والزراعة، بالإضافة للمنافذ الحدودية والموانئ بضبط وحزم لتشكل مدخولات مالية إضافية، تتدرج مع الوقت لتكون رئيسية في الموازنات ونفقات الدولة خلال سنوات طويلة قادمة.

ويقول مدير مركز القرار السياسي للدراسات، حيدر الموسوي، إن "تشكيل الحكومة المقبلة صعب في ظل ما يجري من حوارات واختناق سياسي جراء الطعون بنتائج الانتخابات والتلويح بكونها مزورة، متسائلًا عن "كيفية نظر المواطن لها في حال تشكلت، وذلك لفقدان الثقة بالنظام السياسي برمته كنتيجة واقعية للفشل المتعاقب".

ويبيّن الموسوي، في حديث لـ"الترا عراق"، أن "المواطن اليوم يتطلع لجهود حثيثة تصحح الواقع الاقتصادي والمعاشي وحلول أزمات الخدمات والسكن والطاقة وغيرها من الأمور كنقاط أساسية، مؤكدًا "ضرورة عمل الكابينة الوزارية المقبلة على تحسين قطاع الكهرباء تحديدًا وبشكل خاص، فضلًا عن إيجاد فرص العمل وتغيير هوية الاقتصاد العراقي".

وعن أساسيات الأزمات الحاصلة، أشر الموسوي، أنها تبدأ من "مشكلة سوء الإدارة لوجود أموال ومقومات للنجاح، لكن لا توجد إدارة حقيقية وحكيمة تدير الملفات بسبب الفساد والمحاصصة وتقاسم المغانم، مستدركًا "لكن استمرارية الاعتماد على ما هو موجود حاليًا بالقطاع العام وترك تفعيل القطاع الخاص، لا يمكنه تطوير أوضاع البلد بكل الأحوال مع تفاقم الترهل الوظيفي ونسب البطالة بصفوف العاطلين والخريجين".

وفي ظل التقييمات المختلفة للأداء الحكومي، فإن "الحكومة الأخيرة قد تم الإشكال عليها، وفقًا لرأي لجنة مراقبة البرنامج الحكومي النيابية، حيث قالت إن "الحكومة لم تلتزم المنهاج الوزاري ونسبة الإنجاز لعملها لم تتجاوز 17.50 %"، إلا أن الكاظمي، دافع عن حكومته بقوله إنها "نجحت بتهيئة متطلبات الانتخابات، ونجاحات في قطاع النفط والزراعة والاتصالات والموارد المائية".

وبينما يؤكد الأكاديمي في مجال الإعلام، غالب الدعمي، ضرورة تنسيق الحكومة المقبلة لعلاقاتها مع دول الجوار والبحث عن توازن يخدم مصلحة العراق أولًا، استمرارًا بجهد الحكومة المنتهية ولايتها واتخاذ برنامج حكومي يبتعد عن الشعارات التقليدية، لفت في حديثه لـ"ألترا عراق" إلى أن "الكابينة المقبلة ستقع بمطب كبير إذا لم تخلق لنفسها التوازن بين القوى الداخلية ومطالبها من جهة، والتناغم مع الفاعل الدولي والإقليمي من جهة أخرى"، فيما قال إن "الذهاب خلف طرف دون آخر وإهمال العلاقات الدولية على حساب رغبات الأحزاب وأجنداتها الداخلية قد يطيح بالحكومة بأقرب فرصة، وربما في أشهرها الأولى".

من جانب آخر، يشخّص رئيس مركز القمة للدراسات الإستراتيجية، قاسم العسكري، أولويات الحكومة المقبلة، بقوله إنها "ستحدد وفقًا للجهة التي ستشكل الكتلة الأكبر، موضحًا أن "هذه الكتلة التي ستضم مجموعة أحزاب ربما من مكوّن واحد أو مكوّنات مختلفة، هي من ستحدّد بوصلة الكابينة الجديدة وتحركاتها وفقًا لخطتها".

ويضيف العسكري، في حديثه لـ "الترا عراق"، أنه "يجب العمل على استتباب الأمن وفرض هيبة الدولة من خلال تطبيق القوانين والسيطرة على الحدود مع الدول المجاورة، بالإضافة لإنهاء سيطرة الأحزاب على المنافذ، كما لا يجب الغفلة عن جانب تطوير قطاع التربية والتعليم كشيء أساسي، فيما أكد أن "تعزيز وتطوير الخدمات وسد النقص الحاصل فيها لدى الشعب، سيجنب الحكومة حتميًا مأزق مواجهة تظاهرات عارمة ربما تخرج ضدها، وبالتالي فالنتيجة معروفة للجميع".

يرى مراقبون أن الحكومة إذا تشكلت على نفس السياقات السابقة فسيكون هذا سببًا بانهيارها ويعاد إحياء احتجاجات تشرين لمحاسبة النظام السياسي بالكامل

وحذّر رئيس مركز القمة، من "اعتماد الحكومة المقبلة، على فرق المستشارين الحاليين، بل يجب الاستعانة بكفاءات وخبرات جديدة بمختلف القطاعات، مشيرًا إلى أن "الاستشارة للحكومات السابقة لم تكن بمستوى الطموح وأوقعتها بمشاكل جمة كان يجب عدم وقوعها فيها، مع يجب احتواء الأطراف السياسية جميعًا لتصحيح المسار السياسي وتفتيت الأزمات المتراكمة بشدة".

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المقاطعون ومشاركة "تشرين" بالانتخابات

وفاء لتشرين.. كلمات لا بدّ منها