22-مايو-2021

أدار الكاظمي وجهه نحو الخارج وترك الداخل (فيسبوك)

أكمل مصطفى الكاظمي عامًا على تنصيبه رئيسًا للحكومة، وكان أول من ينجح بتشكيل مجلس الوزراء وتمريره في مجلس النواب بعد انتفاضة تشرين، بعد فشل مرشحين اثنين قبله، وذلك في أيار/مايو من العام الماضي.

لقد أدار الكاظمي وجهه نحو الخارج وترك الداخل يشهد تصدّعات واغتيالات تكللت بإعلان قوى احتجاجية مقاطعتها للانتخابات

لم تكن ملامح رئيس الحكومة الجديد واضحة بالنسبة للمجتمع عمومًا، ولم تكن مكتملةً بالنسبة للكثير من الأوساط السياسية والإعلامية والحراك الشعبي. أعطى الغموض الذي يحيط هذه الشخصية التي وصلت إلى رئاسة جهاز المخابرات في 2016 المزيد من التشويق وانتظار ما ستفعله حال تسنمها أعلى منصبًا تنفيذيًا في البلاد. وزاد من الغموض تهديدات بعض الفصائل المسلحة له والتقارير التي تحدثت سابقًا ولاحقًا عن مشاركته في عملية المطار واغتيال سليماني والمهندس.

اقرأ/ي أيضًا: الكاظمي وتصفير العدّاد.. مقاربات وملفات واحتمالات

على أية حال، تناولنا في مثل هذه الأيام من العام الماضي خمسة ملفات ماثلة أمام الكاظمي بعد استلامه المنصب لا يمكنه تجاوزها، تمثّلت بالوباء، الانهيار الاقتصادي، الجماعات الإرهابية، الاشتباك الأمريكي الإيراني، ومطالب المتظاهرين.

أشرنا إلى ارتباط هذه الملفات بالحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة قبل انطلاقه بشهر آنذاك، وتأكد لاحقًا التعويل الكبير لحكومة الكاظمي على إنجاز الحوار بمراحله وتحقيق الأهداف المختلفة من خلاله.

لا يمكن اختصار ملف الوباء ببضعة سطور لتفاصيله الهائلة وتعدد العوامل المؤثرة عليه. أبرز النقاط المؤشَّرة كانت مشكلة أسطوانات الأوكسجين التي نشأت مع حكومة الكاظمي ثم تجاوزتها، بعد ذلك الانتشار الكبير لأعداد الإصابات والوفيات، ثم اللقاحات المتأخرة. لكن الأهم من أزمة الوباء لناحية تعامل الحكومة هو تداعياتها الاقتصادية.

لجأت الحكومة إلى معالجة الأزمة الاقتصادية الناجمة عن انهيار أسعار النفط والإغلاق وتوقف الأنشطة الاقتصادية حول العالم إلى الاقتراض وتخفيض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار ومحاولات استهدفت إيرادات المنافذ الحدودية ودعم المنتج المحلي.

رفقة ذلك، كان الكاظمي أمام ثلاثة احتمالات لمواجهة الصراع بين الشارع والأحزاب،  متمثلةً بضربة (قوية) للأحزاب، أو خفيفة يُمكن استيعابها، أو تجاهل الشارع وإلهائه ببعض الاستعراضات الإعلامية. وما حصل هو تجاهل حكومة الكاظمي لمطالب الشارع المحتج مع تحرشات خفيفة لبعض المتهمين بالفساد من الطبقة الثانية أو الثالثة.

قُلنا إن لخطابات الكاظمي آنذاك احتمالان: تنويم القوى السياسية ثم الانقضاض عليها، أو إنهاء مطالب المحتجين الصِدامية. والواضح بعد عام، إن رئيس الحكومة سار في الاتجاه الثاني، ولقد وصف نفسه مؤخرًا بأنه "طرف محايدٌ"، وكأن المعركة بين طرفين سياسيين يتوسطهما هو.

لاحت بوادرُ هدنة، أو وقفُ حربٍ، بين الولايات المتحدة الأمريكي وإيران، لم تبدأ بعد. لكن السفارة الأمريكية والقواعد والمعسكرات التابعة للتحالف الدولي وأرتال الدعم اللجوستي التابعة له استمرت بتلقي الهجمات والصواريخ حتى بعد تسلم بايدن المنصب خلفًا لترامب. فشل الكاظمي بإيقاف الهجمات خصوصًا بعد الأزمة التي نتجت عن عملية اعتقال متهمين بالقصف في منطقة الدورة. يحاول الكاظمي لعب دور الوساطة بين إيران والسعودية، مدفوعًا بالحوارات غير المباشرة بين الأولى والولايات المتحدة.

في القضايا الأمنية الأخرى، ارتكبت الجماعات الإرهابية عمليات تفجير واستهدافات مختلفة أبرزها كان التفجير الذي حصل في سوق شعبي وسط بغداد إضافة إلى التعرّضات المستمرة ضد القوات الأمنية العراقية، كما حصل في الطارمية وديالى وصلاح الدين، بعد قرابة ثلاثة أعوام من هزيمة داعش. بدا الفشل الاستخباري واضحًا. هذا ما يُمكن ذكرهُ في ملف الجماعات الإرهابية ونترك التفاصيل للمتخصصين.

كان يُمكن لحكومة الكاظمي تحقيق نجاح نسبي من خلال خيار "ضربات خفيفة تستوعبها الأحزاب" شرط نجاح نسبي في حل الملفات الأربعة التي من شأنها أن تشرع بتصفير عدّاد العملية السياسية. لقد أدار الكاظمي وجهه نحو الخارج وترك الداخل (عجزّا أو عدم إدراك) يشهد تصدّعات واغتيالات تكللت بإعلان قوى احتجاجية مقاطعتها للانتخابات التي يُفهم من الحديث الكاظمي إنها سفينة النجاة.

الملخص الشامل للملفات المطروحة أمام الكاظمي يؤشّر فشلًا في التعامل مع واقع ما بعد احتجاجات شعبية كبيرة

مع بعض النجاحات في الملف الخارجي، التي تتحدث بها الحكومة مدعومة بتصريحات قادة إيرانيين وعرب وأجانب، فأن الملخص الشامل للملفات المطروحة أمام الكاظمي يؤشّر فشلًا في التعامل مع واقع ما بعد احتجاجات شعبية كبيرة كانت بحاجة إلى مرحلةٍ انتقاليةٍ فيها الشروط اللازمة نسبيًا لتمضي إلى إصلاح سياسي يدب الحياة في نظام متهالك. إن الحكومةَ حتى الآن، وبالنظر إلى الثمار والوقائع، فشلت في هذا الاختبار بانتظار إعلان النتائج النهائية.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

حول الاحتجاجات ومقاطعة الانتخابات.. الآن

الفصل بين السلطات.. "مجتمع بلا دستور"