نجا من إصابات ثلاث تعرّض لها أثناء الحرب ضد تنظيم الدولة "داعش" لكنها كانت مؤثرة بما يكفي لتبطئ خطواته نحو الحياة في بغداد، ليث إبراهيم، من مقاتلي سرايا السلام القوات الموالية لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وأحد الفصائل التي شاركت في تحرير مدن عراقية عديدة شمال البلاد.
المؤسسات الطبية في العراق عاجزة عن إجراء الكثير من العمليات الجراحية مع نقص حاد في الأدوية والعلاجات الضرورية والأساسية
يسكن إبراهيم في حي فقير ضمن منطقة المشتل، في مناطق العشوائيات أو "التجاوز"، لكنه التحق بالمقاتلين الذين أرادوا تحرير مناطق العراق من "داعش". "كان شجاعًا"، يقول صديقه أثناء نوبة بكاء شديدة عند ثلاجة الموتى في مستشفى الصدر (القادسية سابقًا) في مدينة الصدر، شرقي بغداد.
اقرأ/ي أيضًا: انتفاضة تشرين.. مشاهد مروعة من "حمام الدماء" ومرحلة جديدة من القمع!
يروي صديقه لـ"ألترا عراق"، كيف دخل ليث مرة في منطقة يسيطر عليها "داعش" في سامراء، وأنقذ رفاقه المحاصرين من قبل مقاتلي التنظيم.
كانت ضريبة شجاعته رصاصة في البطن أعاقت حركته مشيًا وجريًا. ظلت الرصاصة مستقرة في مكانها على الرغم من انتهاء الحرب ضد "داعش" منذ أكثر من سنتين، فالمؤسسات الطبية هنا في العراق عاجزة عن إجراء الكثير من العمليات الجراحية مع نقص حاد في الأدوية والعلاجات الضرورية والأساسية، في وقت يكلف العلاج خارج البلاد مبالغ طائلة جدًا.
في التظاهرات التي انطلقت مطلع تشرين الأول/أكتوبر، كان ليث إبراهيم، -الجريح الذي استندت عليه الدولة مع رفاقه بعد انهيار أجهزتها الأمنية بفعل "فساد السلطة"- ضمن التظاهرات إلى جانب آلاف الشباب الذين يشقون طريقهم يوميًا إلى ساحة التحرير، من مدينة الصدر.
اقرأ/ي أيضًا: عبد المهدي "يعترف" بقتل المتظاهرين بعد "ليلة دامية" في بغداد
يهتف مع صديقه، العاطل عن العمل أيضًا، ضد النظام، بعد اليأس من الإصلاح. لم تفلح السلطة على مدى أيام بإيقاف التظاهرات، استخدمت الغاز والرصاص، ثم ارتقى القناصة أسطح المباني ووجهوا رصاصهم إلى رؤوس الشبان، إلا أن الآلاف استمروا بالخروج يوميًا، يستنشقون الغاز وتمطرهم الذخيرة الحية.
لكن قوات السلطة كانت تنفذ مخططًا محكمًا لقمع التظاهرات ـ وفق مراقبين ـ بدفع المحتجين عن ساحة التحرير وما حولها، وصولًا إلى حصرهم في مدينة الصدر، لعزلهم تمامًا بعد قطع وسائل الاتصال وشبكة الإنترنت وإغلاق القنوات الفضائية بـ"القوّة"، تمهيدًا لـ "التنكيل بهم قتلًا واعتقالًا" بعيداً عن أنظار العالم.
تشكل مدينة الصدر طاقة بشرية كبرى في بغداد، حيث تشير إحصائيات السكّان إلى وجود 3 ملايين نسمة فيها على الأقل. رصد "ألترا عراق" الأوضاع هناك طوال أيام الاحتجاجات الماضية.
ارتفعت حصيلة الضحايا بعد أن أصبحت مدينة الصدر ساحة التظاهر الوحيدة في بغداد
مئات الجرحى كانوا يصلون إلى مستشفى الصدر التعليمي طوال الليل، وارتفعت حصيلة الضحايا بعد أن أصبحت مدينة الصدر ساحة التظاهر الوحيدة في بغداد، مصابون بالرصاص أو مختنقين بقنابل الغاز، فيما ضمت ثلاجة الموتى 15 قتيلًا على الأقل ليلة الأحد الدامي 6 تشرين الأول/أكتوبر، من بينهم ليث إبراهيم، المقاتل في سرايا السلام.
يقف صديق إبراهيم وحيدًا أمام باب الثلاجة، ينهار في نوبات بكاء وصراخ باسم صاحبه.
يقول الشاب الذي كان شاهدًا على لحظة قتل ليث إبراهيم، إن "قوة من الجيش فتحت وابلًا من الرصاص بعد أن خنقت المتظاهرين بالغاز، ركضوا جميعًا، لكن ليث لم يستطع بسبب إصابته، كان فريسة سهلة لجندي ملثم، أطلق عليه رصاصة أولى أسقطته أرضًا، ثم أجهز عليه بدم بارد بثانية في الرأس من مسافة قريبة جدًا".
كانت الإصابة القديمة بادية على جثة ليث ذو الـ 27 ربيعًا، لم تحجبها إصابات قوات السلطة التي دافع عنها قبل سنوات، أو الدماء التي سالت من رأسه بعد الإصرار على قتله كما العشرات من المطالبين بفرصة حياة في ظل دولة تؤمن لقمة العيش والحياة الكريمة لمواطنيها.
لساعات ظل رفيق ليث إبراهيم قرب رأسه عند ثلاجة الموتى، قبل أن يصل والد ليث مع مجموعة من أخوته وأقربائه، ندبه والده بحرقة بالغة وثقها "الترا عراق" بمقطع مصور، لكنه يمتنع عن نشره حفاظًا على مشاعر أسرة الضحية.
بالأثناء، كانت امرأة مذعورة قد دخلت إلى المستشفى راكضة بحثًا عن ابنها الذي خرج محتجًا ولم يعد، خاطبها أحد الأطباء إن ابنها ليس من بين القتلى هنا، لكنه ربما قتل ونقل إلى مستشفى آخر، لتغادر سريعًا وقد خطف لون وجهها.
لم نستطع في ما بعد الحصول على معلومات عن مصير ابنها إن كان قد قتل أو اعتقل أو أصيب، حيث اكتظت مستشفى الصدر بالجرحى والقتلى، واصطبغت أسرتها بدماء الضحايا كما تظهر بعض الصور التي وثقها "الترا عراق" هناك.
اقرأ/ي أيضًا:
احتجاجات العراق تصل يومها السادس والسلطة تطلق يد "ميليشياتها"!
السلطة تحاصر الصحافيين في محاولة لإسكات الاحتجاجات العراقية!