12-يونيو-2020

تنتظر الولايات المتحدة تطبيق تعهدات الحكومة العراقية بحماية منشآتها ومنع استهدافها (فيسبوك)

لخّص جدول أعمال الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية الذي نشرته خارجية الأخيرة والذي حمل أربعة محاور؛ الأمن والاقتصاد والسياسة والثقافة، الكثير من التحليلات والتوقعات التي سبقت انطلاق الحوار. خصصت المسودة 30 دقيقة للنقاش الأمني بقيادة الوفد الأمريكي ومثلها للنقاش الاقتصادي بقيادة الوفد العراقي ثم 20 دقيقة للسياسي بقيادة الأمريكيين و10 للثقافي بقيادة العراقيين. توضح هذه الخارطة أولويات الحوار وأهمية كل ملف بالنسبة لكلا الدولتين، وهي ملفات ليست وليدة الأيام القليلة من عمر الحكومة الجديدة، ولعل التذكير واجبٌ هنا بأن مقترح الحوار ظهر للعلن في بداية نيسان/أبريل بوجود عادل عبد المهدي على رأس السلطة وقبل تكليف مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة.

كسر صاروخ كاتيوشا الهدوء النسبي منذ تشكيل حكومة الكاظمي حين سقط في محيط السفارة الأمريكية ببغداد عشية انطلاق الحوار

حالة الارتباك والضبابية في العلاقة الثنائية أوجبت ما تصر حكومة الكاظمي على تسميته "حوارًا" وليس مفاوضات. والحق أن الفارق واضحٌ بين المفهومين ويدل على عدم وضوح في الأجندة، لكنه لا ينفي إمكانية جمعهما معًا، وهو الهدف الذي تتطلع إليه الحكومتان من خلال اجتماع واشنطن المفترض في تموز/يوليو المقبل.

اقرأ/ي أيضًا: أهداف متشابكة.. هل يُصلح "الحوار الاستراتيجي" ما أفسدته الصواريخ؟

من الجانب الأمني تبدأ الحكاية. وتشير الولايات المتحدة صراحة إلى طرح مخاوفها حول تواجدها العسكري في العراق ومن المفترض أي يُجيب العراقيون على تلك التحديات. يقابله أهمية المحور الاقتصادي الذي يستعرض فيه الفريق العراقي المصاعب التي تواجه البلاد في ظل أزمة مالية/صحية ثم تستعرض الولايات المتحدة ما لديها من خيارات، وبرأينا فأن الملفين مرتبطان ببعضهما أشد الارتباط.

تصاعد معارك درونز ـ كاتيوشا وقرار مجلس النواب بإخراج القوات الأجنبية من البلاد عجّل بضرورة حسم الملف مباشرة بعد تشكيل الحكومة الجديدة لتعذّر إمكانية تطبيق القرار في ظل الحكومة السابقة التي استمرت لتصريف الأمور اليومية طيلة فترة بقائها منذ استعرت المواجهة.

كسر صاروخ كاتيوشا الهدوء النسبي منذ تشكيل حكومة الكاظمي حين سقط في محيط السفارة الأمريكية ببغداد عشية انطلاق الحوار، وهي رسالة صوتية بالغة الأهمية من المؤكد أنها اخترقت النقاش الأمني وأحرجت الفريق العراقي خاصةً مع عدم ثقة الولايات المتحدة بالسلطات العراقية المحلية في حماية منشآتها العسكرية والدبلوماسية التي تتعرض مرارًا للقصف والاستهداف.

جاء ذلك بعد مطالبات واسعة ومكررة من الكتل السياسية الشيعية بضرورة تطبيق القرار البرلماني بإخراج القوات الأجنبية؛ لكن (القانون) يكون مُلزمًا أكثر من (القرار) الذي ترك للحكومة العراقية "تحديد الوقت والكيفية في إنهاء التواجد العسكري الأجنبي" كما يتحدث خبراء قانونيون.

لم يكن البيان العراقي الأمريكي المشترك حاسمًا في هذا الجانب الأهم، حيث حمل تأكيدًا لمبادئ اتفاقية الإطار الاستراتيجي و"التي وردت في تبادل المذكرات الدبلوماسية ومراسلات جمهورية العراق إلى مجلس الأمن الدولي" المرقمة 440 و491، والأول هو طلب وزير الخارجية العراقي آنذاك هوشيار زيباري المساعدة الدولية لهزيمة داعش بتأريخ 25 حزيران/يونيو 2014 والآخر تأكيد خلفه إبراهيم الجعفري على الطلب في 20 أيلول/سبتمبر من ذات العام. وهما الطلبان اللذان استند عليهما التحالف الدولي في تواجده داخل العراق لمحاربة التنظيم.

قد تلعب سياسة الضغط القصوى المتبعة من الإدارة الأمريكية على إيران، دورًا كبيرًا في خروج العراق من حالة "البوصلة التائهة" وحسم خياراته كدولة

من جانب ثاني يحمل البيان المشترك تأكيد الولايات المتحدة على احترام قرارات السلطة التشريعية والتنفيذية المتعلقة بالسيادة، والأهم، تأكيدها على عدم السعي إلى قواعد قواعد دائمة أو تواجد عسكري دائمي في العراق.

اقرأ/ي أيضًا: 3 نتائج بارزة لـ"الحوار الاستراتيجي" بين واشنطن وبغداد

إذن، تنتظر الولايات المتحدة تطبيق تعهدات الحكومة العراقية بحماية منشآتها ومنع استهدافها، مع تعهد مقابل بانسحاب هادئ وتدريجي، ورغبة بعلاقة أمنية "طبيعية"، ولهذه التفاصيل علاقة مباشرة بالانتخابات الأمريكية القادمة وملف العقوبات على إيران والأزمة الاقتصادية العراقية. ومن شأن تطبيع العلاقة الأمنية أن يدفع بعجلة الاقتصاد العراقي عبر الدعم المالي الدولي و"استثمارات أمريكية محتملة" بشرط توفر "الظروف الملائمة"، أو هذا ما أكده البيان.

يعتقد سياسيون عراقيون أن بإمكان الولايات المتحدة "التآمر" إلى الحد المبتذل مع جناح سياسي من النظام العراقي؛ ومن الخطأ أن تنخرط الحكومة مع هذا الرأي وينال الاسترخاء منها بدعوى القرب من واشنطن. ستنتظر الأخيرة حكومة فعّالة وقرارات ناجعة لا تُحرج الحاكمين هناك، الذين قد يُفاجِئون حلفائهم في العراق إذا ما تعرضت صورتهم للتشويه قبيل الانتخابات على وجه الخصوص. لذا فهي فرصة لإثبات الكفاءة والقدرة لتبديد مخاوف الجانب الآخر إذا ما أرادوا الانتقال من مرحلة الحوار إلى مرحلة التفاوض أو تطبيق مضامين الاتفاقات المسبقة بصورة طبيعية.

أمام حكومة الكاظمي كما أسلفنا سابقًا خمسة ملفات: الأمن والاقتصاد والجائحة والمتظاهرين والاشتباك الأمريكي الإيراني في العراق، والحوار الذي يحاول حل المشكلة الأخيرة يرتبط بشكلٍ رئيس بالملفات الأخرى وربما يكون بوابةً لتذليل صعوباتها أو تأزيمها أكثر.

قد تلعب سياسة الضغط القصوى المتبعة من الإدارة الأمريكية على إيران، ومآلاتها اللاحقة، دورًا كبيرًا في خروج العراق من حالة "البوصلة التائهة" وحسم خياراته كدولة بغض النظر عن المصلحة، وأننا إذ لا نريد الاستعجال في الحكم على الخيار الأنسب لكننا نرى في البوصلة التائهة سببًا رئيسيًا في التوافق الخارجي المتوتر الذي يستنزف طاقة العراق ووقته.

أخيرًا، اقتصر الجانب السياسي على 20 دقيقة بحسب مسودة الجدول، وبقيادة الولايات المتحدة، وحمل ملفات الانتخابات وإعادة النازحين، و"العدالة لضحايا المتظاهرين" التي وردت في المسودة وغابت عن البيان اللاحق. أما على المستوى الثقافي فحمل خطط إعادة القطع الأثرية وأرشيف حزب البعث ودعم الجامعات العراقية.

ستتحمل الحكومة العراقية مسؤولية الإجابة على السؤال الأمني لتجيب الولايات المتحدة على السؤال الاقتصادي المُلِح في العراق

إن المحورين الأخيرين لا يتعديان سوى أنهما وسائل ضغط محتملة ودعم شكلية، على مستويات متعددة وتوقيتات مختلفة؛ لكن الملفين الأمني والاقتصادي سيكونان الحاسمين في رسم ملامح المرحلة المقبلة وتفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجي. ستتحمل الحكومة العراقية مسؤولية الإجابة على السؤال الأمني لتجيب الولايات المتحدة على السؤال الاقتصادي المُلِح في العراق.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

العراق وأمريكا ولعبة العصا والجزرة

"تراجع" من زعيم العصائب بعيد الحوار العراقي - الأمريكي