22-سبتمبر-2019

هناك فصل غريب بين حرية واستقلال الفرد وبين استقلال شعبه (فيسبوك)

تشكل قضية الاستقلال والحرية مطلبًا غير قابل للتفاوض بالنسبة لنا كأفراد، بل أكثر من ذلك: تدخل في دائرة المقدس. ومن خلال مشاهداتنا اليومية نعثر على أشخاص وسلوكيات تؤكد أن الحرية والاستقلال هي المشترك الأكبر الذي يجمعنا. الضد النوعيّ لنا كأفراد هو الفرد المتدين، حيث لا نسمح له بالتدخل بشؤوننا الخاصة ونحكم على هذا التدخل كنوع من الوصاية حتى لو كانت نصيحة مؤدبة، فنستنتج من ذلك، أن الوصايات بكل أشكالها تمثل حالة إكراه، والحرية بتعريفها الواضح هي نفي الإكراه.

على طول تاريخ البشرية لم يفلح قوم في بناء الأوطان في الوقت الذي يشتمون قومهم؛ فمن يريد الحرية والتغيير لا يمكنه نيلها مالم يحب الخلق

 لا تعنيني تلك الحرية التي تنحصر عند بعض الإفراد بخمر ونساء وهروب من المسؤوليات، فلكل فرد حريته الخاصة ولله في خلقه شؤون!. وإنما تعنيني حرية التفكير التي تقودني إلى إدراك الضرورة، وتقودني إلى حرية المعتقد وحرية تشكيل النقابات والأحزاب الخ.. وقبل كل شيء الإدراك العميق للعدالة الاجتماعية، ومن الطريف إننا نعثر على تعريف لدى حكماء الصين للإنسان يخالف التعريف الأرسطي، وهو أن الإنسان ذلك الذي يدرك العدالة، فإدراك مغزى العدالة هو ما يميز الإنسان عن باقي الكائنات، حسب الصينيين.

اقرأ/ي أيضًا: المواضيع الهامشية هي الحل!

المهم في الأمر، فكل هذا واضح، لكن من غير الواضح - بالنسبة لي على الأقل- الفصل الغريب بين حرية واستقلال الفرد وبين استقلال شعبه!. بعبارة أوضح: نكافح من أجل حرياتنا الفردية ونيل استقلالنا الشخصي، لكن لا نحترم ولا نقدّر استقلالنا كدولة!. بل أكثر من ذلك بكثير: لو أن دولة جاءت بجيوشها الجرارة لاحتلال بلدنا وتخريبه وتدمير بنيته التحتية ودعم الفاسدين واللصوص، لا توجد لدينا مشكلة طالما ستضمن لنا "حرياتنا" الخاصة!. طبعًا حرياتنا الخاصة هذه تعني امتيازات مالية واجتماعية، لا يهم ما هي طبيعة العمل، سواء كنّا جواسيس أو موظفين عاديين، ما يهم هنا إننا حققنا استقلالنا الشخصي. وسنشجع أي قوة غازية - بشكل مباشر أو غير مباشر- لاحتلال البلد بحجة التحديث. وفي أحد الندوات يصرح احد الباحثين أن الإنجليز أعطونا دولة لكننا رفضناها.

هذه الحقيقة المرّة، وغيرها تشبه حقيقة "ناشطي حقوق الإنسان" (ليس كلهم بالطبع) في الغرب؛ فكرامة الإنسان وحفظه وصونه يعنون بها الإنسان الغربي، وحينما تهتز قيمهم الإنسانية "السمحاء" ضد الاحتلال وضد قتل الإنسان، فهم يعنون بها الإنسان الغربي. لا توجد خدعة مظللة ومضحكة أكثر من هذه التوصيفات الفضفاضة كمفهوم الإنسانية، أبحث عنها فستجدها توصيفات لا تتصف بصيغة العموم وستجدها آليات ابتزاز كبيرة، مثلما حدثت أكبر عملية استعمار بالتاريخ تحت شعار "التنوير" و "حقوق الإنسان". وهذه المرة، على سبيل المثال لا الحصر، يستبسل الكثير من العرب من أجل التطبيع، وقد كانت أول المطبعين مصر أنور السادات، فما هو حال مصر اليوم؟، وما هو حال الأردن؟. لكن إذا تم رفض التطبيع والاحتلال، فحينئذ سنغدو في نظر"الأحرار" "أمة بلهاء" كما يصفها باحث عراقي.

 والأغرب من ذلك كله نتلمس المشتركات بين الطرفين (طرفنا وطرفهم من الأحرار!). إذ يمكن لأحرارنا أن يطلعوا على التاريخ الأوربي ويتغنوا بأمجاده، ويمرون على تاريخه الحربي بصمت، ثم يقفزوا إلى التنوير والحداثة، ولم يخبرونا كيف حدثت أكبر عملية نهب وسلب لثروات الشعوب، وتم تغييب قارات عظيمة كآسيا وأفريقيا لنهب ثرواتها والمتاجرة بالإنسان الإفريقي في تجارة العبيد، وبقي " الإنسان الأفريقي" قبل التنوير وبعده دون أن تتحسن حياته المروّعة. المهم في الأمر، تبدو خلطة الحرية والاستقلال هنا عجينة سيئة الصنع، وبعد التحليل المتأني نعثر على نزوات نفسية وعقد غائرة تحاول أن تجعل من هذه الهذيانات برهانًا نظريًا. وعمر النزوات الفاسدة لم تخلق حرية، وعلى طول تاريخ البشرية لم يفلح قوم في بناء الأوطان في الوقت الذي يشتمون قومهم!، فمن يريد الحرية والتغيير لا يمكنه نيلها مالم يحب الخلق حسب تعبير أسلافنا المتصوفة، وإلا سيرميه التاريخ في خانة العبيد.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

عقوبات رمزية وحفلات لجلد الذات

هل يمكن بناء دولة في ظل ذاكرة تكره الديمقراطية؟