26-فبراير-2022

يشبّه عراقيون غزو أوكرانيا بما حدث مع الكويت (Getty)

يتفاعل العراقيون مع الأحداث العالمية الكبيرة بحسب شدّتها وقربها من مصالحهم أو شببها بظروفهم الحالية أو التي سبق وأن مروا بها، وهو ما حصل مع اجتياح القوات الروسية الأراضي الأوكرانية.

غاب التفويض الأممي الرسمي عن الاحتلال الأمريكي للعراق بقرار لم يتخذ إلا في البيت الأبيض وبتأييد من داوننغ ستريت

ولاعتبارات منها غزو جار لجاره، وشخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والعداء المعلن اتجاه الغرب، يطلق بعض العراقيين تشبيهات للحدث مع الاجتياح العراقي للكويت عام 1990 وما تبعه من آثار.

اقرأ/ي أيضًا: عاصفة الصحراء.. ذكريات من زمن محذوف

ولعل جاذبية الشبه ازدادت بفعل تزامن الحدث الروسي – الأوكراني مع إعلان الحكومة العراقية خروج العراق رسميًا من الفصل السابع، بدفعه التعويضات المالية للكويت كاملةً المفروضة بسبب الغزو.

ورغم الشبه الذي يدعو للمقارنة بين الاجتياح العراقي في 1990 والروسي في  2022 بتصويرٍ من أعلى؛ إلا أن الواقع ومعطياتها يفرضان مقارنة أخرى أكثر منطقية، باستبدال العراق الغازي إلى العراق المتعرض للغزو. أي 1990 بـ 2003.

غاب التفويض الأممي الرسمي عن الاحتلال الأمريكي للعراق وقادت الولايات المتحدة تحالفًا من ممثلين [بينهم أوكرانيا] شاركوا بما يقترب من المشاركة الرمزية التي تضفي صفة دولية عالمية لقرار لم يتخذ إلا في البيت الأبيض وبتأييد من داوننغ ستريت.

وكذلك، غابت الموافقة الدولية على قرار روسيا غزو أوكرانيا. واعتبر الغرب - الذي شارك باحتلال العراق – الهجوم الروسي انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية وحقوق الإنسان وغيرها من العبارات التي غصت بها مسامع الكوكب في 2003 دون جدوى.

دفع العراق ثمنًا باهظًا من غزو الكويت ليس لأنه تجاوز حدود دولته بل لأنه تجاوز الحدود السياسية المرسومة من قبل الدول العظمى

والحال ينطبق أيضًا على التبريرات. كانت الولايات المتحدة تشن حربها على (الإرهاب) بعد حادثة 9 أيلول/سبتمبر 2001. وقد غزت أفغانستان ومن ثم العراق بذريعة تلك الحرب واستنادًا إلى حجة "الدفاع عن الأمن القومي"، وهي الذريعة ذاتها التي استخدمها بوتين في تبرير حربه على أوكرانيا، ولعلها أكثر منطقيةً لناحية قرب روسيا الجغرافي من أوكرانيا مقارنة بالمسافة الهائلة بين الولايات المتحدة ومن يهددون أمنها القومي (العراق، أفغانستان).

نتعلم من التجارب والأحداث المتكررة على الأقل في العقود الأخيرة أن ما يسمى بالتفويض الأممي ليس شرطًا لأن تبدأ دولة ما الحرب على أخرى، وأن التبريرات التي تطلقها الدول الغازية لا يمكن أن تقف عند حدٍ معين، وأن العالم لا يحكمه القانون العادل، وأن "التدافع" هو سيد الموقف، في الماضي والحاضر، وفي المستقبل على الأغلب.

لقد رفضت أغلب دول العالم غزو النظام العراقي السابق للكويت رغم حججه المعلنة والمخفية. ورفضت أغلب شعوب العالم وبعض دوله الغزو الأمريكي للعراق رغم الحجج التي أطلقها كولن باول آنذاك. ويرفض الغرب الآن الغزو الروسي لأوكرانيا رغم حجج بوتين ومخاوفه من الناتو. في النهاية: لا معنى للرفض والقبول إلا في الحالات التي لا يتمكن الطرف البادئ بالفعل من الدفاع عن فعلته.

دفع العراق ثمنًا باهظًا من غزو الكويت ليس لأنه فعل فعلته وتجاوز حدود دولته نحو حدود دولة أخرى مرسومة في جغرافيا النظام العالمي، بل لأنه تجاوز الحدود السياسية المرسومة من قبل الدول العظمى في هذا النظام لمن هم بقوة العراق. لأن الأخير لم يستطع الدفاع عن فعلته.

في الساعات الماضية نقلت وكالات عالمية عن الرئيس الأوكراني دعوته "المواطنين الأوربيين للتظاهر للضغط على حكوماتهم لاتخاذ قرارات حاسمة" بعد انطلاق العملية الروسية العسكرية داخل أراضيه.

تعلم من التجارب والأحداث المتكررة أن ما يسمى بالتفويض الأممي ليس شرطًا لأن تبدأ دولة ما الحرب على أخرى

والسؤال هنا: ماذا فعلت التظاهرات العارمة في 2003 لمنع الغزو الذي شاركت فيه بلاد الرئيس الأوكراني؟

كان ملايين البشر يجوبون الشوارع ويحتشدون في الساحات: في بريطانيا، فرنسا، إسبانيا، اليونان، ألمانيا، روسيا، هولندا، الدنمارك، بلغاريا، المجر، بلجيكا، وقبرص.. وكذلك في شرق الكوكب: في اليابان، كوريا الجنوبية، ماليزيا، تايلند، هونغ كونغ، والهند.. وأيضًا في أمريكا الجنوبية وإفريقيا وأستراليا ونيوزلندا، فضلًا عن الدول العربية.

طالبت تلك الحشود المليونية بمنع الحرب على العراق، وذهب كاتب أمريكي للقول بإن "هناك قوتين عظميين على الأرض هما الولايات المتحدة والرأي العام العالمي". لكن التظاهرات والمسيرات لم تمنع الغزو.

ومن الجدير بالذكر أن المسيرات المليونية كانت تطلب – على الأقل – عدم مشاركة دولها في الغزو وليس فعل شيء اتجاه غزو آخر ضد دولة عظمى، كما يطلب الرئيس الأوكراني. وقد فتح الاحتلال الأمريكي الباب للتساؤل عمّا تبقى من الديمقراطية ليس بوصفها نظامًا حاكمًا محليًا؛ بل نظامًا معتمدًا عالميًا، يثبت فعاليته بضبط المسار في كوكبنا.

اقرأ/ي أيضًا: 9 حقائق هامة ينبغي ألا ننساها عن الغزو الأمريكي للعراق

والآن، تراقب دول العالم وشعوبها ردة الفعل الغربية اتجاه الفعل الروسي، مع تأكيدات الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا على قرارها بعدم الدخول في قتال مع الروس، ليس لأنهم لم يتجاوزا حدودهم الجغرافية، بل لأنهم قادرون على الدفاع عن فعلتهم ورسم حدودهم الجغرافية بقوتهم العسكرية، بغض النظر عن المآلات المستقبلية الاقتصادية وغيرها، فذلك موضوع آخر.

تشدد الدول الكبرى على قرارها بعدم الدخول في قتال مع الروس ليس لأنهم لم يتجاوزا حدودهم الجغرافية، بل لأنهم قادرون على الدفاع عن فعلتهم ورسم حدودهم بقوتهم العسكرية

تراقب الصين ما سيحدث، ويد التايوانيين على قلوبهم. وكذا كل الدول التي لديها أطماع بجيرانها أو تاريخ من العلاقات المتوترة. ونحن أيضًا نراقب كيف سيتصرف الغرب اتجاه فعلة فعلها بنفسه وأحال دولة مثل العراق إلى ركامٍ من الفساد والخراب والاقتتال الطائفي. ويبدو أن "شرطي العالم" أمام اختبار حقيقي وحاسم في مدى ممارسته لمهنة الشرطة.

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تجاهل الشعوب والمفتشين بـ"حجة فاسدة".. احتلال دق مسمارًا في نعش النظام العالمي

رحيل عرّاب غزو العراق.. بماذا تنبأ كولن باول ليوم وفاته؟