09-أغسطس-2022
احتجاجات تشرين

رأيت الحسين لأول مرة في نفق التحرير (فيسبوك)

سامحني يا حسين لأنني في طفولتي كنتُ أرتعبُ خوفًا من اسمك، لأنني لم أكن أعرفكَ إلا بالصورة التي رسموها عنك، أتعلم من؟ هم ذاتهم الذين يدّعون أنهم من شيعتكَ فيقتلون كل من لا ينتمي إليها!

صدقني، لقد رأيتهم ذات مرةٍ في صيف 2007، رأيتهم يقتلون الناس بسبب جنسيةٍ تحددُ مصير من سيعيش، ليست شيعتكَ فحسب، بل تطور الأمرُ أيضًا فقد باتَ كل شيءٍ يعتمد على حظك، إن كانت السيطرة الوهمية القادمة سنيةً أم شيعيةً، أم أنها تنتمي لفئةٍ تقتلُ كلَ من أمامها لتشعلَ غضبًا لا يبردُ إلا بالدم، والكارثة حقًا إن كنتَ مسيحيًا، سيضحكُ بمكرٍ من يقف أمامكَ ويقول لكَ "سأعدُ لكَ للثلاثة لتغادرَ هذا البلد"وحين تديرُ ظهركَ عنهم.. يقتلونك، المعادلة بسيطةٌ جدًا -طائفتكَ، دينكَ، اسمكَ، هي مجرد طلقةٍ مؤقتة في أي لحظةٍ قد تصوبُ رأسك- هذهِ كل القصة.

يردد الجيل العراقي الجديد أمام شيعة السلطة شعار الحسين "هيهات منا الذلة"

في المرة الثانية رأيتهم في عيونِ دعاء وهي إحدى الطالبات في الصف الرابع الابتدائي، كانت تسألُ كل من في الصف من أنتَ؟ ومن تتبع؟ وبعد يومين يُقتلُ أب أحد الطلاب، ذاتَ يومٍ باردٍ وقفت أمامي وسألتني من أنتِ؟ ومن تتبعين؟ حينها خفتُ، خفتُ كثيرًا من أن أكون السبب في قتل أبي، أبي الذي كان كل ليلةٍ يحذرنا من قول من نحن! كان يطلبُ منا أن نقول إننا عراقيون فقط -مسكينٌ أبي لم يكن يعلم أننا في يومٍ ما سيتطاير رأسنا بدخانية لأننا عراقيون فقط- لأننا عراقيون فقط.

في ذلك الوقت لم يكن يحق لي أن اسأل عن اسمك وقضيتك، كنت أخافُ حين أسمع أبي يتحدث بصوتٍ منخفضٍ عن طائفتنا، كنتُ أظن أننا أيضًا نقتلُ الناس لأنهم ليسوا منا، كنتُ أخاف وارتعب خوفًا من أن يقتلَ أبي أمي لأنها ليست منا، كنتُ طفلةً وهذهِ أفزعُ فكرةً كانت تراودني حين أغفو، فأفزعُ من نومي أبحثُ عن أمي!

ورأيتهم أيضًا في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر في عام 2010 حين قتلو جدي، حينَ جعلو فتاتَ جسدهِ يغطي الحائط، رأيتهم وأنا أنتزعُ لحمَ جدي بأظافري الصغيرة، لقد قتلوهُ بدمٍ بارد، وكل ذلكَ لأنهُ كان يصلي في جامعٍ لا يذكرُ جملة -أشهدُ أن عليًا ولي الله- جملةً ناقصة جعلت من جسد جدي فتات!

ولكنني رأيتكَ لأول مرةٍ تركضُ في نفق التحرير، تمسحُ دموع الأمهات وتطبطب على كتف الاصدقاء، رأيتكَ تبكي تحت نصبِ التحرير تودع أحد الشهداء، ورأيتكَ تحميهم في خطِ الصد الأول، حين كنتَ تقفُ أمام كل شاب ليحتضنَ جسدكَ الدخانية بدلاً عنه، إبتسمتُ وفرحتُ كثيرًا، ولكنهم قتلوكَ أيضًا، لقد قتولكَ أمامي هذه المرة، قتلوكَ وأنا كنتُ عاجزةً من أن أحميكَ منهم، لا أعلمُ لمَ أنتَ مُصرٌ على أن تختار ذات المصير!

 لقد كانت هذهِ المرة الأولى التي رأيتكَ فيها، وأحببتكَ بصورتكَ الحقيقية، صورتكَ الخالية من القتلِ تحت اسمك، من السرقةِ باسمك، من اغتصاب الحقوق وسلب الأرواح، فرحتُ لأنني وأخيرًا عرفتك، ولكنني بكيتُ أكثر لأنهم قتلوك، نعم لقد قتلوا جزءًا منكَ في كلِ شهيدٍ، إلى أن بتَ أكثر من 800 جزء.

ولكن أتظن أنهم قادرون على أن يقتلوكَ كاملًا في داخلنا؟ لا أظن، اليوم أنتَ حي، حيٌ بقلبِ كلِ حر، نموتُ نحن فتحيا صرختكَ في جيلٍ كاملٍ، جيلٌ يرفضُ الذل، جيلٌ يخرجُ في الشوارع بصدورٍ عارية ويردد -هيهات منا الذلة- ولكن للأسف في كثيرٍ من اللحظات المفجعة صرخنا مثلكَ  -ألا من ناصرٍ ينصرنا؟- فكان الرد أكثر من 800 شهيد، ويسعدني أن أخبركَ أنني انتمي لشيعةِ شهدائك.

اليوم لو عادت دعاء لتسألني: من أنتِ؟

سأجيبها وأنا أبكي، وأقول:

"آني الحسيني المن صدك، أنت منو؟".