تترقب القوى السياسية والتي تمتلك أجنحة عسكرية مقربة لإيران استكمال الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية لمناقشة ملفات عدة، أبرزها إخراج القوات الأمريكية من الأراضي العراقية بعد سلسلة هجمات يقول مسؤولون أمريكيون إن أذرع إيران من نفذها، وهي جزء من الردود على هجمات سابقة من الطرف الأمريكي أدت لخسائر كبيرة في صفوف الفصائل، كان أبرزها مقتل نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس وقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بضربة جوية عند بوّابة مطار بغداد في كانون الثاني/يناير 2020.
رأى باحثون إن النقاط الرئيسية التي ستطرح في الحوار المقبل هي وجود الميليشيات والسلاح المنفلت
الحوار الاستراتيجي جاء لأول مرة عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة بين ممثلين عن البلدين في 11 حزيران/يونيو2020، وخرج بمعطيات لم تكن حاسمة بالنسبة للصراع في العراق، ولم يعكس أي حسابات بالنسبة للطرفين، والأهداف التي رسمت مسبقًا من قبل أطراف متابعة، إذ جرى التأكيد على مواصلة واشنطن تخفيض عدد قواتها في ضوء التقدم الملحوظ بشأن التخلص من تهديد تنظيم "داعش" مع عدم سعي الولايات المتحدة لتشييد قواعد عسكرية دائمية، فضلًا عن تعهدات عراقية بحماية البعثات الدبلوماسية وحفظ المصالح الأمريكية وفقًا للقانون الدولي، بالإضافة لما تمخضه النقاش عن إدراج الملفات الاقتصادية، ومطالبات الحراك الشعبي في العراق لتطبيق البرنامج الإصلاحي للحكومة.
اقرأ/ي أيضًا: الحوار الاستراتيجي العراقي الأمريكي.. قراءة أوّلية
أما الجولة الثانية، فقد كانت بزيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على رأس وفد رفيع المستوى إلى واشنطن قبيل انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واعترفت بغداد بموقف واضح وصريح خلال الجلسة التي حصلت بضرورة الوجود الأمريكي في العراق، لكن عن الحوار المرتقب الذي سيجمع الجانبين، يقول الباحث في الشأن السياسي باسل الكاظمي، إنه "بإمكان بغداد أن تكون منتصرة وتحصد ثمار الحوار الاستراتيجي مع واشنطن إذا ابتعدت عن الإملاءات الخارجية وضغوطات الفصائل المسلحة لكون هذه الجهات لا تعمل لمصلحة العراق وإنما لإيران بالتحديد، مشيرًا إلى أن "نجاح الجولة الثالثة المرتقبة من الحوار يتوقف على جلوس أشخاص يمثلون العراق بتجرد عن الولاءات والتحزب، فيما يبيّن أن "الإدارة الأمريكية ليست منظمة خيرية ستطبق ما يريده العراق، وإنما هي ربما تمنح تنازلات مقابل أمور أخرى، هي تسعى لها وفقًا للمصالح المشتركة".
ويضيف الكاظمي لـ"ألترا عراق"، أن "الفصائل ستضع الكثير من العراقيل وسيحصل هناك استهداف ضمن دائرة الوقت القريب لوضع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بموقف محرج قبيل الحوار، مشيرًا إلى "وجود أحزاب وخاصة الإسلامية منها لا تنسجم بسياستها مع الكاظمي بوجوده على مسافة واحدة من جميع البلدان، في حين حتى المرجعية تؤيد ضرورة وقوف العراق بموقف الحياد، وتدعو لهيبة الدولة دائمًا وحفظ سيادة البلد، ولذلك فأنه حتى خطاب المرجعية لا ينسجم مع أهداف الفصائل المسلحة".
ولفت إلى "نقاط رئيسية ستطرح في الحوار المقبل، وهي وجود المليشيات والسلاح المنفلت، ومن يقف ورائهم وضرورة وضع حد جذري لهذه الجهات، مشيرًا إلى "سعي بعض الكتل السياسية لتخريب النقاشات، لكون طهران تريد استمرار العراق كساحة حرب دولية لتصفية الحسابات، فيما بيّن أن "إيران تتعامل عبر قناتين؛ الأولى كونها دولة تحرك أذرعها المسلحة في العراق، وأيضًا عبر كتل سياسية ونواب في البرلمان يضغطون على الحكومة وينجزون مصالحها، أما القناة الثانية؛ هي التعامل بنظام اللادولة عبر الاستهداف والأعمال الإرهابية ضد الخصوم بشكل مباشر، مثل استهداف البعثات والمصالح الأمريكية".
لكن رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، يؤكد مرارًا على تخفيض عدد القوات الأجنبية، وهي تصريحات تأتي مشابهة لمطالب القوى السياسية المقربة من طهران، حيث أكد مؤخرًا خلال زيارته وزارة الخارجية نجاح حكومته في "تطوير دبلوماسية نشطة خلال الفترة الحالية، بعد تفعيل الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، والانتقال نحو التركيز على التعاون الاقتصادي والدبلوماسي والثقافي، وكذلك النجاح في تخفيض عدد القوات الأجنبية بنسبة 60 بالمئة".
ويرى هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات في مصر، أن "أهمية الجولة الثالثة من الحوار بين العراق والولايات المتحدة كبيرة جدًا ومفصلية، خاصة قدومها في الأسابيع الأولى من فترة حكم الرئيس الأمريكي جو بايدن، وتمثل مرحلة حساسة وانتقالية بالرؤية الأمريكية نحو العراق، موضحًا أن "العراق أهم المحطات الأمريكية الموجودة في الشرق الأوسط، ولطالما كان هو الحديقة الخلفية للصراعات الإيرانية، وما يحدث الآن هو امتداد للصراع القطبي بين طهران وواشنطن على الأراضي العراقية، ما سيجعل عدة توازنات تكون حاضرة في الحوار المقبل تحاول اللعب عليها إدارة بايدن مع مرور حكومة الكاظمي بوضع صعب بمواجهة الفصائل الإيرانية".
ويؤكد سليمان في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "الدبلوماسية الأمريكية التي صرّح بها وزير الخارجية انتوني بلنكن، والخطوات الخاصة بإعادة سحب لائحة العقوبات الأممية على إيران التي تقدم بها الرئيس ترامب سابقًا تمثل خطوات انبطاحية ومرنة بشكل كبير للجانب الإيراني، بالتزامن مع اتفاق الثلاثة أشهر بين وكالة الطاقة الذرية وطهران حول المفاعل النووي وتخصيب اليورانيوم، حيث أعطاها أولوية وموقف قوي، بالتالي، فإن الجولة الجديدة من الحوارات بين بغداد وواشنطن ستكون مختلفة وتوضح الرؤية الأمريكية، فيما إذا كان بايدن عازمًا على عدم ترك الساحة لإيران بسحب قواته من العراق، وتركه ساحة للفصائل المسلحة، أم ستكون له استراتيجية جديدة وصارمة تقوم على مواجهة النفوذ الإيراني".
ويعتقد سليمان بضرورة وجود "فكرة استقلال العراق لدى حكومة الكاظمي أو أي حكومة غيرها تحمل القرار الوطني لتبعد العراق عن نظرية الثنائيات والاستقطابات التي نالت كثيرًا من فرصته بإقامة مؤسساته وسيادته بشكل فعال، بعيدًا عن الحسابات الضيقة ومصالح الدول الأخرى، مستدركًا "لكن الحصول على ذلك لا يكون بشكل سريع، وإنما بالتدريج عبر التخلي عن الانتماءات للأقطاب الدولية وتفضيل المصلحة العراقية أولًا، مشيرًا إلى أن "الملف العراقي في هذا الوقت يأتي ضمن أولويات أمريكية خاصة بعد فشل اتفاق السلام مع حركة طالبان وتراجع نفوذ واشنطن خاصة بعد خطوات تخبطية أقدم عليها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فضلًا عن العلاقات المتوترة بين الأمريكان والروس".
يعتبر المحلل السياسي أحمد السراجي أن الفصائل ترحب بالتقارب العراقي ـ الأمريكي وتقف خلف الكاظمي من أجل إنجاح الحوار مع واشنطن لكونه يمثل لها بعض المكاسب
من جهته، يقول أستاذ الإعلام في جامعة أهل البيت غالب الدعمي، إن "الحوار المقبل سيستمر، وهو حلقة من ضمن سلسلة سيكون لها وقت طويل، العراق واقع تحت ضغوط إيرانية كبيرة، وهذا الوضع غير مخفي، وإنما يقال عبر تصريحات رسمية، بدءًا من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية وصولًا إلى أصغر مسؤول في إيران، أنهم يقاتلون لإخراج القوات الأمريكية في العراق، لافتًا إلى أن "إيران ستضغط مع وجود حكومة جو بايدن وظهور لوبيات أخرى في العالم دخلت على خط الصراع، وأيضًا لوجود قناعة إيرانية لإمكانية اتخاذ إدارة بايدن خطوات جريئة مثل ما قامت به تجاه المملكة العربية السعودية مؤخرًا بتوجيه التهم لها بالجرائم الإنسانية، وعلى رأسها ولي العهد محمد بن سلمان بما يخص قضية الصحافي جمال خاشقجي، وأيضًا رفعت بعض أسماء القيادات الحوثية من لوائح الإرهاب، مبينًا أن "هذا يدل على مرونة تراها إيران لدى الجانب الأمريكي للتفاهم".
اقرأ/ي أيضًا: أهداف متشابكة.. هل يُصلح "الحوار الاستراتيجي" ما أفسدته الصواريخ؟
وأشار الدعمي لـ"ألترا عراق"، إلى أن "الولايات المتحدة اليوم بدأت تستخدم ما يسمى بالقوى الناعمة لجذب أوروبا والصين وكوريا الشمالية للضغط على إيران، بالإضافة لجهات إقليمية قريبة بدأت بالبروز كجهات معادية لإيران مثل تركيا التي عقدت مصالحة مع مصر والسعودية والإمارات لتنظيم خطط عسكرية، والاستفادة من خبرات تصنيع السلاح، وكل ذلك للتحضير لجبهات معركة بين الطرف الشيعي الأبرز في المنطقة إيران، وبين الدول التي سلف ذكرها كحرب طائفية بشدة تكون إحدى ساحاتها الأراضي العراقية وهناك مؤشرات كبيرة لذلك".
وأضاف الدعمي أن "الولايات المتحدة كلما ابتعدت عن المشهد العراقي، فستقوم بالتحضير لمشهد دموي أكبر في المنطقة بين إمبراطورية العثمانيين الجديدة ونظيرتها الإيرانية، والاثنين يحلمون بإعادة انتصاراتهم وغزواتهم التاريخية، لافتًا إلى أن "الفعاليات السياسية في العراق بكل وضوح تمثل رغبات إيران بشكل واضح، ولا تخرج عن رؤيتها للأحداث وتستخدمها للضغط باتجاه إخراج الأمريكان، وهو أمر لن يحصل إطلاقًا، ولا حتى الحكومة العراقية قادرة على ذلك، لأن الكثير من الأطراف الشيعية، وبعض الأكراد لا يريدون خروج الولايات المتحدة وقواتها من العراق لما تمثله من ضمان لهم".
وأثارت الهجمات الأمريكية الأخيرة في 25 شباط/ فبراير2021 على مقار للفصائل المسلحة الموالية لإيران على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا، ردود أفعال متعددة، خاصة بعد مقتل 22 عنصرًا نتيجة القصف، كان أبرزها تصريحات الأمين لعصائب أهل الحق، قيس الخزعلي في تغريدة على تويتر، قائلاً إن "هذا الفعل الدنيء يبيّن أن الإدارة الأميركية الجديدة واتخاذها لهذه السياسة العدوانية واستمرارها بهذه التجاوزات المتعمدة يصب بشكل واضح في خدمة المشروع الصهويني على حساب العراقيين ودماء أبنائهم"، في وقت وصفها المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جون كيربي عملية القصف هذه بـ"الدفاعية" على مواقع يستخدمها حزب الله، مبينًا أن "الضربات سُمح بها ردًا على الهجمات الأخيرة على الطاقم الأمريكي وقوات التحالف في العراق".
وفي السياق، أعتبر المحلل السياسي أحمد السراجي، أن "الولايات المتحدة الأمريكية لاعب مهم في المشهد السياسي العراقي، ومن السذاجة تجاوز هذا الدور وتأثيره على كل الأوضاع في العراق، ومبادرة وزارة الخارجية الأمريكية والرئيس جو بايدين بإجراء اتصالات مع وزير الخارجية العراقي ورئيس الحكومة يدل على وجود تفهم من قبل واشنطن لما تريده بغداد لكونها حاولت التذكير بوجود جولة ثالثة مقبلة من الحوار الاستراتيجي بين البلدين، وفقًا للبيانات الرسمية من الطرفين لمناقشة الملفات الشائكة بين البلدين، مشيرًا إلى أن "لهذا الحوار المرتقب سيكون دورًا خفيًا بتحديد ملامح الحكومة العراقية المقبلة ما بعد الانتخابات المبكرة".
ويقول السراجي لـ"ألترا عراق"، إن "الفصائل العراقية ترحب بهذا التقارب العراقي ـ الأمريكي وتقف خلف الكاظمي من أجل إنجاح الحوار مع واشنطن لكونه يمثل مكاسب لها قد تطرأ من خلال النقاشات، فيما لفت إلى أن "هناك بعض المعوقات مثل المصالح الأمريكية مع حلفائها، ولعل الطرف الكردي متمثلًا بوزير الخارجية فؤاد حسين سيكون له دور في المفاوضات لكون إقليم كردستان لديه الكثير من الشروط والرغبات لم تمض كما يريد، فهم يطمحون من خلال هذا التقارب مع الولايات المتحدة فرصة للضغط وتمرير مصالحهم في بغداد، مؤكدًا بالوقت نفسه أن "المشهد شائك في العراق، فمن جانب يوجد التدخل التركي ورغبة الخليج بالانفتاح ونظرة إيران للعراق بكونه حصة لها، كلها تمثل ضبابية في الأوضاع العراقية، فضلًا عن الاحتجاجات الشعبية، جميعها دلائل تجعل بغداد وواشنطن بصدد وضع خطوط واضحة لرسم المسارات المقبلة ضمن الحوار الاستراتيجي القادم بين البلدين".
وعن ما يجري في بغداد حول المباحثات، قال عباس العمبوري، وهو مستشار العلاقات الخارجية في مجلس النواب، إن "وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، لم يتحدث في آخر لقاء نيابي عن برنامج متفق عليه لغاية الآن مع واشنطن حول اللقاء الاستراتيجي أو الملفات التي ستطرح فيه، مشيرًا لـ"ألترا عراق" إلى "كون فكرة الحوار التي جرت في المرة الأولى عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة والثانية خلال زيارة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي إلى واشنطن قد تختلف في المرة الثالثة، وربما يكون حضوريًا متمثلًا بوفد أمريكي رفيع المستوى إلى بغداد، وربما العكس بذهاب وفد عراقي، مستدركًا "لكن للآن لا يوجد شيء واضح أو متفق عليه وبغداد بانتظار التنسيق المشترك حول الأمر".
اقرأ/ي أيضًا:
3 نتائج بارزة لـ"الحوار الاستراتيجي" بين واشنطن وبغداد
استئناف الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن.. وتفاهمات نفطية - كهربائية