22-مايو-2021

ليست المرة التي يقاطع فيها العراقيون الانتخابات (فيسبوك)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

أفرزت الاغتيالات الأخيرة في العراق، فكرة مقاطعة الانتخابات والنظام السياسي في العراق، خاصة مع مقتل الناشط في كربلاء، إيهاب الوزني، في 9 أيار/مايو، ما أدى إلى أن تعلن قوى ناشئة عن احتجاجات تشرين مقاطعة الانتخابات، لأن "البيئة غير آمنة" لإجراء الانتخابات في العراق، فضلًا عن سيطرة ما أطلقوا عليه "السلاح المنفلت". 

 الدستور العراقي لم يحدد نسبة المشاركة في الانتخابات للاعتراف بها

وليست المرة الأولى التي تظهر فكرة المقاطعة للانتخابات في العراق، إذ شهدت الانتخابات البرلمانية في أيار/مايو 2018 نسبة مشاركة بلغت 44.52 % من مجموع  24 مليونًا و352 ألفًا و253 عراقيًا كان يحق لهم التصويت، فيما بلغ عدد المصوتين في الاقتراع 10 ملايين و840 ألفًا و969 ناخبًا، منهم 9 ملايين و952 ألفًا و264  بالتصويت الاعتيادي، و709 ألفًا و396 من المشاركين في تصويت القوات المسلحة والشرطة والبيشمركة الكردية، كما صوت 179 ألفًا و329 عراقيًا من المقيمين خارج البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: اغتيال إيهاب الوزني.. قوى وأحزاب وشخصيات تُقاطع النظام السياسي

أما بالنسبة للسنوات السابقة، فقد جاءت انتخابات العام 2005 بنسبة مشاركة بلغت 79%، وفي 2010 كانت النسبة 62.4% ، ثم 2014 بنسبة 60%.

تعود فكرة المقاطعة على اعتبار أن أصوات الناخبين لا تلبي طموحاتهم، ولا تصل لحقيقة ما يريدون، بحسب الخبير القانوني، أمير الدعمي، لكنه يستدرك بالقول إن "الدستور العراقي لم يحدد نسبة المشاركة في الانتخابات للاعتراف بها، ولا قانون الانتخابات الجديد، أو السابق، مبينًا في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "هذا حصل بسبب سرعة كتابة الدستور وإقراره في عام 2005 وأيضًا لكون الفكرة لم تكن موجودة، ولكن بعدها ظهرت فكرة المقاطعة". 

ويتابع الدعمي، أنه "إذا كان هناك خطوة يجب أن تحصل فهي الذهاب نحو تعديل الدستور العراقي، ووضع فقرة تحدد نسبة المشاركة الشرعية وبغيرها، فلا شيء يوقف أو يقلّل من الاعتراف بالنتائج"، وعن إمكانية استغلال المقاطعين لفكرة عدم مشاركتهم، يشير الدعمي إلى "ضرورة استمرارهم بهدفهم قبل وبعد الانتخابات من خلال الاحتجاج ولا طريقة توجد غيره"، مؤكدًا أن "هناك الكثير يستدعي هذا الاحتجاج ومن الأفضل استمراره لكون لا يوجد شيء مقنع تم تحقيقه أو سيتحقق دون وجود ضغط شعبي يثمر عن انتخابات شفافة ونزيهة بعيدة عن المال السياسي والسلاح المنفلت".

لكن الانتخابات لغاية اللحظة لا يمكن اعتبارها ستلبي طموح الشعب سواء بالمشاركة أو دونها، بحسب الدعمي الذي علّل ذلك بـ"وجود قوائم كثيرة رغم فيها نسبة مشاركة فردية لبعض المرشحين، لكن لا يمثلون سوى 10% من البرلمان القادم، وبالتالي؛ فالمجلس المقبل هو من نفس الكتل الموجودة حاليًا مع تغيير طفيف سوف لن يكون مؤثرًا بالعملية السياسية".

ويختلف القاضي السابق والخبير القانوني، علي جابر مع الدعمي بالقول إن "عزوف الناخبين عن الانتخابات سيجعل مهمة الأحزاب الحالية بالفوز سهلة جدًا وبدون أي منافس من الكتل الوطنية الجديد والشخصيات المستقلة، لافتًا في حديث لـ"الترا عراق"، إلى أنه "إذا أراد المقاطعون استغلال عزوفهم لتحريك شيء أو لجعل مقاطعتهم مثمرة، فذلك لا يحصل إلا بتدخل الجهات الدولية كمجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة".

ويضيف جابر أن "الجهات الدولية لا تضع نفسها في هذا الشيء لكون الوضع في العراق لا يستدعي ذلك في الوقت الحالي، وهي تعتبره مستقر، ولا يجب التدخل في شؤونه وفق ميثاقها الدولي، مستدركًا "لكن هناك إجراءات ممكن حصولها من الأطراف الدولية تعتبر صعبة وتستدعي قرارات وجلسات وتشاور ليتم اتخاذ قرار بحق شيء ملموس وخرق يحصل في الانتخابات العراقية".

ويؤشر الخبير القانوني بعض النقاط التي يمكن أن تعبر عن فحوى المقاطعة وتجعلها ملموسة، بضمنها "قيام جبهة المقاطعة بمنع إجراء الانتخابات من الأساس في حال استمرار التظاهرات وسوء الأوضاع الأمنية، ما قد يدفع إلى بقاء البرلمان نفسه بدون أن يُحل والحكومة أيضًا، مبينًا أن "ذلك سيذهب باتجاه تأجيل الانتخابات إلى شهر حزيران/يونيو 2022 وهو موعدها الدستوري الاعتيادي".

يرى خبير قانوني أن الانتخابات لا يمكن اعتبارها ستلبي طموح الشعب وتؤسس للتغيير المنشود

ويلفت جابر إلى أن "خيار دفع المقاطعين لموعد الانتخابات يأتي كنتيجة متوقعة من مجلس النواب وثبتها في تصويته على قرار حل نفسه بشرط إجراء الانتخابات المبكرة بشكل مؤكد لينهي عمله قبلها بساعات قليلة، معتبرًا أن "هذا يعبر عن مخاوف موجودة من إمكانية عدم الوصول إلى الإجراء بالموعد المحدد بسبب الأوضاع التي تخشاها الأحزاب السياسية وعلى رأسها المقاطعين والاحتجاجات".

اقرأ/ي أيضًا: اغتيال "إيهاب الوزني".. رصاص الميليشيات يستبيح أيقونة الاحتجاج السلميّ

ويعتقد أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة بغداد، علي طاهر الحمود، أن "تجربة مقاطعة انتخابات 2018 ومقاطعتها أنتجت تحالف (السلاح السائب وذوي القبعات الزرق) والمشاركة النشطة في انتخابات تشرين 2021 كفيلة بحشرهما في الزاوية مرة أخرى"، مبينًا لـ"ألترا عراق"، أن "للمقاطعة ثمن باهض، ستعود الدولة الموازية كما في انتخابات 2018، مضيفًا "على قوى تشرين تصحيح المسار من داخل العملية السياسية، فمن خارجها سيكون التغيير صعبًا ومكلفًا، لافتًا إلى أن "المطالبة بتدخل أممي واسع للإشراف على الانتخابات، وتوحيد الصفوف للمشاركة كفيل بإعادة الأمل الذي أشعلته تشرين".

وتأتي شعارات المقاطعة بعد احتجاجات شهدتها عدة محافظات ومدن في البلاد على خلفية اغتيال الناشط الكربلائي إيهاب الوزني، واجهتها السلطات بإجراءات القمع والاعتقالات، فيما يخطط المحتجون لجولة جديدة تتضمن مسيرة نحو العاصمة بغداد في 25 من أيار/مايو الجاري، وبدأ هذا الحراك الاحتجاجي الجديد من محافظة كربلاء ثم إلى بابل والديوانية والنجف والبصرة وميسان، مع إعلان مقاطعة كاملة للنظام السياسي المتهم بـ"التستر على قتلة المتظاهرين والناشطين" نتيجة عمليات العنف المستمرة منذ انطلاق الاحتجاجات في تشرين الأول/أكتوبر في 2019.

ومنذ اندلاع التظاهرات في تشرين الأول/أكتوبر 2019 وصلت عمليات الاغتيال التي طالت الناشطين 70 عملية، فيما وصل أعداد المغيبين إلى 80 شخصًا، وبالمقابل، شكلت 4 لجان لحسم ملف التحقيق بعمليات الاغتيال، ولكن حتى الآن لم تظهر أي نتائج، بالرغم من "امتلاك الحكومة وأجهزتها الأمنية الإمكانيات للكشف عن الجناة ولكنها تفتقد الى الجدية والإرادة"، بحسب مفوضية حقوق الإنسان.

ودشن مغردون بعد اغتيال إيهاب الوزني وسم #مقاطعون للدعوة لمقاطعة الانتخابات النيابية في العراق، واصفين إياها بـ"غير الشرعية"، ومشددين على ضرورة "غياب الميليشيات" لتهيئة مناخ سياسي ديمقراطي حقيقي، لتصدر مواقف سياسية عديدة تُعلن مقاطعة النظام السياسي بالكامل، فيما أعلن حزب الاتحاد العراقي للعمل والحقوق، عن قراره مقاطعة النظام السياسي، كما أعلن حزب البيت الوطني، مقاطعة العملية السياسية في العراق، فيما دعا حراك البيت العراقي، إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة، بالوقت الذي أعلن الحزب الشيوعي العراقي، تعليق مشاركته في الانتخابات النيابية المقبلة، احتجاجًا على اغتيال الناشط الوزني.  

لا توجد أحزاب بالمعنى الحقيقي في العراق، وإنما تجمعات انتخابية، بحسب المحلل السياسي، نديم الجابري، والذي يؤكد لـ"ألترا عراق"، أنه "لا يوجد أي حزب في العراق يمتلك رؤية خاصة به ويمكن القول إنه حزب عريق ويحتوي على مفكرين ومثقفين يستطيعون حل أزمات وإدارة بلد بطرق حضارية ويضعون الأفكار ويرسمون الرؤى المستقبلية ويعالجون المستجدات، مبينًا أن "هذه لا تتحقق لوجود ساسة جهلاء للوضع العراقي". 

يرى محلل سياسي أن ما يوجد في العراق ليست أحزابًا وإنما تجمعات انتخابية

ويضيف الجابري، أن "نسبة المقاطعة في 2018 كانت كبيرة جدًا في الانتخابات، وبالنتيجة أرعبت الأحزاب وأجبرتها على اختيار رئيس وزراء من خارجها لعدم الاصطدام مع الشعب ولشعورها أنها فازت بانتخابات لم يكن الشعب راضيًا عنها، مشيرًا إلى أن "الأحزاب الحالية ضعيفة جدًا وليست بالقوة التي لا تقهر، ولكن يتطلب دخول جهات تشارك في الانتخابات تكون واعية وبتخطيط مكثف يمكنها من حصد الفوز والسيطرة لبناء البلد بالشكل الصحيح". 

ويرى مؤيدو فكرة المقاطعة، أن مقاطعة الانتخابات ستنزع عن النظام شرعيته وتُجنب القوى الجديدة التورط مع النظام السياسي، ويشير الأمين العام لحزب البيت الوطني حسين الغرابي في حديث سابق لـ"ألترا عراق"، إلى "عدم وجود عدالة انتخابية حقيقية تضمن لنا المنافسة السياسية العادلة في الانتخابات، بالإضافة لعدم قدرة الدولة على احتكار العنف وهو ما أدى لانفلات السلاح لدى المليشيات"، ويردف بالقول إن "غياب الأشراف الأممي شكل عائقًا كبيرًا للوثوق بمصداقية مخرجات العملية الانتخابية، لأننا أصحاب تجربة غير صادقة مع الجهات التي ترعى الانتخابات وتراقبها".

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"مقاطعون".. اغتيال إيهاب الوزني يلهب مطالب "إسقاط النظام" في العراق

تنظيمات ما بعد تشرين: من المقاطعة إلى الممارسة