09-سبتمبر-2022
نصير شمة

بضع كلمات من ثناء مستحق لموهبة الفنان أنقذت حياته (فيسبوك)

استضافت الحلقة الماضية من برنامج "المقابلة" الذي يقدمه الإعلامي السعودي علي الظفيري على شاشة "الجزيرة" الموسيقار العراقي نصير شمّة، وهو فنان عراقي وعازف عود مميز حقق شهرة عربية وعالمية

. تحدث شمّة عن بداياته ودراسته وعلاقته بفلسطين، ومجزرة ملجأ العامرية التي ارتكبتها أمريكا عام 1991، وعن حضور الموسيقى في إرثنا التاريخي والعلاقة بين الصوفية والموسيقى، وأشياء أخرى، لكن الملفت في الحديث قصة "إعدامه" زمن صدام حسين.

وشاية كاذبة ومقصلة!

يقول نصير إنه سجن بتهمة "شتم الرئيس" وهي تهمة كيدية كتبها أحد المخبرين، ويؤكد نصير أنه لم يشتم لكنه كان ينتقد ممارسات النظام، لكن حتى النقد ليس مرحبًا به في زمن "المهيب الركن"، والوشاية الكاذبة كانت كفيلة باعتقال شمّة والحكم عليه بالإعدام، ويحكي شمّة بمرارة عن تجربة السجن، حيث سجن 190 يومًا في المرة الأولى، وبعدها 105 أيام في سجنين مختلفين، قبل تنفيذ الحكم بحقه.

شاءت الأقدار أن يرى أحد المسؤولين البعثيين الذي كان قد حضر حفلًا لشمّة في وقت سابق بالعراق اسمه في قوائم الإعدام، ليذهل المسؤول البعثي، الذي ثار غضبًا وأكد أنه شاهد حفلًا لشمّة بحضور عدد من الفنانين المصريين، ومع انتهاء الحفل قام الفنان المصري القدير نور الشريف بكثير من الثناء والمديح على موهبة شمّة الموسيقية، فلماذا يحكم مثل هذا الفنان بالإعدام؟ وما هي القصة؟

يبدأ المسؤول البعثي التحري حول قصة شمّة وسبب الحكم عليه بالإعدام، وقُدم له الملف كاملًا، وبعد النظر فيه قال إن هذه تهمة كيدية فارغة، وتساءل: هل هناك تسجيلات تثبت هذه التهمة؟ كانت الإجابة بالنفي، وهو ما دفع المسؤول للتحرك في سبيل إنقاذ الموسيقار قبل أن ينفذ فيه الحكم، وبالفعل تواصل مع مسؤولين أعلى منه وأخبرهم بحكاية شمّة، وثناء الفنانين المصريين على موهبته وفنه، وتحصل من قبلهم على "تزكية" كانت كفيلة بإنقاذ شمّة من حبل المشنقة، والإفراج عنه. 

أثر الفراشة

يمكن الحديث عن العيش في ظل الأنظمة الاستبدادية، وعن الوشاية والتقارير الكيديّة الكفيلة بتحطيم حياة الناس وإزهاق أرواحهم، وتحويل الشعب إلى مخبرين صغار وكتبة تقارير، لكن قيل الكثير عن "جمهورية الخوف"، الملفت حقًا أثر الكلمة التي قالها نور الشريف بحق شمّة في ذلك الحفل الذي حضره "الرفيق"

.

بضع كلمات من ثناء مستحق لموهبة الفنان أنقذت حياته، في حالة شمّة أنقذته فعليًا، وقدمت لنا موسيقارًا عالميًا، حصد عشرات الجوائز العربية والعالمية، وملأ الدنيا ألحانًا وموسيقى. لو لم يقل الشريف كلمته، هل كنّا رأينا تحرك المسؤول لإنقاذ شمّة؟ لا يمكننا الجزم بذلك.

سواء اتفقنا أم اختلفنا في تفسير أسباب إنقاذ شمّة من المقصلة، لكن الأكيد أن للكلمة أثرًا شبيهًا بأثر الفراشة كما وصفه محمود درويش "أَثر الفراشة لا يُرَى.. أَثر الفراشة لا يزول"، كلمات قد تحطم آمالًا وأنفس، وكلمات قد تنقذ نفسًا، من تيهٍ أو حزنٍ أو مقصلة!