فرضت الضوابط المفروضة على الحوالات الخارجية من الدولار من قبل البنك المركزي العراقي، وفق شروط البنك الفيدرالي الأمريكي، جملة من المتغيرات على الصعيدين الداخلي والخارجي، فبينما تمثلت على الصعيد الداخلي بارتفاع أسعار صرف الدولار، فإنها تسببت بتغيير خارطة التجارة الخارجية للعراق أيضًا.
انخفض حجم الاستيراد في النصف الأول من هذا العام بنسبة 27% إثر أزمة سوق الصرف ومحاولات الحكومة للسيطرة على حركة الدولار
بدأ تطبيق ما يعرف بـ "المنصة الإلكترونية" في العراق منذ كانون الأول/ديسمبر 2022، ودخلت العمل الفعلي ابتداءً من مطلع هذا العام، بهدف منع وصول الدولار إلى الدول والكيانات المحظورة، وهذا بدوره دفع بعض المصارف "للتحايل" لتمويل التجارة، وإيصال الدولار إلى الدول المحظورة وعلى رأسها إيران، الامر الذي دفع إلى فرض عقوبات على مصارف عدة وحرمانها من الحصول على الدولار، الأمر الذي جعل التجار أمام خيار وحيد؛ شراء الدولار من السوق الموازي لتمويل تجاراتهم الخارجية مع الدول المحظورة.
وتظهر آثار هذه التغييرات واضحة على إحصاءات التجارة الخارجية للعراق، حيث يظهر موقع "تريدنغ ماب" أنّ استيرادات العراق خلال النصف الأول من العام الجاري بلغت 16.9 مليار دولار فقط، وإذا ما قورنت باستيرادات العراق للنصف الأول من العام 2022 والتي بلغت حينها 22.9 مليار دولار، يظهر أنّ استيرادات العراق خلال النصف الأول من هذا العام انخفضت بنسبة أكثر من 27%، وبفارق قدره اكثر من 6 مليارات دولار.
انحدار استيرادات العراق
وبنظرة سريعة على مبيعات البنك المركزي العراقي، الحوالات الخارجية على وجه التحديد، يتبين بشكل واضح الفارق بين مبيعات البنك المركزي والحوالات الخارجية ما قبل كانون الأول/ديسمبر 2022 وما بعده، حيث كان معدل الحوالات الخارجية من الدولار شهريًا يتراوح بين 3 – 4 مليارات دولار شهريًا، قبل أن تنخفض في تشرين الثاني/نوفمبر إلى 1.4 مليار دولار، ثم إلى أقلّ من مليار دولار خلال الشهر الأخير من العام الماضي وشهري وكانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2023.
المبيعات عادت لترتفع في آذار/مارس حتى آب/أغسطس الماضي حول معدل مستقر بلغ أكثر من 2 مليار دولار، قبل أن تعود وتنخفض الحوالات في أيلول/سبتمبر عند نطاق المليار دولار.
حجم الاستيراد الممول من السوق الموازي؟
وبينما تظهر البيانات العالمية أنّ العراق استورد خلال النصف الأول من العام الحالي بنحو 17 مليار دولار، فإنّ بيانات البنك المركزي تشير إلى أنّ الحوالات الخارجية لغرض الاستيراد خلال النصف الأول من العام الحالي بلغت وحتى حزيران/يونيو 2023، 12.5 مليار دولار فقط، وهو ما يعني أنّ ما قيمته 4.4 مليار دولار من البضائع تم استيرادها بدولار السوق الموازي، أي أن 26% من حجم الاستيراد خلال النصف الأول من العام الحالي جاءت عبر "الدولار الموازي".
هل يذهب دولار المسافرين للاستيراد المحظور؟
وبالنظر إلى هذه البيانات فإنّ السوق الموازي يمول يوميًا عمليات الاستيراد بنحو 25 مليون دولار، ما يفسر حجم الطلب الكبير على الدولار في السوق والذي أدى إلى ارتفاع أسعار الصرف بشكل كبير.
ويتأرجح سعر الصرف في السوق الموازي عند 1600 دينار لكل دولار منذ أسابيع، بفارق نحو 300 دينار عن السعر الرسمي.
ويساوي الرقم المطلوب، أو الذي تم شراؤه من السوق الموازي يوميًا لغرض الاستيراد، يساوي تقريبًا مبيعات البنك المركزي اليومية كمبيعات نقدية لغرض السفر، والتي تتسرب إلى السوق الموازي، ويتم شراؤها من قبل التجار لتمويل الاستيرادات مع الدول المحظورة.
تشير البيانات إلى أنّ نحو ربع عمليات الاستيراد تمول من السوق الموازي بمبلغ 4.4 مليار دولار خلال الأشهر الستة الأولى من 2023
وبلغت مبيعات البنك المركزي من الدولار النقدي لغرض السفر خلال النصف الأول من هذا العام 5.8 مليار دولار، ما يشير إلى أنّ 75% من الدولار المخصص للمسافرين قد ذهب ربما إلى التجار لغرض الاستيراد، وهو ما يفسر الشكاوى التي يؤكدها المسافرون من صعوبة حصولهم على الدولار.
30 مليون دولار للمسافرين يوميًا!
وبلغ عدد المسافرين "قادمين ومغادرين" عبر المطارات العراقية خلال 2022، نحو 9 ملايين مسافر بحسب سلطة الطيران المدني، ووفقًا لذلك فإنّ المسافرين المغادرين الذين يحتاجون إلى شراء الدولار من البنك المركزي يبلغون بحدود 4.5 مليون مسافر خلال عام، أي بحدود أكثر من 12 ألف و300 مسافر يوميًا.
ويمول البنك المركزي العراق كل مسافر بـ 3 آلاف دولار حاليًا، ما يعني أنّ المسافرين بالفعل يحتاجون لنحو 36 مليون دولار يوميًا كمعدل، لكن معظم هذه المبيعات النقدية تذهب لغرض تمويل الاستيراد "المحظور" ويبقى المسافرون بلا حصص من الدولار ما يضطرهم للضغط أيضًا على السوق الموازي من أجل شراء الدولار.