يكاد لا يبتعد العنوان كثيرًا عن توصيف المفكر العربي عبد الوهاب المسيري الذي يوضح في إحدى محاضرته ويتحدث عن اليهودي الوظيفي، وهو يشير هنا إلى من هم من غير اليهود أو الصهاينة، لكنهم يعملون على نفس المنهج، سواء كان عملهم بتوجيه منهم أو من تلقاء أنفسهم لأسباب كثيرة.
البعثي الوظيفي هو من وجد نفسه يمارس نفس الدور في كسر رقاب الفقراء، هو نفسه المخبر السري كاسر الرقاب في سنوات ما بعد 2003
الموضوع لا يختلف كثيرًا عن تلك المقاربة، فالقراءة السطحية هي وحدها التي تقدم على تأرخة ظهور داعش يوم اعتلى أبو بكر البغدادي في 29 حزيران/يونيو 2014 منبر الجامع الكبير في الموصل، وأعلن دولته المزعومة، وهي نفس القراءة التي تعتبر أن هذا التنظيم قد انتهى يوم أعلن رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي النصر على داعش الإرهابي في 10 كانون الأول/ديسمبر 2017، وتحرير الأراضي العراقية. فتنظيم "داعش" كان قد بدأ العمل في المحافظات التي سيستولي عليها عام 2014 منذ أواخر عام 2011 ومطلع 2012، في محافظة الأنبار مثلًا، بدأ هذا التنظيم مبكرًا منذ أن كان يطرق مسامعنا، أن مشروعًا ما، كان قد توقف بسبب عدم وجود المبالغ الكافية التي كانت تدفع أتاوات لهذا التنظيم عن طريق سماسرة وشبكات معقدة. أو حين أجبر فيما بعد، بعض أفراد القوات الأمنية على إعلان التوبة والبراءة لضمان عدم تعرض حياتهم لخطر تلك العصابات.
اقرأ/ي أيضًا: عن الذات المحاربة
منذ 2003 سنة انهيار نظام البعث الحاكم والقيادة الفردية للديكتاتور صدام حسين، وما لحقها من خطوات مدروسة عمل عليها الاحتلال الأمريكي لتفكيك ما تبقى من الدولة العراقية ولغاية اليوم، أصبحنا على يقين تام من أن البعث والتنظيمات الإرهابية التي ارتبطت به بصورة أو بأخرى، وحتى تلك التي لاقت دعمه وتأييده فيما بعد، من القاعدة وصولًا إلى داعش، هي لا تختلف كثيرًا عنه، بل هي تشبهه في الجوهر باعتبارها طريقة عيش وأسلوب تفكير.
فالبعثي الوظيفي هو نفسه البعثي القيادي الذي كان "القاط السفاري" لا يفارقه مثل أقلامه التي تعلق على الكتف الأيسر. البعثي الوظيفي هو من وجد نفسه يمارس نفس الدور في كسر رقاب الفقراء الذين لا حول لهم ولا قوة، هو نفسه المخبر السري كاسر الرقاب في سنوات ما بعد 2003!
لداعش ومثيلاتها من التنظيمات الإرهابية والظلامية عقيدةٌ محرّكة، عقيدة يؤمن بها أفرادها، ويدافعون عنها باعتبارها تمثل وجودهم، والدفاع عنها هو دفاع عن هذا الوجود، وهو ما يبدو واضحًا من إقدامهم على القتال حتى يقّتلوا، أو ينسفوا أنفسهم آخذين معهم العشرات من الأبرياء في كل مرة. هذه العقيدة هي ما تدفعهم إلى الموت في سبيلها، معتبرين أن ما يقاتلون من أجله هو الحق المطلق، تساندهم وتدفع بهم فتاوى شيوخهم الذين تزداد مكاسبهم وتترسخ مكاناتهم مع كل حزام ناسف يؤدي بضحايا أو عبوة لاصقة تخلصهم من خصومهم الذين يجري تحديدهم بدقة. هذه الفتاوى التي أعطتهم الصلاحية بالقتل والتهجير والسبي والسلب والتشريد لآلاف من العوائل التي لم تقترف ذنبًا سوى أنها لم تكن راغبة بالعيش في بيئة يحكمها هؤلاء. وليس بعيدًا عن هؤلاء العقائديين هناك من لم ينتم لداعش يومًا، بل أجزم أن طريقة عيشه هي ذات الطريقة التي تحاربها تلك التنظيمات الإرهابية، إلا أنه يتشارك من حيث لا يدري مع مخططات داعش في المحصلة النهائية.
متأكد الى درجة القطع واليقين، أن فردًا من داعش لا يختلف بالمرة عن آخرالذي بحكم موقعه أو علاقاته أو تأثيراته اللامحدودة، يستطيع أن يؤخر صفقة علاج مرضى السرطان، أو لقاحًا خاصًا بأطفالنا أو أن يمنع بأي وسيلة كانت أية خطةٍ أو رؤية تفضي إلى وضع الحد لتردي الكهرباء في هذا البلد، وما يرافقها من تأثيرات مدمرة على مئات من المصانع العراقية التي بإمكانها أن تستوعب كل أولئك الخريجين الذين تهشمت رؤوسهم، وهم يطالبون بحقهم بفرصة عمل لا يختلف عن داعش، وهل أبالغ إن قلت أنه يشكل خطرًا أكثر وأكبر من الخطورة التي يشكلها الإرهابي نفسه.
في خاتمة المطاف كل ما كان يريده داعش لحظة مطاردته لنا هو أن نرضخ لما يراه هو صحيحًا، كل ما يراه هو حقًا وغيره باطلًا يستحق الموت، كل ما كان يريده هو أن ينهي حياتنا، وبهذا يتشارك كل من يرغب بأن ينهيها مع داعش جوهرًا، حتى وإن لم يقصر جلبابه أو يحمل تلك الراية السوداء!
اقرأ/ي أيضًا: